الملف العلمي للأحداث الراهنة

.

  الظلم: تاسعاً: أضرار الظلم وعواقبه:           الصفحة السابقة              الصفحة التالية             (الصفحة الرئيسة)

 

تاسعاً: أضرار الظلم وعواقبه:

1- الظلم ظلمات يوم القيامة:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الظلم ظلمات يوم القيامة))[1].

قال القاضي عياض: "قيل: ظاهره أنه ظلمات على صاحبه حتى لا يهتدي يوم القيامة سبيلاً حيث يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم. وقد تكون الظلمات هنا الشدائد، وقد تكون الظلمات ها هنا عبارة عن الاتكال بالعقوبات عليه، وقابل بهذه اللفظة قوله: ((الظلم)) لمجانسة الكلام"[2].

وقال ابن الجوزي: "وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب، لو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئاً"[3].

2- الظلم سبب هلاك الأمم:

قال تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ} [يونس:13].

قال ابن سعدي: "يخبر تعالى أنه أهلك الأمم الماضية بظلمهم وكفرهم، بعدما جاءتهم البينات على أيدي الرسل تبين الحق فلم ينقادوا لها ولم يؤمنوا، فأحل بهم عقابه الذي لا يرد عن كل مجرم متجرئ على محارم الله، وهذه سننه في جميع الأمم"[4].

3- قبول دعوة المظلوم على الظالم:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))[5].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الولد على ولده))[6].

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استعمل مولى له ـ يدعى هنيء ـ على الحمى، فقال: (يا هنيء، اضمم جناحك عن المسلمين، واتق دعوة المسلمين، فإن دعوة المظلوم مستجابة)[7].

قال ابن عثيمين: "فيه دليل على أن دعوة المظلوم مستجابة لقوله: ((فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).

وفيه دليل على أنه يجب على الإنسان أن يتقي الظلم ويخاف من دعوة المظلوم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك"[8].

4- اللعن للظالمين:

قال تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} [هود:18].

قال ميمون بن مهران: إن الرجل يقرأ القرآن وهو يلعن نفسه، قيل له: وكيف يلعن نفسه؟! قال: يقول: {أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} وهو ظالم[9].

5- إملاء الله للظالم حتى يأخذه:

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته)) ثم قرأ: {وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ} [هود:102][10].

قال القرطبي: "يملي: يطيل في مدّته، ويصحّ بدنه، ويكثر ماله وولده ليكثر ظلمُه، كما قال تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمَاً} [آل عمران:128]، وهذا كما فعل الله بالظلمة من الأمم السالفة والقرون الخالية، حتى إذا عمّ ظلمهم وتكامل جرمهم أخذهم الله أخذة رابية، فلا ترى لهم من باقية، وذلك سنة الله في كلّ جبار عنيد"[11].

6- حال الظالمين في الآخرة:

قال تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأبْصَـٰرُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} [إبراهيم:42، 43].

قال ابن كثير: "يقول الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ} يا محمد {غَـٰفِلاً عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} أي: لا تسحبنه إذا أنظرهم وأجّلهم أنه غافلٌ عنهم مهمِل لهم لا يعاقبهم على صنعهم، بل هو يحصِي ذلك عليهم ويعدّه عليهم عداً، {إِنَّمَا يُؤَخّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأبْصَـٰرُ} أي: من شدّة الأهوال يوم القيامة. ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم وعجلتهم إلى قيام المحشر فقال: {مُهْطِعِينَ} أي: مسرعين، {مُقْنِعِى رُءوسِهِمْ} قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: رافعي رؤوسهم، {لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} أي: أبصارهم ظاهرة شاخصة مديمون النظر لا يطرفون لحظة لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة لما يحلّ بهم، عياذاً بالله العظيم من ذلك، ولهذا قال: {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} أي: وقلوبهم خاوية خالية ليس فيها شيء لكثرة الوجل والخوف"[12].

7- حرمان الفلاح:

قال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} [الأنعام:21].

قال ابن سعدي: "فكلّ ظالم وإن تمتّع في الدنيا بما تمتّع به فنهايته فيه الاضمحلال والتلف"[13].

8- حرمان الهداية والتوفيق:

قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} [القصص:50].

وطلب هداية التوفيق من الأدعية التي أوجبها الله علينا في أعظم مقام نقف فيه بين يدي الله عز وجل، وهو في الصلاة، حيث نقول في كل ركعة: {ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ}. فالظلم ـ أعاذنا الله منه ـ يكون سبباً لحرمان هداية التوفيق، وهذا يستلزم البعد عن مقامات الظلم حتى يستجيب الله دعاءنا في صلاتنا[14].

9- حرمان حبّ الله تعالى:

قال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} [الشورى:40].

قال ابن سعدي: "أي: الذين يجنون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم"[15].

10- حلول المصائب في الدنيا والعذاب في القبر:

قال تعالى: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [الطور:47].

قال ابن سعدي: "لما ذكر الله عذاب الظالمين في القيامة أخبر أن لهم عذاباً دون عذاب يوم القيامة، وذلك شامل لعذاب الدنيا بالقتل والسبي والإخراج من الديار، ولعذاب البرزخ والقبر"[16].

11- العذاب الأليم:

قال تعالى: {إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:42].

قال ابن سعدي: "أي: إنما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية {عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ}، وهذا شامل للظلم والبغي على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، {أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي: موجع للقلوب والأبدان، بحسب ظلمهم وبغيهم"[17].

12- خذلان الظالم عند الله تعالى:

قال تعالى: {مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18].

قال ابن عثيمين: "أي: أنه يوم القيامة لا يجد الظالم حميماً، أي: صديقاً ينجيه من عذاب الله، ولا يجد شفيعاً يشفع له فيطاع، لأنه منبوذ بظلمه وغشمه وعدوانه"[18].

وقال تعالى: {وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [البقرة:270].

قال ابن عثيمين: "يعني: لا يجدون أنصاراً ينصرونهم ويخرجونهم من عذاب الله سبحانه"[19].


[1] أخرجه البخاري في المظالم (2447)، ومسلم في البر والصلة (2579).

[2] إكمال المعلم (8/48).

[3] فتح الباري (5/121).

[4] تيسير الكريم الرحمن (359).

[5] أخرجه البخاري في المظالم، باب: الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم (2448)، ومسلم في الإيمان (19) مطولاً.

[6] أخرجه أحمد في المسند (2/523)، وأبو داود في الصلاة، باب: الدعاء بظهر الغيب (1536)، والترمذي في الدعوات، باب: ما ذكر في دعوة المسافر (3448)، وابن ماجه في الدعاء، باب: دعوة الوالد ودعوة المظلوم (3862)، وحسنه الترمذي، والألباني في السلسلة الصحيحة (596).

[7] أخرجه مالك في الموطأ: كتاب الجامع، باب: ما يتقى من دعوة المظلوم (1890)، والبخاري في الجهاد، باب: إذا أسلم قوم في دار الحرب (3059).

[8] شرح رياض الصالحين (4/623).

[9] تنبيه الغافلين (377).

[10] أخرجه البخاري في التفسير، باب: قوله تعالى: {وكذلك أخذ ربك...} الآية (4686)، ومسلم في البر والصلة (2583).

[11] المفهم (6/557).

[12] تفسير القرآن العظيم (2/561).

[13] تيسير الكريم الرحمن (274).

[14] الظلم ظلمات يوم القيامة لناظم سلطان (ص 29).

[15] تيسير الكريم الرحمن (760).

[16] تيسير الكريم الرحمن (818).

[17] تيسير الكريم الرحمن (760).

[18] شرح رياض الصالحين (4/597).

[19] شرح رياض الصالحين (4/597).

 

.