موسوعة البحـوث المنــبرية 

.

   تفسير سورة النور: خامساً: الآيـة (35):            الصفحة السابقة        (عناصر البحث)        الصفحة التالية   

 

 

خامساً: الآيـة (35):

{ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلاْمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلَيِمٌ}.

القراءات:

1- {ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ}:

1) قرأ بعضهم: {الله منوِّر السمٰوات والأرض}[1].

2) وقرأ عبد الله بن عياش وأبو عبد الرحمن السلمي: {الله نَوَّر} بفتح النون والواو المشددة[2].

2- {ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرّىٌّ}:

1) قرأ بعضهم بضم الدال من غير همزة من الدر أي كأنها كوكب من در.

2) وقرأ بعضهم {دِرّئ} و{دُرّيء} بكسر الدال وضمها مع الهمزة من الدرء وهو الرفع وذلك أن النجم إذا رمي به يكون أشد استنارة من سائر الأحوال[3].

3- {ٱلْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ}:

1) قرأ نصر بن عاصم {زَجَاجَة}[4].

4- {يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ}:

1) وقد قرئ {توقد} بالتاء الفوقية على أن الضمير راجع إلى الزجاجة دون المصباح وبها قرأ الكوفيون.

2) وقرأ شيبة ونافع وأيوب وسلام وابن عامر وأهل الشام وحفص {يُوقَد} بالتحتية مضمومة وتخفيف القاف وضم الدال.

3) وقرأ الحسن والسلمي وأبو عمرو بن العلاء وأبو جعفر {تَوَقّدَ} بالفوقية مفتوحة وفت الواو وتشديد القاف وفتح الدال على أنه فعل ماض من توقد يتوقد[5].

5- {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ}:

1- قرأ الجمهور {تمسسه} بالفوقية لأن النار مؤنثة.

2- وعن ابن عباس أنه قرأ {يمسسه} بالتحتية لكون تأنيث النار غير حقيقي[6].

المفردات:

1- {كَمِشْكَاةٍ}: أي هو موضع الفتيلة من القنديل هذا هو المشهور ولهذا قال بعده {فِيهَا مِصْبَاحٌ}[7] والمشكاة: الكرة في الحائط غير النافذة، وهي أجمع للضوء[8].

2- {ٱلْمِصْبَاحُ}: وهو الزبالة التي تضيء[9] والمصباح الفتيل بناره[10].

3- {ٱلزُّجَاجَةُ}: الزجاجة جسم شفاف يظهر فيه النور أكمل ظهور[11].

4- {يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ}: أي من زيت شجرة، فحذف المضاف والمباركة المنماة والزيتون من أعظم الثمار نماءً والرمان كذلك[12].

5- {لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ}: أي ليست في شرقي بقعتها فلا تصل إليها الشمس من أول النهار ولا في غربها فيقلص عنها الفيء قبل الغروب بل هي في مكان وسط تعصرها الشمس من أول النهار إلى آخره فيجيء زيتها صافياً معتدلاً مشرقاً[13].

المعنى الإجمالي:

لما بين سبحانه من الأحكام ما بيّن أردف ذلك بكونه سبحانه في غاية الكمال فقال: {ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ} النور الحسي والمعنوي وذلك أنه تعالى بذاته نور الذي لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وبه استنار العرش والشمس والقمر والنور وبه استنارت الجنة وكذلك المعنوي يرجع إلى الله فكتابه نور وشرعه نور والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات ولهذا كل محل يفقد نوره فَثّمَّ الظلمة والحصر...

ثم ضرب الله مثلاً لذلك فقال: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} {مَثَلُ نُورِهِ} الذي يهدي إليه وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين. {كَمِشْكَاةٍ} أي: كوة {فِيهَا مِصْبَاحٌ} لأن الكوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق.

ذلك {ٱلْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ} من صفائها وبهائها {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرّىٌّ} أي مضيء إضاءة الدر {يُوقَدُ} ذلك المصباح الذي في تلك الزجاجة الدرية {مِن شَجَرَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} أي يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون {لاَّ شَرْقِيَّةٍ} فقط فلا تصيبها الشمس آخر النهار {وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} فقط فلا تصيبها الشمس أول النهار {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} أي من صفائه فإذا مسته النار أضاء إضاءة بليغة {نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ} أي نور النار ونور الزيت.

ووجه هذا المثل الذي ضربه الله وتطبيقه على حالة المؤمن ونور الله في قلبه أن فطرته التي فطر عليها بمنزلة الزيت الصافي. ففطرته صافية مستعدة للتعاليم الإلهية والعمل المشروع فإذا وصل إليه العلم والإيمان اشتعل ذلك النور في قلبه بمنزلة إشعال النار فتيلة ذلك المصباح وهو صافي القلب من سوء القصد وسوء الفهم عن الله إذا وصل إليه الإيمان أضاء إضاءة عظيمة لصفاءه من الكدورات وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية فيجتمع له نور الفطرة ونور الإيمان ونور العلم وصفاء المعرفة نور على نور، ولما كان هذا من نور الله تعالى وليس كل أحد يصلح له ذلك قال: {يَهْدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء} ممن يعلم زكاءه وطهارته وأنه يزكى معه وينمى {وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلاْمْثَالَ لِلنَّاسِ} ليعقلوا عنه ويفهموا لطفاً منه بهم وإحساناً إليهم وليتضح الحق من الباطل فإن الأمثال تقرب المعاني المعقولة من المحسوسة فيعلمها العباد علماً واضحاً.

{وَٱللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلَيِمٌ} فعلمه محيط بجميع الأشياء. فلتعلموا أن ضرب الأمثال ضرب من لا يعلم حقائق الأشياء وتفاصيلها وأنها مصلحة للعباد فليكن اشتغالهم بتدبرها وتعقلها لا بالاعتراض عليها ولا بمعارضتها فإنه يعلم وأنتم لا تعلمون[14].

نصوص ذات صلة:

1- {ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ}: جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم آذاه أهل الطائف ((أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل بي غضبك أو ينزل بي سخطك...))[15].

2- وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول: ((اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن))[16].

3- جاء في معنى قوله تعالى: {يَهْدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء} حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله تعالى خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره يومئذ فمن أصاب من نوره يومئذٍ اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول: جف القلم على علم الله عز وجل))[17].

الفوائـد:

1- النور في كلام العرب: الأضواء المدركة بالبصر واستعمل مجازاً فيما صح من المعاني ولاح فيقال: كلام له نور وفيه: الكتاب المنير فيجوز أن يقال: لله تعالى نور من جهة المدح لأنه أوجد الأشياء ونور جميع الأشياء منه ابتداؤها وعنه صدورها وهو سبحانه ليس من الأضواء المدركة جل وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً[18].

2- وقال ابن عباس رضي الله عنه: (في الزيتون منافع يسرج بالزيت، وهو إدام، ودِهان ودباغ، ووقود يوقد بحطبه ونقله، وليس فيه شيء إلا وفيه منفعة حتى الرماد يغسل به الإبرِيِسِم[19]. وهي أول شجرة نبتت في الدنيا وأول شجرة نبتت بعد الطوفان وتنبت في منازل الأنبياء والأرض المقدسة ودعا لها سبعون نبياً بالبركة)[20].


[1] انظر: تفسير ابن كثير (3/301).

[2] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/259).

[3] انظر: تفسير ابن كثير (3/301).

[4] الجامع لأحكام القرآن (12/261).

[5] انظر: فتح القدير للشوكاني (4/33).

[6] فتح القدير (4/33).

[7] تفسير ابن كثير (3/301).

[8] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/257).

[9] تفسير ابن كثير (3/301).

[10] الجامع لأحكام القرآن (12/258).

[11] انظر: فتح القدير (4/33).

[12] الجامع لأحكام القرآن (12/258).

[13] تفسير ابن كثير (3/301).

[14] انظر: تفسير ابن كثير (3/300) وتفسير السعدي (5/419)، وفتح القدير (4/32).

[15] أخرجه ابن عدي في الكامل (6/111) وذكره الطبري في تاريخه (1/554) وأورد القصة ابن إسحاق وذكر الدعاء (2/268) من طريق عبد الله بن جعفر رضي الله عنه.

[16] أخرجه البخاري في كتاب الجمعة باب التهجد بالليل (1120)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (769).

[17] أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان باب ما جاء في افتراق هذه الأمة (2642)، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (27761) والحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2130).

[18] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/256).

[19] الإبريسم: معرب، وفيه ثلاثة لغات وهو الحرير.

[20] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/258).

 
.