.

 سنن الله في التغيير: رابعاً: من أسباب التغيير من الخير إلى الشر:   الصفحة السابقة   الصفحة التالية   الصفحة الرئيسية

 

رابعا: من أسباب التغيير من الخير إلى الشر:

1- ضعف العقيدة، والإنحراف عن منهج السلف الصالح:

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة))[1].

2- المعاصي والذنوب:

قال الله تعالى: {مَّا أَصَـٰبَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَا أَصَـٰبَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نَّفْسِك} [النساء:79].

وقال تعالى: {وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِير} [الشورى:25].

وقال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأرْضِ مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَاء عَلَيْهِم مَّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأنْهَـٰرَ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً ءاخَرِينَ} [الأنعام:6].

وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ} [يونس:13].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم))[2].

وقال علي رضي الله عنه: (ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة)[3].

قال ابن القيم: "وهل زالت عن أحد قط نعمة إلا بشؤم معصيته، فإن الله إذا أنعم على عبد بنعمة حفظها عليه ولا يغيرها عنه حتى يكون هو الساعي في تغييرها عن نفسه {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مّن دُونِهِ مِن وَالٍ} [الرعد:11]، ومن تأمل ما قص الله تعالى في كتابه من أحوال الأمم الذين أزال نعمه عنهم وجد سبب ذلك جميعه إنما هو مخالفة أمره وعصيان رسله، وكذلك من نظر في أحوال أهل عصره وما أزال الله عنهم من نعمه وجد ذلك كله من سوء عواقب الذنوب.

فما حفظت نعمة الله بشيء قط مثل طاعته، ولا حصلت فيها الزيادة بمثل شكره، ولا زالت عن العبد بمثل معصيته لربه، فإنها نار النعم التي تعمل فيها كما تعمل النار في الحطب اليابس، ومن سافر بفكره في أحوال العالم استغنى عن تعريف غيره له"[4].

3- الظلم:

قال الله تعالى: {وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }[هود:102].

وقال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَـٰتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً} [النساء:160].

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11].

قال الطبري: " يقول تعالى ذكره: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ} من عافية ونعمة فيزيل ذلك عنهم ويهلكهم{حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} من ذلك بظلم بعضهم بعضا، واعتداء بعضهم على بعض فتحل بهم حينئذ عقوبته وتغييره"[5].

وعن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)) ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}[6].

4- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

قال الله تعالى: {لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة:78، 79].

وقال تعالى: {وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ} [الأنفال:25].

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه، فقالوا: ما لك. قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء. فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم))[7].

وعن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من النوم محمرا وجهه يقول: ((لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) - وعقد سفيان تسعين أو مائة- قيل: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: ((نعم إذا كثر الخبث))[8].

وعن جرير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا))[9].

وعن عمر بن عبد العزيز قال: "كان يقال: إن الله تعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهارا استحقوا كلهم العذاب"[10].

وعن بلال بن سعد قال: "إن المعصية إذا أخفيت لم تضر إلا صاحبها، وإذا أعلنت فلم تغير ضرت العامة"[11].

5- التنافس على الدنيا:

عن المسور بن مخرمة قال: قدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافت صلاة الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما صلى بهم الفجر انصرف فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم وقال: ((أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء))، قالوا: أجل يا رسول الله، قال: ((فأبشروا وأمّلوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم))[12].

قال ابن بطال: "فيه أن زهرة الدنيا ينبغي لمن فتحت عليه أن يحذر من سوء عاقبتها وشر فتنتها, فلا يطمئن إلى زخرفها، ولا ينافس غيره فيها. ويستدل به على أن الفقر أفضل من الغنى؛ لأن فتنة الدنيا مقرونة بالغنى، والغنى مظنة الوقوع في الفتنة التي قد تجر إلى هلاك النفس غالبا، والفقير آمن من ذلك"[13].

قال ابن حجر: "قوله: ((فتنافسوها)) التنافس: من المنافسة، وهي الرغبة في الشيء ومحبة الانفراد به والمغالبة عليه, وأصلها من الشيء النفيس في نوعه.

قوله: ((فتهلككم)) لأن المال مرغوب فيه فترتاح النفس لطلبه، فتمنع منه فتقع العداوة المقتضية للمقاتلة المفضية إلى الهلاك"[14].


 


[1] أخرجه أحمد (3/120)، وابن ماجه في الفتن (3993) واللفظ له، وأبو يعلى في مسنده (3938)، والطبراني في الأوسط(7840)، قال البويصري: "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات"، وصححه الضياء في المختارة (2500)، والألباني في صحيح ابن ماجه (3227).

[2] أخرجه ابن ماجه في الفتن (4019)، والبيهقي في الشعب (3/197)، وصححه الحاكم (4/540)، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني بمجموع طرقه في السلسلة الصحيحة (106).

[3] انظر: طريق الهجرتين (ص415). وروي من كلام العباس رضي الله عنه في دعائه لما طلب منه عمر بن الخطاب أن يستسقي لهم، عزاه الحافظ في الفتح (2/497) للزبير بن بكار في الأنساب وسكت عنه. وروي من كلام عمر بن عبد العزيز، انظر: مجموع الفتاوى (8/163).

[4] بدائع الفوائد (2/432) بتصرف يسير.

[5] جامع البيان (16/382-383).

[6] أخرجه البخاري في التفسير (4686)، ومسلم في البر والصلة (2583).

[7] البخاري في الشهادات (2686).

[8] البخاري في المناقب (3598)، ومسلم في الفتن وأشراط االساعة (2880).

[9] أخرجه أبو داود في الملاحم، باب: الأمر والنهي (4339)، وابن ماجه في الفتن (4009)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (3646).

[10] أخرجه ابن مبارك في كتاب الزهد (1351).

[11] أخرجه ابن مبارك في كتاب الزهد (1350).

[12] البخاري في الجزية (3158)، ومسلم في الزهد والرقائق (2961).

[13] انظر: فتح الباري (11/249-250).

[14] فتح الباري (11/249-250) بتصرف.

 

.