.

 الحاكمية : خامساً: مفاسد الإعراض عن حكم الله تعالى :         الصفحة السابقة         لصفحة الرئيسية)

 

خامساً: مفاسد الإعراض عن حكم الله تعالى:

إن من أعظم ما ابتلي به المسلمون في هذا القرن الأخير سقوط الخلافة الذي كان من نتائجه الوخيمة تنحية شرع الله تعالى وعدم التحاكم إليه في شئون الحياة، ثم ازداد الأمر سوءًا لما توالت شبهات الكفار والمستشرقين وأذنابهم من المنتسبين إلى الإسلام التي كان الغرض منها التشكيك في صلاحية أحكام الإسلام في هذا الزمان، وقد اتخذوا أوتارًا يدندنون عليها وسلكوا سبلاً يتسلّلون منها، من ذلك قضايا المرأة، وقضايا الرق، وقضايا الحدود كقطع يد السارق ورجم الزاني المحصن، وقضايا الحرية الشخصية كقتل المرتد، إلى غير ذلك من القضايا التي أرادوا من خلالها أن يطعنوا في الإسلام.

وقد حققوا بعض مرادهم، وشككوا كثيراً من المسلمين في بعض أحكام دينهم، على حين غفلة من بعضهم وجهل من آخرين.

ونحن نرى اليوم العواقب الوخيمة للحكم بغير ما أنزل الله في بلاد المسلمين، بعضها راجع إلى فساد في الدين، وبعضها راجع إلى فساد في الدنيا، ولأجل عظم هذه المفاسد وصف الله تعالى في موضع واحد من لم يحكم بكتابه بالكفر والظلم والفسوق، قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ساق الآيات في ذلك [المائدة:44، 45، 47]: "فأكد هذا التأكيد، وكرر هذا التقرير في موضع واحد لعظم مفسدة الحكم بغير ما أنزله، وعموم مضرته، وبلية الأمة به"[1]، وقال رحمه الله: "لما أعرض الناس عن تحكيم الكتاب والسنة والمحاكمة إليهما، واعتقدوا عدم الاكتفاء بهما، وعدلوا إلى الآراء والقياس والاستحسان وأقوال الشيوخ، عرض لهم من ذلك فساد في فطرهم، وظلمة في قلوبهم، وكدر في أفهامهم، ومحق في عقولهم وعمتهم هذه الأمور"[2].

ومن تلك المفاسد أيضًا:

1)    انتشار الشرك، وفشوّ البدع، وظهور الدعاة إليهما، وتمكّنهم من بثّ شبهاتهم، ونشر دعواتهم.

2)    ظهور المعاصي والإعلان بها، بل والتبجح بها والتنافس عليها.

3)    تعطيل كثير من الأحكام الشرعية كجباية الزكاة وإقامة الحدود والحسبة وغير ذلك.

4)    الفرقة والاختلاف والشقاق والنزاع الذي أدّى إلى سفك الدماء وسلب الأموال وإضعاف الشوكة وتقوية طمع الأعداء.

5)    زعزعة بعض المبادئ في قلوب المسلمين، كمبدأ الولاء والبراء، ومبدأ الأخوة على أساس الدين لا على أساس الجنس أو الوطن أو اللغة أو الثقافة الجاهلية.

6)    وكان من مفاسده العظيمة أيضًا حصول الخلاف والنزاع بين الدعاة المصلحين؛ لأنهم بعد اتفاقهم على فساد الوضع وقناعتهم بضرورة الإصلاح اختلفوا في سبيل ذلك، واستفحل الخلاف بينهم حتى أدى بهم إلى التعصب المشين والحزبية المقيتة، وقد استغلّ أعداء الدين هذه الفرقة واستثمروها في التمكين لمبادئهم والترويج لشبهاتهم.

7)    تمكُّن أرباب المبادئ الهدامة من مراكز النفوذ في بلاد المسلمين مما سهل لهم إنجاز مخططاتهم وتطبيق برامجهم ومقرّراتهم.

8)    نزول عذاب الله عز وجل وحلول نقمه من الزلازل والأوبئة والقحط والأعاصير وغير ذلك من النذر الربانية.

9)    ذلّ المسلمين وهوانهم وخضوعهم لقرارات الكفرة بل وفرح بعضهم بتبعيتهم لهم.

إلى غير ذلك من المفاسد الكثيرة التي نعدّ منها ولا نعدّدها، والتي كلّ فرد منها أيضًا يجرُّ مفاسد أخرى لا يعلم مدى خطورتها وضررها على الأمة إلا الله تعالى.


[1] إعلام الموقعين (2/280).

[2] الفوائد (ص 42).

 

.