موسوعة البحـوث المنــبرية

.

   تفسير سورة النور: رابعاً: الآيات (32-34):           الصفحة السابقة        (عناصر البحث)        الصفحة التالية   

 

 

رابعاً: الآيات (32-34):

{وَأَنْكِحُواْ ٱلأيَـٰمَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ فَكَـٰتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَءاتُوهُمْ مّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِى ءاتَـٰكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ءايَـٰتٍ مُّبَيّنَـٰتٍ وَمَثَلاً مّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ}.

أسباب النزول:

1- قوله تعالى: {فَكَـٰتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}:

قيل: نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له: صبح، وقيل: صبيح، طلب من مولاه أن يكاتبه فأبى، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين ديناراً فأداها. وقتل بحنين في الحرب. ذكره القشيري وحكاه النحاس[1].

وعن عبد الله بن صبيح عن أبيه قال: كنت مملوكاً لحويطب بن عبد العزى فسألته الكتابة فأبى فنزلت: {وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَـٰبَ}[2].

2- قوله تعالى: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}:

عن جابر رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن أبي بن سلول يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئاً، فأنزل الله عز وجل: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[3].

وعن جابر رضي الله عنه أيضاً: أن جارية لعبد الله بن أبي بن سلول يقال لها: مسيكة وأخرى يقال لها: أميمة، فكان يكرههما على الزنى، فشكتا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَاء} إلى قوله تعالى: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[4].

وقال السدي: أنزلت هذه الآية الكريمة في عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين وكانت له جارية تدعى: معاذة، وكان إذا نزل به ضيف أرسلها إليه ليواقعها إرادة الثواب منه والكرامة له، فأقبلت الجارية إلى أبي بكر رضي الله عنه فشكت إليه، فذكره أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره بقبضها فصاح عبد الله بن أبي: من يعذرنا من محمد يغلبنا على مملوكتنا؟! فأنزل الله فيهم هذا[5].

القراءات:

1- {وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ}:

1) {عبادكم}: وهي قراءة الجمهور.

2) {عَبيدكم}: بالياء مكان الألف وفتح العين، وهو كالعباد جمع عبد إلا أن استعماله في المماليك أكثر من استعمال العباد فيهم[6].

2- {وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}:

1) {من بعد إكراههن غفور رحيم}: هذه قراءة الجمهور.

2) {لهن غفور رحيم}: بزيادة (لهن) قرأ بها ابن مسعود وجابر وابن جبير [7].

المفردات:

1- {ٱلأيَـٰمَىٰ}: الأيامى: جمع أيّم بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة والأيم: من لا زوج له من الرجال والنساء، سواء كان قد تزوج قبل ذلك أو لم يتزوج قط. ويقال: رجل أيم وامرأة أيم[8]. وقال القرطبي: واتفق أهل اللغة على أن الأيم في الأصل هي المرأة التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً حكى ذلك أبو عمرو والكسائي وغيرهما[9].

2- {وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ}: الإماء: المملوكات[10]. ويحتمل أن المراد بالصالحين صلاح الدين، وأن الصالح من العبيد والإماء وهو الذي لا يكون فاجراً زانياً مأمورٌ سيده بإنكاحه جزاء له على صلاحه وترغيباً له فيه، ولأن الفاسد بالزنا منهي عن تزوجه فيكون مؤيداً للمذكور في أول السورة أن نكاح الزاني والزانية محرم حتى يتوب، ويكون التخصيص بالصلاح في العبيد والإماء دون الأحرار لكثرة وجود ذلك في العبيد عادة. ويحتمل أن المراد بالصالحين الصالحون للتزوج المحتاجون إليه من العبيد والإماء، يؤيد هذا المعنى أن السيد غير مأمور بتزويج مملوكه قبل حاجته إلى الزواج، ولا يبعد إرادة المعنيين كليهما والله أعلم[11].

3- قوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً}: استعفف وزنه استفعل، ومعناه: طلب أن يكون عفيفاً. ومعنى {لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً} أي: طول نكاح فحذف المضاف، وقيل: النكاح ها هنا ما تنكح به المرأة من المهر والنفقة كاللحاف اسم لما يلتحف به[12].

4- قوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ فَكَـٰتِبُوهُمْ}: الكتاب: مصدر كاتب كالمكاتب... وقيل: الكتاب ههنا اسم عين للكتاب الذي يكتب فيه الشيء، وذلك لأنهم كانوا إذا كاتبوا العبد كتبوا عليه وعلى أنفسهم بذلك كتاباً ومعنى المكاتبة في الشرع: أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه منجماً[13] فإذا أداه فهو حر[14].

5- قوله: {إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}: قال بعضهم: أمانة، وقال بعضهم: صدقاً، وقال بعضهم: مالاً، وقال بعضهم: حيلة وكسباً[15]. قال الألوسي: وظاهره الاكتفاء بالقدرة على الكسب وعدم اشتراط الأمانة، وهو قول نقله ابن حجر عن بعضهم[16].

6- قوله: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}:

{فَتَيَـٰتِكُمْ}: أي إمائكم، {عَلَى ٱلْبِغَاء} أن تكون زانية[17]، {تَحَصُّناً} المراد بالتحصن هنا التعفف والتزوج[18].

7- قوله: {لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا}: وهو ما تكسبه الأمة بفرجها[19].

8- قوله: {وَمَثَلاً مّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ}: أي: من أخبار الأولين الصالح منهم والطالح، وصفة أعمالهم وما جرى لهم وما جرى عليهم، تعتبرونه مثالاً ومعتبراً لمن فعل مثل أعمالهم أن يجازى مثل ما جوزوا[20].

المعنى الإجمالي:

اشتملت هذه الآيات الكريمات على جمل من الأحكام المحكمة والأوامر المبرمة فقوله: {وَأَنْكِحُواْ ٱلأيَـٰمَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ} هذا أمر بالتزويج، قال ابن عباس: رغبهم الله في التزويج وأمر به الأحرار والعبيد ووعدهم عليه الغنى فقال: {إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ}، ومعناه: لا تمتنعوا عن التزويج بسبب فقر الرجل والمرأة، وهذا وعد بالغنى للمتزوجين طلباً رضا الله واعتصاماً من معاصيه. قال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح، وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: (أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى). ثم أخبر سبحانه عن عظيم فضله وسعة خيره ومننه فقال: {والله وَاسِع عَليم} أي: كثير الخير عظيم الفضل عليم بمن يستحق فضله الديني والدنيوي أو أحدهما ممن لا يستحق.

ثم أرشد الله سبحانه وتعالى من لم يجد طولاً للنكاح أن يستعفف حتى يغنيه الله عز وجل من فضله، وهذا أمر منه سبحانه لكل من تعذر عليه النكاح لأي سبب كان أن يستعفف، ثم أمر الله عز وجل السادة إذا طلب عبيدهم منهم الكتابة أن يكاتبوهم بشرط أن يكون للعبد حيلة وكسب يؤدي إلى سيده المال الذي شارطه على أدائه، ثم أمر بإعانتهم في مال الكتابة إما بأن يعطوهم شيئاً مما في أيديهم - أيدي السادة -، أو يحطوا عنهم شيئاً من مال الكتابة... ولما كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت فلما جاء الإسلام نهى الله المؤمنين عن ذلك وكان سبب نزول قوله تعالى: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا} فيما ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف أنها نزلت في عبد الله بن أبي ثم أخبر سبحانه أن إثم هذا الفعل واقع على من أكره جواريه وإماءه فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم، أي: لهن وإثمهن على من أكرههن.

ولما فصل تبارك وتعالى هذه الأحكام وبينها قال: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ءايَـٰتٍ مُّبَيّنَـٰتٍ} يعني: القرآن الكريم {وَمَثَلاً مّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ} أي: خبر عن الأمم الماضية وما حل بهم في مخالفتهم أوامر الله تعالى: {وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ} أي: لمن اتقى الله وخافه قال علي بن أبي طالب في صفة القرآن: (فيه حكم ما بينكم، وخبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله)[21].

نصوص ذات صلة:

1- {وَأَنْكِحُواْ ٱلأيَـٰمَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ} جاء في معنى هذه الآية حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن له وجاء))[22]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم))[23].

واعلم أن قوله في هذه الآية الكريمة: {وَإِمائِكُمْ} بينت آية النساء أن الأمة لا تُزوج للحر إلا بشروط فآية النساء مخصصة لعموم آية النور هذه بالنسبة للإماء وآية النساء المذكورة هي قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم مّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ} إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [النساء:25][24].

2- قوله تعالى: {إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ} فيه وعد من الله للمتزوج الفقير من الأحرار والعبيد بأن يغنيه الله وقد وعد الله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءاتَاهُ ٱللَّهُ لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا ءاتَاهَا سَيَجْعَلُ ٱللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق:7][25].

3- وقوله: {وَلْيَسْتَعْفِفِ ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ} هذا الاستعفاف المأمور به في هذه الآية الكريمة هو المذكور في قوله: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ} [النور:30]، وقوله: {وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء:32][26].

ومما ورد في السنة بخصوص هذه الآية بيان أن الله يعين الناكح يريد العفاف كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة حق على الله عز وجل عونهم: المجاهد في سبيل الله، والناكح الذي يريد العفاف، والمكاتب الذي يريد الأداء))[27].

4- وقوله: {وَٱلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَـٰبَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ فَكَـٰتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}، ومما جاء في المكاتبة حديث بريرة فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أتتها بريرة تسألها في كتابتها فقالت: إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي، وقال أهلها: إن شئت أعطيتها ما بقي -وقال سفيان مرة- إن شئت أعتقتيها ويكون الولاء لنا، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ابتاعيها فأعتقيها فإن الولاء لمن أعتق)) ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: ((ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة مرة))[28].

5- وقوله: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَـٰتِكُمْ عَلَى ٱلْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}:

عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن[29].

6- قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ءايَـٰتٍ مُّبَيّنَـٰتٍ وَمَثَلاً مّنَ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ}، وقد قال الله في مطلع سورة النور: {سُورَةٌ أَنزَلْنَـٰهَا وَفَرَضْنَـٰهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا ءايَـٰتٍ بَيّنَـٰتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.

الفوائـد:

1- اختلف أهل العلم في النكاح: هل هو مباح أو مستحب أو واجب؟ فذهب إلى الأول الشافعي وغيره، وإلى الثاني مالك وأبو حنيفة، وإلى الثالث بعض أهل العلم على تفصيل لهم في ذلك، فقالوا: إن خشي على نفسه الوقوع في المعصية وجب عليه وإلا فلا، والظاهر أن القائلين بالإباحة والاستحباب لا يخالفون في الوجوب مع تلك الخشية، وبالجملة فهو مع عدمها سنة من السنن المؤكدة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بعد ترغيبه في النكاح: ((ومن رغب عن سنتي فليس مني))[30] ولكن مع القدرة عليه وعلى مؤنه[31].

2- قوله تعالى: {إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ} هذا وعد تحت مشيئة الباري سبحانه، وقد يوجد كثير من الفقراء لا يحصل لهم الغنى إذا تزوجوا، وقيل: المعنى إنه يغنيه بغنى النفس[32]. وفيه حث على التزوج ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر[33].

3- المكاتب عبد ما بقي عليه في مال الكتابة شيء لقوله عليه السلام: ((المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم))[34] وأجمع العلماء على أن المكاتب إذا حل عليه نجم من نجومه أو نجمان من نجومه كلها فوقف السيد عن مطالبته وتركه بحاله أن الكتابة لا تنفسخ ما داما على ذلك ثابتين[35].

4- في قوله تعالى: {وَءاتُوهُمْ مّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِى ءاتَـٰكُمْ} ندب لعامة المسلمين بإعانة المكاتبين بالتصدق عليهم[36].


[1] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/244).

[2] فتح القدير للشوكاني (4/46).

[3] أخرجه مسلم في كتاب التفسير باب: في قوله تعالى (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) (3029).

[4] أخرجه مسلم في كتاب التفسير باب: في قوله تعالى {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} (3029).

[5] انظر: تفسير ابن كثير (3/300).

[6] روح المعاني للألوسي (18/148).

[7] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/255).

[8] أضواء البيان للشنقيطي (6/214).

[9] الجامع لأحكام القرآن (12/239-240)، وانظر: فتح القدير للشوكاني (4/27).

[10] أضواء البيان للشنقيطي (6/216).

[11] تيسير الكريم الرحمن (5/414).

[12] الجامع لأحكام القرطبي (12/243).

[13] منجماً أي مجزءًا بأقساط معلومة الأجل.

[14] فتح القدير (4/29).

[15] تفسير ابن كثير (3/298).

[16] روح المعاني (18/154).

[17] تفسير السعدي (5/417).

[18] فتح القدير (4/29).

[19] فتح القدير (4/30).

[20] تفسير السعدي (5/419).

[21] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/239) وتفسير القرآن العظيم (3/297)، وفتح القدير (4/27) وتيسير الكريم الرحمن (5/414).

[22] أخرجه البخاري في كتاب الصوم باب: الصوم لمن خاف على نفسه العزبة (1905)، ومسلم في النكاح باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد (1400).

[23] أخرجه النسائي في كتاب النكاح باب: كراهية تزويج العقيم (3227) وأبو داود في كتاب النكاح باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء (2050) من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه والحديث قال عنه الألباني (حسن صحيح) كما في صحيح سنن أبي داود برقم (1805) (2/386).

[24] أضواء البيان (6/216).

[25] انظر: أضواء البيان (6/217).

[26] أضواء البيان (6/219).

[27] أخرجه الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب ما جاء في المجاهد والناكح والمكاتب وعون الله (1655) وقال: هذا حديث حسن. وأخرجه النسائي في كتاب النكاح باب معونة الله الناكح الذي يريد العفاف (3218)، وابن ماجة في الأحكام باب المكاتب (2518)، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (3045).

[28] أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب: ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد (456).

[29] أخرجه البخاري في كتاب البيوع باب ثمن الكلب (2237) ومسلم في كتاب المسافاة باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي (1567).

[30] أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب الترغيب في النكاح (5063)، ومسلم في كتاب النكاح باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد (1401).

[31] انظر: فتح القدير (4/28).

[32] انظر: فتح القدير (4/28).

[33] تيسير الكريم الرحمن للسعدي (5/415).

[34] أخرجه أبو داود في كتاب العتق باب: في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت (3926)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (3323).

([35]) انظر: الجامع لأحكام القرطبي (12/249).

[36] روح المعاني (18/156).

 

.