|
||
. | ||
أصول الحياة الزوجية: خامسًا: الحقوق المشتركة بين الزوجين: الصفحة السابقة الصفحة التالية (عناصر البحث) |
||
|
||
خامسًا: الحقوق المشتركة بين الزوجين: 1- الوفاء بشروط العقد: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج))[1]. قال الخطابي: "قد تختلف الشروط في عقود النكاح، فمنها ما يجب الوفاء به، ومنها ما لا يجب. فأما الذي يجب الوفاء به فهو المهر والنفقة وحسن العشرة، وقد شرط الله تعالى هذه الأمور لهن على الأزواج بقوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـٰنٍ} [البقرة:229]. وأما الذي لا يلزم من الشروط فهو ما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اشتراطه كقوله: ((لا يحل لامرأة أن تسأل طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها)) ونحو ذلك من شروط الضرار"[2]. وقال النووي: "قال الشافعي وأكثر العلماء: إن هذا محمول على شروط لا تنافي مقتضى النكاح، بل تكون من مقتضياته ومقاصده، كاشتراط العشرة بالمعروف والإنفاق عليها وكسوتها وسكناها بالمعروف، وأنه لا يقصِّر في شيء من حقوقها، ويَقسم لها كغيرها، وأنها لا تخرج من بيته إلا بإذنه، ولا تنشز عليه، ولا تصوم تطوعا بغير إذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه ونحو ذلك. وأما شرط يخالف مقتضاه كشرط أن لا يَقسم لها، ولا يتسرى عليها، ولا ينفق عليها، ولا يسافر بها ونحو ذلك، فلا يجب الوفاء به، بل يلغو الشرط ويصحّ النكاح بمهر المثل لقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل))"[3]. 2- حق الاستمتاع: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح))[4]. وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذِّلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما فقال:كل، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل. فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم، فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن فصليا. فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صدق سلمان))[5]. قال ابن حجر: "وفيه مشروعية تزيُّن المرأة لزوجها، وثبوت حقِّ المرأة على الزوج في حسن العشرة، وقد يؤخذ منه ثبوت حقها في الوطء لقوله: (ولأهلك عليك حقا)، ثم قال: (وائت أهلك)، وقرَّره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك"[6]. وقال ابن حزم: "وفرض على الرجل أن يجامع امرأته التي هي زوجته، وأدنى ذلك مرة في كل طهر إن قدر على ذلك، وإلا فهو عاص لله تعالى"([7]). 3- ألا يبوح أحدهما بما دار بينهما ساعة المباشرة: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها))[8]. قال النووي: "وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، فأما مجرد ذكر الجماع فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه؛ لأنه خلاف المروءة وقد قال صلى الله عليه وسلم ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت))، وإن كان إليه حاجة أو ترتب عليه فائدة بأن ينكر عليه إعراضه عنها، أو تدعِّي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك، فلا كراهة في ذكره، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إني لأفعله أنا وهذه))، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: ((أعرستم الليلة؟))، وقال لجابر: ((الكيس الكيس)). والله أعلم"[9]. وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرجال والنساء قعود عنده، فقال: ((لعل رجلاً يقول ما فعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها))، فأرم القوم، فقلت: إي والله يا رسول الله، إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن، قال: ((فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقي شيطانة فغشيها والناس ينظرون))[10]. قال أبو الطيب آبادي: "والحديث يدل على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع، وذلك لأنَّ كون الفاعل لذلك بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون، وذلك من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينهما الراجعة إلى الوطء ومقدماته"[11]. 4- التوارث: قال الله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوٰجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:12]. قال الطبري: "يعني بذلك جل ثناؤه: ولكم ـ أيها الناس ـ نصف ما ترك أزواجكم بعد وفاتهن من مال وميراث، إن لم يكن لهن ولد يوم يحدث لهن الموت لا ذكر ولا أنثى، {فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ} أي: فإن كان لأزواجكم يوم يحدث لهن الموت ولد ذكر أو أنثى، فلكم الربع مما تركن من مال وميراث، ميراثا لكم عنهن، {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} يقول: ذلكم لكم ميراثا عنهن مما يبقى من تركاتهن وأموالهن من بعد قضاء ديونهن التي يمتن وهي عليهن، ومن بعد إنفاذ وصاياهن الجائزة إن كن أوصين بها. وقوله تعالى: {وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} يعني جل ثناؤه بقوله: {وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ}: ولأزواجكم ـ أيها الناس ـ ربع ما تركتم بعد وفاتكم من مال وميراث، إن حدث بأحدكم حدث الوفاة ولا ولد له ذكر ولا أنثى، {فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ} يقول: فإن حدث بأحدكم حدث الموت وله ولد ذكر أو أنثى، واحدا كان الولد أو جماعة، {فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم} يقول: فلأزواجكم حينئذ من أموالكم وتركتكم التي تخلفونها بعد وفاتكم الثمن من بعد قضاء ديونكم التي حدث بكم حدث الوفاة وهي عليكم، ومن بعد إنفاذ وصاياكم الجائزة التي توصون بها"[12].
[1] أخرجه البخاري في النكاح (5151)، ومسلم في النكاح (1418). [2] أعلام الحديث (3/1979). [3] شرح مسلم (9/202). [4] أخرجه البخاري في بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة (3237) واللفظ له، ومسلم في النكاح (1736). [5] أخرجه البخاري في الصوم، باب: من أقسم على أخيه ليفطر في التطوع... (1968). [6] فتح الباري (4/212). [7] المحلى (10/40). [8] أخرجه مسلم في النكاح (1437). [9] شرح مسلم (10/8-9). [10] أخرجه أحمد (6/456)، وعزاه الهيثمي في المجمع (4/294) للطبراني. وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي داود في النكاح (2174)، وابن أبي شيبة (4/39). ومن حديث سلمان رضي الله عنه عند أبي نعيم في الحلية (1/186)، لذا قال الألباني في آداب الزفاف (ص 37): "فالحديث بهذه الشواهد صحيح أو حسن على الأقل". [11] عون المعبود (6/158). [12] جامع البيان (4/283). |
||
. |