.

 سنن الله في التغيير: ثالثاً: من القواعد العامة في سنن الله تعالى:  الصفحة السابقة   الصفحة التالية   الصفحة الرئيسية

 

ثالثا: من القواعد العامة في سنن الله تعالى:

1- تتسم بالعدالة التامة:

قال الله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئًا وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:40].

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11].

وقال سبحانه: {ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:53].

قال قتادة: "إنما يجيء التغيير من الناس، والتيسير من الله، فلا تغيروا ما بكم من نعم الله"[1].

وقال القرطبي: "أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه لا يغير ما بقوم حتى يقع منهم تغيير: إما منهم، أو من الناظر لهم، أو ممن هو منهم بسبب، كما غير الله بالمنهزمين يوم أحد بسبب تغيير الرماة بأنفسهم، إلى غير هذا من أمثلة الشريعة، فليس معنى الآية: أنه ليس ينزل بأحد عقوبة إلا بأن يتقدم منه ذنب، بل قد تنزل المصائب بذنوب الغير، كما قال صلى الله عليه وسلم وقد سئل أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم إذا كثر الخبث)) والله أعلم"[2].

وقال ابن القيم: "فصل: في بيان أن المنفعة والمضرة لا تكون إلا من الله وحده:

وجماع هذا: أنك إذا كنت غير عالم بمصلحتك ولا قادر عليها ولا مريد لها كما ينبغي فغيرك أولى أن لا يكون عالما بمصلحتك ولا قادرا عليها ولا مريدا لها، والله سبحانه هو يعلم ولا تعلم، ويقدر ولا تقدر، ويعطيك من فضله لا لمعوضة ولا لمنفعة يرجوها منك، ولا لتكثر بك ولا لتعزز بك، ولا يخاف الفقر ولا تنقص خزائنه على سعة الإنفاق، ولا يحبس فضله عنك لحاجة منه إليك واستغنائه، بحيث إذا أخرجه أثر ذلك في غناه، وهو يحب الجود والبذل والعطاء والإحسان أعظم مما تحب أنت الأخذ والانتفاع بما سألته، فإذا حبسه عنك فاعلم أن هناك أمرين لا ثالث لهما:

أحدهما: أن تكون أنت الواقف في طريق مصالحك، وأنت المعوق لوصول فضله إليك، وأنت حجر في طريق نفسك، وهذا هو الأغلب على الخليقة؛ فإن الله سبحانه قضى فيما قضى به أن ما عنده لا ينال إلا بطاعته، وأنه ما استجلبت نعم الله بغير طاعته، ولا استديمت بغير شكره، ولا عوقت وامتنعت بغير معصيته، وكذلك إذا أنعم عليك ثم سلبك النعمة فإنه لم يسلبها لبخل منه ولا استئثار بها عليك، وإنما أنت المسبب في سلبها عنك، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، {ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فما أزيلت نعم الله بغير معصيته.

فآفتك من نفسك، وبلاؤك من نفسك، وأنت في الحقيقة الذي بالغت في عداوتك، وبلغت من معاداة نفسك ما لا يبلغ العدو منك كما قيل:

ما يبلغ الأعداء من جاهل              ما يبلغ الجاهل من نفسه"[3].

وقال القاسمي: "{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ} أي: أي من العافية والنعمة {حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} أي: من الأعمال الصالحة أو ملكاتها التي هي فطرة الله التي فطر الناس عليها إلى أضدادها. في هذه الآية وعيد شديد وإنذار رهيب قاطع، بأنه إذا انحرف الآخذون بالدين والمنتمون إليه عن جادته المستقيمة، ومالوا مع الأهواء، وتركوا التمسك بآدابه وسنته القويمة، حل بهم ما ينقلهم إلى المحن والبلايا، ويفرق كلمتهم، ويوهي قوتهم، ويسلط عدوهم!"[4].

 2- تتسم بالثبات والاطراد والعموم:

قال تعالى: {سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} [الإسراء:77].

وقال سبحانه: {سُنَّةَ ٱللَّهِ فِى ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62].

قال ابن تيمية: "والسنة هي العادة في الأشياء المتماثلة... فإنه سبحانه إذا حكم في الأمور المتماثلة بحكم فإن ذلك لا ينتقض ولا يتبدل ولا يتحول، بل هو سبحانه لا يفوّت بين المتماثلين، وإذا وقع تغيير فذلك لعدم التماثل، وهذا القول أشبه بأصول الجمهور القائلين بالحكمة في الخلق والأمر، وأنه سبحانه يسوّي بين المتماثلين ويفرق بين المختلفين، كما دل القرآن على هذا في مواضع، كقوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ} [القلم:35].

ومن هذا الباب صارت قصص المتقدمين عبرة لنا"[5].


[1] رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (7/2233).

[2] الجامع لأحكام القرآن (9/294).

[3] طريق الهجرتين (110-111) بتصرف يسير.

[4] تفسير القاسمي (3655).

[5] جامع الرسائل (1/55).

 

.