.

 الحاكمية : رابعاً: وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه:   الصفحة السابقة     الصفحة التالية     لصفحة الرئيسية)

 

رابعاً: وجوب تحكيم شرع الله ونبذ ما خالفه:

إن الآيات الدالة على وجوب تحكيم شرع الله والتحاكم إليه، والمحذرة من التحاكم إلى غيره كثيرة في كتاب الله تعالى، وكلام العلماء عليها معروف مشهور حتى أضحى ذلك علمًا ضروريًا عند المسلمين، قال العلامة ابن باز رحمه الله: "ومعنى هذا أن العبد يجب عليه الانقياد التام لقول الله تعالى وقول رسوله وتقديمهما على قول كل أحد، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة"[1].

ولكن توالت شبه الكفرة الملحدين وتواردت سمومهم على الأمة، وصادف ذلك ضعفًا من المسلمين وتناحرًا بينهم وبعدًا كبيرًا عن الدين الصحيح، وتلك الشبهات ضعيفة في أول سيرها وهزيلة في حقيقة أمرها، ولكنها وجدت من يغذيها في رحلتها حتى لا تنقطع بها السبيل وتصل إلى قلوب المسلمين، والمتنبهون لخطورة الأمر ما بين ساكت ومتكلّم لا يبلغ صوتُه إلا من رحم الله، ففعلت تلك الشبهات فعلتها الشنيعة، وشيّدت في قلوب المسلمين حصونها المنيعة، فصار من يدعو إلى تحكيم الشريعة، قد أتى جريمة فظيعة، والعجب أن يجد من يتهمه بذلك من إخوانه المسلمين قبل أعدائه الملحدين، فيا لغربة الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

إلى الماء يسعى من يغصّ بلقمة          إلى أين يسعى من يغصّ بماءٍ؟!

وقد انعقد الإجماع على أنه لا شرع إلا ما شرعه الله، ولا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله، وأن تشريع الأحكام هو حقّ لله وحده، فمن أعطى غيره هذا الحق أو أعرض عن شرع الله وسَخِطَه ولم يرض به فهو كافر بإجماع المسلمين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه، أو حرّم الحلال المجمع عليه، أو بدّل الشرع المجمع عليه، كان كافرًا مرتدًا باتفاق الفقهاء، وفي مثل هذا أنزل قوله على أحد القولين: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله"[2].

وقال أيضًا: "إن الحاكم إذا كان ديِّنًا لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار، وإن كان عالمًا لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار، وإذا حكم بلا عدل ولا علم كان أولى أن يكون من أهل النار، وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص، وأما إذا حكم حكمًا عامًا في دين المسلمين، فجعل الحق باطلاً، والباطل حقًا، والسنة بدعة، والبدعة سنة، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، ونهى عما أمر الله به ورسوله، وأمر بما نهى الله عنه ورسوله، فهذا لون آخر، يحكم فيه رب العالمين وإله المرسلين، مالك يوم الدين الذي {له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون}"[3].

وانظر قوله: "وهذا إذا حكم في قضية معينة لشخص، وأما إذا حكم حكمًا عامًا..." أي إذا شرع حكمًا مخالفًا لشرع الله تعالى وألزم به عامة المسلمين أو غيّر حكمًا من أحكام الله تعالى المعلوم من الدين بالضرورة فهذا داخل فيما ذكره وإن كان في باقي الأحكام جاريًا على شرع الله، فكيف الأمر بالنسبة لمن رفض شرع الله جملة وتفصيلاً ورأى عدم صلاحية الكتاب والسنة لاستنباط الأحكام منهما والتحاكم إليهما، وأعطى صلاحية التشريع لغير الله، فما أجازته الأغلبية فهو الجائز حتى لو كان في دين الله حرامًا، وما منعته الأغلبية فهو الممنوع حتى لو كان في دين الله مباحًا، لا شكّ أن هذا أعظم كفرًا ومحادة لله عز وجل.

وفيما يلي نسوق بعض الآيات الواردة في بيان وجوب الحكم بما أنزل الله تعالى والتحاكم إليه وبيان التحذير من التحاكم إلى الطاغوت:

1.    قال الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمّا يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا} [النساء:58].

قال ابن تيمية رحمه الله: "على الحكام أن لا يحكموا إلا بالعدل، والعدل هو ما أنزل الله"[4].

2.    وقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور:63]. وقال: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينًا} [الأحزاب:36].

قال ابن القيم رحمه الله: "فدل هذا على أنه إذا ثبت لله ورسوله في كل مسألة من المسائل حكمٌ طلبي أو خبري، فإنه ليس لأحد أن يتخير لنفسه غير ذلك الحكم فيذهب إليه، وأن ذلك ليس لمؤمن ولا مؤمنة أصلاً، فدل على أن ذلك مناف للإيمان"[5].

وقال الشافعي رحمه الله: "ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر على من سمعهما مقطوع إلا بإتيانهما"[6].

قال ابن تيمية رحمه الله: "إن ترك المسلم ـ عالمًا كان أو غير عالم ـ ما علم من أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لقول غيره كان مستحقًا للعذاب... ومن اتبع ما بعث الله به رسوله كان مهديًا منصورًا بنصرة الله في الدنيا والآخرة"[7].

3.    وقال تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} [البقرة: 213]. وقال تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً} [النساء:105].

فبين أن الغاية من إنزال الكتاب هو الحكم بين الناس بالعدل، قال ابن تيمية رحمه الله: "فإن الله سبحانه هو الحكم الذي يحكم بين عباده، والحكم له وحده، وقد أنزل الله الكتب وأرسل الرسل ليحكم بينهم، فمن أطاع الرسول كان من أوليائه المتقين، وكانت له سعادة الدنيا والآخرة، ومن عصى الرسول كان من أهل الشقاء والعذاب"[8].

4.    وقال تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون} [المائدة: 50].

قال شيخ الإسلام: "أهل الإيمان والإسلام والعلم والدين إنما يحكمون بكتاب الله وسنة رسوله"[9].

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: "ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان الذي وضع لهم "الياسق"، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا، يقدّمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكّم سواه في قليل ولا كثير"[10].

فقد ذمّ الله عز وجل في هذه الآية من يبتغي حكم الجاهلية ويريده، وهو كل حكم مخالف لشرع الله، فكيف بمن يشرّعون ما لم يأذن به الله، ولم ينزل به سلطانًا، ويجعلون تشريعهم ذلك عامّا لازمًا تجب طاعته، ويضفونه بالقداسة والحرمة ويصفونه بالفوقية[11], ويعتبرون من خالفه أو لم يرض به من أكابر المجرمين الذين تجب معاقبتهم بيد أنه لو خالف حكم الله المتفق عليه جهارًا نهارًا كأن يطوف بقبر أو يستغيث بميت أو يدعو إلى بدعة أو يسب الله ورسوله أو يشرب الخمر أو يبيعها أو يرمي المحصنات المؤمنات أو غير ذلك من المخالفة لشرع الله المنزل فإنهم لا يكترثون لذلك ألبتة فضلاً عن أن يكترثوا له كما يكترثون لمخالفة أحكامهم التي شرعوها من دون الله، وهذا في الحقيقة منتهى مضاهاة الله تعالى في التشريع، نسأل الله السلامة والعافية.

5.    وقال تعالى: {ولا يُشركُ في حكمه أحدا} [الكهف: 26].

قرأ ابن عامر (ولا تُشركْ) بالتاء المثناة من فوق وبجزم الكاف على أن (لا) ناهية، وقرأ الباقون (ولا يُشركُ) بالياء المثناة من تحت وبالرفع على الخبرية[12].

قال الشيخ محمد الأمين رحمه الله: "الإشراك بالله في حكمه والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد، لا فرق بينهما ألبتة، فالذي يتبع نظامًا غير نظام الله وتشريعًا غير تشريع الله، كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن لا فرق بينهما ألبتة بوجه من الوجوه، فهما واحد وكلاهما شرك بالله"[13].

6.    وقال تعالى: {فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا} [النساء:65].

قال شيخ الإسلام: "فعلى جميع الخلق أن يحكِّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وأفضل المرسلين وأكرم الخلق على الله، ليس لأحد أن يخرج عن حكمه في شيء سواء كان من العلماء أو الملوك أو الشيوخ أو غيرهم"[14].

وقال أيضًا: "وليس لأحد أن يخرج عن شيء مما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الشرع الذي يجب على ولاة الأمر إلزام الناس به، ويجب على المجاهدين الجهاد عليه، ويجب على كل واحد اتباعه ونصره، وليس المراد بالشرع اللازم لجميع الخلق حكم الحاكم ولو كان الحاكم أفضل أهل زمانه"[15].

وقال: "ما جاء به الرسول هو الشرع الذي يجب على الخلق قبوله، وإلى الكتاب والسنة يتحاكم جميع الخلق"[16].

7.    وقال تعالى: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب} [الشورى:10]. وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} [النساء:59].

قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "الواجب على كل أحد أن لا يتخذ غير الله حكماً وأن يرد ما تنازع فيه الناس إلى الله ورسوله، وبذلك يكون دين العبد كله لله وتوحيده خالصاً لوجه الله. وكل من حاكم إلى غير حكم الله ورسوله فقد حاكم إلى الطاغوت، وإن زعم أنه مؤمن فهو كاذب. فالإيمان لا يصح ولا يتمّ إلا بتحكيم الله ورسوله في أصول الدين وفروعه، وفي كل الحقوق. فمن تحاكم إلى غير الله ورسوله فقد اتخذ ذلك رباً وقد حاكم إلى الطاغوت"[17].

8.    وقال سبحانه: {إن الحكم إلا لله يقصّ الحق وهو خير الفاصلين} [الأنعام:57]. وقال عز وجل عن قول يعقوب عليه السلام: {إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون} [يوسف:67]. وقال تعالى عن قول يوسف عليه السلام: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [يوسف: 40].

قال ابن تيمية رحمه الله: "فالحكم لله وحده، ورسله يبلغون عنه، فحكمهم حكمه، وأمرهم أمره، وطاعتهم طاعته، فما حكم به الرسول وأمرهم به وشرعه من الدين وجب على جميع الخلائق اتباعه وطاعته، فإن ذلك هو حكم الله على خلقه. والرسول يبلغ عن الله قال تعالى:{وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله...}[18].

9.    وقال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى:21].

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ومن بدّل شرع الأنبياء وابتدع شرعًا، فشرعه باطل لا يجوز اتباعه، ولهذا كفر اليهود والنصارى لأنهم تمسكوا بشرع مبدل منسوخ. والله أوجب على جميع الخلق أن يؤمنوا بجميع كتبه ورسله، ومحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل، فعلى جميع الخلق اتباعه، واتباع ما شرعه من الدين، وهو ما أتى به من الكتاب والسنة، فما جاء به الكتاب والسنة فهو الشرع الذي يجب على جميع الخلق اتباعه، وليس لأحد الخروج عنه، وهو الشرع الذي يقاتل عليه المجاهدون، وهو الكتاب والسنة"[19].

وقال أيضًا: "فالشرع الذي يجب على كل مسلم أن يتبعه، ويجب على ولاة الأمر نصرُه والجهاد عليه هو الكتاب والسنة"[20].

وقال في معرض بيان عدم لزوم حكم الحاكم في المسائل الاجتهادية: "فكيف يُعان من لا يعرف الحق بل يحكم بالجهل والظلم، ويلزم من عرف ما عرفه من شريعة الرسول أن يترك ما علمه من شرع الرسول صلى الله عليه وسلم لأجل هذا؟! لا ريب أن هذا أمر عظيم عند الله تعالى وعند ملائكته وأنبيائه وعباده، والله لا يغفل عن مثل هذا، وليس الحق في هذا لأحد من الخلق"[21].

فإذا كان هذا في المسائل الخلافية الاجتهادية، فكيف بمن يردّ شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويلزم الناس بشرع ما أنزل الله به من سلطان؟! لا شك أن هذا أعظم وأخطر وأضل.

10.    وقال تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون} [الأعراف:3].

قال ابن القيم رحمه الله: "فأمر باتباع المنزّل منه خاصة، وأعلم أن من اتبع غيره فقد اتبع من دونه أولياء"[22].

قال ابن تيمية رحمه الله: "متى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله، واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدًا كافرًا، يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة... ولو ضرب وحبس وأوذي بأنواع الأذى ليدع ما علمه من شرع الله ورسوله الذي يجب اتباعه واتبع حكم غيره كان مستحقًا لعذاب الله، بل عليه أن يصبر، وإن أوذي في الله. فهذه سنة الله في الأنبياء وأتباعهم"[23].

11.    وقال تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم: {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين} {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك} [المائدة:42، 48، 49].

وقال تعالى: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلّك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} [ص:26].

فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بين الناس بالحق وهو الشرع المنزل من عنده تعالى، ونهاه عن اتباع الهوى المضل وذلك بترك الحكم بالحق الذي أنزله، وبين له وعيد من ضل عن سبيله، قال ابن القيم رحمه الله:"فقسّم سبحانه طريق الحكم بين الناس إلى الحق وهو الوحي الذي أنزله الله على رسوله، وإلى الهوى وهو ما خالفه"[24].

فكل من لم يحكم شرع الله فهو متبع لهواه، متوعَّد بالعذاب الشديد. والعياذ بالله تعالى.

12.    وقال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [المائدة:44، 45، 47].

قال ابن القيم رحمه الله: "قال ابن عباس: ليس بكفر ينقل عن الملة. بل إذا فعله فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر. وكذلك قال طاوس. وقال عطاء: هو كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق. ومنهم: من تأول الآية على ترك الحكم بما أنزل الله جاحداً له. وهو قول عكرمة وهو تأويل مرجوح، فإن نفس جحوده كفر، سواء حكم أو لم يحكم.

ومنهم: من تأولها على ترك الحكم بجميع ما أنزل الله. قال: ويدخل في ذلك الحكم بالتوحيد والإسلام. وهذا تأويل عبد العزيز الكناني. وهو أيضاً بعيد. إذ الوعيد على نفي الحكم بالمنزل. وهو يتناول تعطيل الحكم بجميعه وببعضه.

ومنهم: من تأولها على الحكم بمخالفة النص، تعمداً عن غير جهل به ولا خطأ في التأويل حكاه البغوي عن العلماء عموماً.

ومنهم: من تأولها على أهل الكتاب. وهو قول قتادة، والضحاك، وغيرهما. وهو بعيد، وهو خلاف ظاهر اللفظ. فلا يُصار إليه.

ومنهم: من جعله كفراً ينقل عن الملة.

والصحيح: أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين، الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم. فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة؛ فهذا كفر أصغر، وإن اعتقد أنه غير واجب، وأنه مخير فيه، مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر. وإن جهله وأخطأه؛ فهذا مخطئ، له حكم المخطئين"[25] .


[1] مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (1/82).

[2] مجموع الفتاوى (3/267-268).

[3] مجموع الفتاوى (35/388).

[4] مجموع الفتاوى (35/361).

[5] الرسالة التبوكية (ص44).

[6] انظر: إعلام الموقعين (2/283).

[7] مجموع الفتاوى (35/374).

[8] مجموع الفتاوى (35/361).

[9] مجموع الفتاوى (35/386).

[10] تفسير ابن كثير (3/122-123).

[11] وذلك بقولهم: "القانون فوق الجميع".

[12] انظر: القراءات العشر المتواترة. إشراف ومراجعة وتدقيق الشيخ محمد كريم راجح.

[13] أضواء البيان (7/172).

[14] مجموع الفتاوى (35/363).

[15] مجموع الفتاوى (35/372).

[16] مجموع الفتاوى (35/383).

[17] القول السديد (ص134).

[18] مجموع الفتاوى (35/363).

[19] مجموع الفتاوى (35/365).

[20] مجموع الفتاوى (35/376).

[21] مجموع الفتاوى (35/381).

[22] إعلام الموقعين (1/82).

[23] مجموع الفتاوى (35/372-373).

[24] إعلام الموقعين (1/81).

[25] مدارج السالكين (1/364-365).

 

.