|
||
. | ||
أصول الحياة الزوجية: سادساً: حقوق الزوج على زوجته: الصفحة السابقة الصفحة التالية (عناصر البحث) |
||
|
||
سادسًا: حقوق الزوج على زوجته: 1- أن تقوم على خدمته بالمعروف: عن الحصين بن محصن رضي الله عنه قال: إن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((أذات زوج أنت؟))، قالت: نعم، قال: ((كيف أنت له؟)) قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: ((فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك))[1]. قال الألباني: "والحديث ظاهر الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها، وخدمتها إياه في حدود استطاعها، ومما لا شك فيه أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله وما يتعلق به من تربية أولاده، ونحو ذلك"[2]. وعن علي رضي الله عنه أن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى مما تطحن، فبلغها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بسبي، فأتته تسأله خادما، فلم توافقه، فذكرت لعائشة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك عائشة له، قال: فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا، فذهبنا لنقوم فقال: ((على مكانكما)) حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: ((ألا أدلكما على خير مما سألتماه، إذا أخذتما مضاجعكما فكبرا الله أربعا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين؛ فإن ذلك خير لكما مما سألتماه))[3]. قال ابن حبيب: "حكم النبي بين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وبين فاطمة رضي الله عنها حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة خدمة البيت، وحكم على عليّ بالخدمة الظاهرة... والخدمة الباطنة العجين والفرش وكنس البيت واستقاء الماء وعمل البيت كله"[4]. وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأخرز غربه، وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: ((إخ إخ)) ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك، فقال: والله، لحملك النوى كان أشدَّ عليَّ من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس فكأنما أعتقني[5]. قال ابن تيمية: "فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة"[6]. 2- أن تطيعه في غير معصية: عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت))[7]. قال المناوي: "((إذا صلت المرأة خمسها)) المكتوبات الخمس، ((وصامت شهرها)) رمضان غير أيام الحيض إن كان، ((وحفظت)) وفي رواية: ((أحصنت فرجها)) عن الجماع المحرم والسحاق، ((وأطاعت زوجها)) في غير معصية، ((دخلت)) لم يقل: (تدخلُ) إشارة إلى تحقق دخول الجنة إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر، أو تابت توبة نصوحا أو عفي عنها، والمراد مع السابقين الأولين، وإلا فكل مسلم لا بد أن يدخل الجنة وإن دخل النار. فإن قلت: فما وجه اقتصاره على الصوم والصلاة ولم يذكر بقية الأركان الخمسة التي بني الإسلام عليها؟ قلت: لغلبة تفريط النساء في الصلاة والصوم، وغلبة الفساد فيهن، ولأن الغالب أن المرأة لا مال لها تجب زكاته ويتحتم فيه الحج فأناط الحكم بالغالب، وحثها على مواظبة فعل ما هو لازم لها بكل حال والحفظ والصون والحراسة، والفرج: يطلق على القبل والدبر؛ لأن كل واحد منفرج، أي: منفتح، وأكثر استعماله عرفا في القبل"[8]. 3- ألا تصوم نفلاً وهو حاضر إلا بإذنه: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه))[9]. قال النووي: "هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين، وهذا النهى للتحريم صرَّح به أصحابنا، وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام، وحقّه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي. فإن قيل: فينبغي أن يجوز لها الصوم بغير إذنه فان أراد الاستمتاع بها كان له ذلك ويفسد صومها؟ فالجواب: أن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة؛ لأنه يهاب انتهاك الصوم بالإفساد. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وزوجها شاهد)) أي: مقيم في البلد، أما إذا كان مسافرا فلها الصوم؛ لأنه لا يتأتى منه الاستمتاع إذا لم تكن معه"[10]. 4- أن تحافظ على ماله وممتلكاته: عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته عام حجة الوداع يقول: ((لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها))، قيل: يا رسول الله، ولا الطعام؟ قال: ((ذاك أفضل أموالنا))[11]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة عن غير أمره فإنه يؤدَّى إليه شطرُه))[12]. قال النووي: "قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: ((وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإنّ نصف أجره له)) فمعناه: من غير أمره الصّريح في ذلك القدر المعيّن, ويكون معها إذن عامٌّ سابقٌ متناولٌ لهذا القدر وغيره, وذلك الإذن الّذي قد أوّلناه سابقًا إمّا بالصّريح وإمّا بالعرف, ولا بدّ من هذا التّأويل, لأنّه صلّى اللّه عليه وسلّم جعل الأجر مناصفة, وفي رواية أبي داود: ((فلها نصف أجره)), ومعلوم أنّها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها, بل عليها وزر, فتعيّن تأويله. واعلم أنّ هذا كلّه مفروض في قدرٍ يسيرٍ يعلم رضا المالك به في العادة, فإن زاد على المتعارف لم يجز , وهذا معنى قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: ((إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة)) فأشار صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أنّه قدر يعلم رضا الزّوج به في العادة, ونبّه بالطّعام أيضًا على ذلك; لأنّه يسمح به في العادة بخلاف الدّراهم والدّنانير في حقّ أكثر النّاس, وفي كثير من الأحوال"[13]. 5- ألا تُدخل أحدا في بيته إلا بإذنه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ولا تأذن في بيته إلا بإذنه))[14]. قال النووي: "والمختار أن معناه: أن لا يأذنَّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلا أجنبيا أو امرأة أو أحدا من محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك. وهذا حكم المسألة عند الفقهاء أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل أو امرأة ولا محرم ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه؛ لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه، أو ممن أذن له في الإذن في ذلك، أو عرف رضاه باطراد العرف بذلك ونحوه، ومتى حصل الشك في الرضا ولم يترجح شيء ولا وجدت قرينة لا يحل الدخول ولا الإذن والله أعلم"[15]. عن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ، ثم قال: ((ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون))[16]. 6- أن تشكر نعمته ولا تجحد عشرته وإحسانه: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء؛ يكفرن))، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: ((يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنتَ إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرا قط))[17]. قال الحافظ: "فيه تحريم كفران الحقوق، ووجوب شكر المنعم"[18].
[1] أخرجه أحمد (4/341) واللفظ له، والحميدي (355)، والطبراني في الكبير (25/183)، والأوسط (529)، والبيهقي في الكبرى (7/291)، وصححه الحاكم (2/189). وقال المنذري في الترغيب (3/34): "رواه أحمد والنسائي بإسنادين جيدين". وصححه الألباني في آداب الزفاف (ص118). [2] آداب الزفاف (ص118). [3] أخرجه البخاري في فرض الخمس، باب: الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله (3113) واللفظ له، ومسلم في الذكر والدعاء (2727). [4] انظر: أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لابن فرج المالكي (ص73)، وزاد المعاد (5/186). [5] أخرجه البخاري في النكاح، باب: الغيرة (5224) واللفظ له، ومسلم في السلام (2182). [6] مجموع الفتاوى (34/91). [7] أخرجه أحمد (1/191)، والطبراني في الأوسط (8805)، وفيه ابن لهيعة. وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن حبان (4163)، وآخر من حديث أنس عند البزار (1463)، وأبي نعيم في الحلية (6/308). قال الألباني في آداب الزفاف (ص120): "حديث حسن أو صحيح، له طرق". [8] فيض القدير (1/392). [9] أخرجه البخاري في النكاح، باب: لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه (5195) واللفظ له، ومسلم في الزكاة (1026). [10] شرح مسلم (7/115). [11] أخرجه أحمد (5/267)، والترمذي في الزكاة، باب: في نفقة المرأة من بيت زوجها (670)، وابن ماجه في التجارات، باب: ما للمرأة من مال زوجها (2295). قال الترمذي: "حديث أبي أمامة حديث حسن"، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (1873). [12] أخرجه البخاري في النكاح، باب: لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه (5195) واللفظ له، ومسلم في الزكاة (1026). [13] شرح مسلم (7/112-113). [14] تقدم تخريجه. [15] شرح مسلم (8/184). [16] جزء من حديث أخرجه الترمذي في الرضاع، باب: ما جاء في حق المرأة على زوجها (1163)، وابن ماجه في النكاح، باب: حق المرأة على زوجها (1851). قال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وأورده الألباني في تعليقه على الترغيب (1930). [17] أخرجه البخاري في الإيمان، باب: كفران العشير وكفر دون كفر (29) واللفظ له، ومسلم في الكسوف (907). [18] فتح الباري (2/543). |
||
. |