موسوعة البحـوث المنــبرية 

.

   تفسير سورة النور: ثامناً: الآيات (43-46):           الصفحة السابقة        (عناصر البحث)        الصفحة التالية   

 

 

ثامناً: الآيات (43-46):

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِى سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزّلُ مِنَ ٱلسَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلاْبْصَـٰرِ * يُقَلّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لاوْلِى ٱلاْبْصَـٰرِ * وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَىٰ أَرْبَعٍ يَخْلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ * لَّقَدْ أَنزَلْنَا ءايَـٰتٍ مُّبَيّنَـٰتٍ وَٱللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَاء إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.

القراءات:

1- {ثُمَّ يُؤَلّفُ}:

1) قرأ الجمهور {يؤلف} بالهمز.

2) وقرأ ورش وقالون عن نافع {يولف} بالواو تخفيفاً[1].

2- {فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ}:

1) قرأ الجمهور (من خلاله).

2) وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو العالية {من خِلَلِه} على التوحيد[2].

3- {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلاْبْصَـٰرِ}:

1) قرأ الجمهور {سنا برقه} {ويَذْهَبُ} بفتح الياء والهاء، والباء للإلصاق.

2) وقرأ طلحة بن مصرف {سَنَاءُ بُرَقِه} وقرأ الجحدري وابن القعقاع {يُذْهِبُ بالأبصار}[3].

4- {وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء}:

1) قرأ الجمهور {والله خلق} على الفعل.

2) وقرأ يحي بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي: {والله خالق كل}[4].

المفردات:

1- {يُزْجِى سَحَاباً}: أي يسوق إلى حيث يشاء، والريح تزجي السحاب والبقرة تزجي ولدها أي تسوقه[5]. والمعنى: أنه سبحانه يسوق السحاب سوقاً رقيقاً إلى حيث يشاء[6].

2- {ثُمَّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ}: أي يجمعه بعد تفرقة[7] فيضم بعضه إلى بعض ويجمعه بعد تفرقة ليقوي ويتصل ويكثف[8].

3- {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً}: أي مجتمعاً يركب بعضه بعضاً والركم جمع الشيء يقال منه: رَكَم الشيء يَرْكُمُه ركماً إذا جمعه وألقى بعضه على بعض وارتَكَم الشيء وتراكم إذا اجتمع. والرُّكْمةَ الطين المجموع والرُّكاَم: الرمل المتراكم وكذلك السحاب وما أشبهه[9].

4- {فَتَرَى ٱلْوَدْقَ}: في الودق قولان: أحدهما: أنه البرق. الثاني: أنه المطر[10]. كما عند جمهور المفسرين[11] (وهو الأصح).

5- {وَيُنَزّلُ مِنَ ٱلسَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ}: قال بعض النحاة: (من) الأولى لابتداء الغاية والثانية: للتبعيض والثالثة: لبيان الجنس. وهذا إيما يجيء على قول من ذهب من المفسرين إلى أن قوله: {مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} معناه أن في السماء جبال برد يُنزل الله منها البرد وأما من جعل ههنا كناية عن السحاب فإن (من) الثانية عند هذا لابتداء الغاية أيضاً لكنها بدل من الأولى والله أعلم[12].

6- {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلاْبْصَـٰرِ}: يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا تبعته وتراءته[13].

7- {يُقَلّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ}: أي يتصرف فيهما فيأخذ من طول هذا في قصر هذا حتى يعتدلا ثم يأخذ من هذا في هذا فيطول الذي كان قصيراً ويقصر الذي كان طويلاً[14].

8- {وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ}: الدابة كل ما دب على وجه الأرض من الحيوان يقال: دبّ يَدِب فهو دابّ. والهاء للمبالغة[15].

المغني الإجمالي:

يذكر الله سبحانه وتعالى دليلاً آخر من الآثار العلوية فقال جل ثناؤه {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِى سَحَاباً...} أي ألم تشاهد ببصرك عظيم قدرة الباري جل جلاله كيف أنه يسوق السحاب المتفرق في الفضاء حتى يؤلف بينه ويجعله سحاباً متراكماً بعضه فوقه بعض فترى الودق أي المطر يخرج من خلال السحاب نقطاً متفرقة ليحصل بها الانتفاع من دون ضرر فتمتلئ بذلك الغدران وتتدفق الخلجان وتسيل الأودية وتنبت الأرض من كل زوج كريم وتارة ينزل الله سبحانه من ذلك السحاب بَرَداً يتلف ما يصيبه {فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء} وذلك بحسب اقتضاء حكمه القدري وحكمته التي حمد عليها {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} أي يكاد ضوء برق ذلك السحاب من شدته {يَذْهَبُ بِٱلاْبْصَـٰرِ} أليس الذي أنشأها وساقها لعباده المفترقين وأنزلها على وجه يحصل به النفع وينتفي به الضرر كامل القدرة نافذة المشيئة واسع الرحمة؟ بلى.

ثم ساق الله صورة أخرى من صور قدرته الكاملة ومشيئته النافذة فقال جل ذكره {يُقَلّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ...} من حر إلى برد ومن برد إلى حر ومن ليل إلى نهار ومن نهار إلى ليل ويديل الأيام بين عباده إن في ذلك لعبرة وموعظة لذوي البصائر والعقول النافذة للأمور المطلوبة منها فالبصير ينظر إلى هذه المخلوقات والآيات نظر اعتبار وتفكر والمعرض الجاهل ينظر إليها نظر غفلة بمنزلة نظر البهائم. ثم ينبه الله عباده على ما يشاهدونه أنه خلت جميع الدواب التي على وجه الأرض من ماء أي مادتها كلها الماء فالحيوانات التي تتوالد مادتها ماء النطفة حين يلقح الذكر الأنثى والحيوانات التي تتولد من الأرض لا تتولد إلا من الرطوبات المائية كالحشرات فالمادة واحدة لكن الخلقة مختلفة من وجوه كثيرة فمنهم من يمشي على بطنه كالحية وغيرها ومنهم من يمشي على رجلين كالآدميين وكثير من الطيور ومنهم من يمشي على أربع كبهيمة الأنعام ونحوها فاختلافها -مع أن الأصل واحد - يدل على نفوذ مشيئة الله وعموم قدرته ثم يقرر سبحانه أنه أنزل في هذا القرآن من الحكم والأمثال البينة المحكمة وأنه يرشد إلى تفهمها وتعقلها أولي الألباب والبصائر ولهذا قال: {وَٱللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَاء إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[16].

نصوص ذات صلة:

1- قال الله تعالى: {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً} وذلك كقوله تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مّنَ ٱلسَّمَاء سَـٰقِطاً يَقُولُواْ سَحَـٰبٌ مَّرْكُومٌ} [الطور:44][17].

2- وجاء في معنى قول الله تعالى : {يُقَلّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ} آيات كثيرة منها قوله تعالى: {إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لاَيَـٰتٍ لاِوْلِى ٱلاْلْبَـٰبِ} [عمران:190][18].

الفوائـد:

1- في قول الله تعالى: {يُقَلّبُ ٱللَّهُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ}: (لا يدخل في هذا الجن والملائكة لأنا لم نشاهدهم ولم يثبت أنهم خلقوا من ماء بل في الصحيح أن الملائكة خلقوا من نور والجن خلقوا من نار[19]).[20]


[1] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/288)، وفتح القدير (4/41).

[2] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/288)، وفتح القدير (4/41).

[3] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/290).

[4] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/291)، وفتح القدير (4/42).

[5] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/288).

[6] انظر: فتح القدير (4/41).

[7] تفسير القرآن العظيم (3/308).

[8] انظر: فتح القدير (4/41).

[9] انظر: الجامع لأحكام القرآن (288).

[10] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/288-289).

[11] انظر: فتح القدير (4/41).

[12] تفسير القرآن العظيم (3/309).

[13] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/309).

[14] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/309).

[15] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/291).

[16] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/287)، وتفسير القرآن العظيم (3/308)، وفتح القدير (4/41)، وتيسير الكريم الرحمن (5/429).

[17] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/288).

[18] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/309).

[19] الحديث أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق باب: في أحاديث متفرقة (2996) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[20] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/291) وَ (10/23).

 
.