الملف العلمي لبدع الروافض

.

  الأمر بالاتباع وذم الابتداع: الفصل الرابع: وسائل تحقيق الاتباع والابتعاد عن الابتداع:    السابقة     التاليـة     (الرئيسة)

 

الفصل الرابع: وسائل تحقيق الاتباع والابتعاد عن الابتداع:

1.  العلم بأهمية هذا الأصل وعواقب مخالفته:

تقدم الكلام عليه في الفصل الرابع.

2. عدم التعمق والغلو في الدين والسؤال عما لا يعني:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فرخص فيه فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال: ((ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟‍ فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية))[1].

وعن أنس رضي الله عنه أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه فقال: ((ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني))[2].

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعوني ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))[3].

عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((هلك المتنطعون)) قالها ثلاثا[4].

قال يحيى بن معاذ الرازي: "الناس خمس طبقات فاجتنب أربعاً والزم واحدة، فأما الأربع الذين يجب عليك أن تجتنبهن ـ فذكر ثلاث طبقات ثم قال: ـ والرابعة: فهم منهم المتعمقون في الدين الذين يتكلمون في العقول، ويحملون الناس على قياس أفهامهم... ـ إلى قوله: ـ وذلك حين رأى عقلَه أملى بالدين وأضبط له وأغوص على الغيب وأبلغ لما يراد من الثواب من أمر الله إياه ونهيه وفرائضه الملجمة للمؤمنين عن اختراق السدود، والتنقير عن غوامض الأمور والتدقيق الذي قد نهيت عنه الأمة، إذ كان ذلك سبب هلاك الأمم قبلها، وعلةَ ما أخرجها من دين ربها، وهؤلاء هم الفساق في دين الله، المارقون منه، التاركون لسبيل الحق، المجانبون للهدى، الذين لم يرضوا بحكم الله في دينه حتى تكلفوا طلبَ ما قد سقط عنهم طلبه، ومن لم يرض بحكم الله في المعرفة حكماً لم يرض بالله رباً، ومن لم يرض بالله رباً كان كافراً، وكيف يرضون بحكم الله في الدين وقد بيَّن لنا فيه حدوداً وفرض علينا القيام عليها والتسليم بها، جاء هؤلاء بعد قِلَّة عقولهم وجور فطنهم وجهل مقاييسهم يتكلمون في الدقائق ويتعمَّقون، فكفى بهم خزياً سقوطُهم من عيون الصالحين، يُقتصَر فيهم على ما قد لزمهم في الأمة من قالة السوء، وأُلبِسوا من أثواب التهمة، واستوحش منهم المؤمنون، ونهى عن مجالستهم العلماء، وكرهتهم الحكماء، واستنكرهم الأدباء، وقامت منهم فراسة البصراء، شكَّاكون جاهلون، ووسواسون متحيِّرون، فإذا رأيت المريدَ يطيف بناصيتهم فاغسل يدَك منه ولا تجالسه"[5].

3. عدم مجالسة أهل البدع والأهواء:

قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءايَـٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَـٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} [الأنعام:68].

قال أبو قلابة: "لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون"[6].

قال إبراهيم النخعي: "لا تجالسوا أهل الأهواء؛ فإن مجالستهم تذهب بنور الإيمان من القلوب، وتسلب محاسن الوجوه، وتورث البغضة في قلوب المؤمنين"[7].

قال ابن بطة: "اعلموا ـ إخواني ـ أني فكَّرت في السبب الذي أخرج أقواماً من السنة والجماعة واضطرهم إلى البدعة والشناعة وفتح بابَ البلية على أفئدتهم وحُجب نور الحق عن بصيرتهم فوجدت ذلك من وجهين:

أحدهما: البحث والتنقير وكثرة السؤال عما لا يعني ولا يضرُّ العاقلَ جهلُه، ولا ينفع المؤمن فهمه[8].

والآخر: مجالسة من لا تؤمَن فتنتُه وتُفسد القلوبَ صحبتُه"[9].

4. ترك الجدال والخصومات في الدين:

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)) ثم قرأ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف:58][10].

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخَصِم))[11].

قال عمر بن عبد العزيز: "من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقل"[12].

وقال مسلم بن يسار: "إياكم والمراء فإنها ساعة جهل العالم، ولها يبتغي الشيطان زلته"[13].

وقال عبد الرحمن بن أبي الزناد: "فهل هلك أهل الأهواء وخالفوا الحق إلا بأخذهم بالجدل والتفكير في دينهم، فهم كلَّ يوم على دين ضلالة وشبهة جديدة، لا يقيمون على دين وإن أعجبهم إلا نقلهم الجدل والتفكير إلى دين سواه، ولو لزموا السنن وأمر المسلمين وتركوا الجدل لقطعوا عنهم الشكَّ وأخذوا بالأثر الذي حضَّهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم"[14].

وقال الآجُرّي: "لما سمع هذا أهلُ العلم من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين لم يماروا في الدين ولم يجادلوا، وحذَّروا المسلمين المراءَ والجدالَ، وأمروهم بالأخذ بالسنن وبما كان عليه الصحابة رضي الله عنه، وهذا طريق أهل الحق ممن وفقه الله تعالى"[15].

5. سد الذرائع المفضية إلى الابتداع:

قال الإمام أبو بكر الطرطوشي: "باب: فيما انطوى عليه الكتابُ العزيز من الأمور التي ظاهرها سِلم جرت إلى هلك: فيكفي الأمةَ منه قصةُ أصحاب السبت التي حكاها الله في كتابه، وكان مالك يحتجُّ بها على من خالفه في مسألة الذرائع... ـ إلى أن قال: ـ ومما يدخل في هذا الباب والتحذير من الزيادة في دين الله تعالى والنقصان منه قولُه تعالى: {وَقُولُواْ حِطَّةٌ وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّدًا} [الأعراف:161]، إلى قوله: {فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِى قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مّنَ ٱلسَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ} [الأعراف:162]، قال أهل التأويل: طُؤطِئ لهم البابُ ليخفضوا رؤوسهم فيدخلوا سُجَّداً منحنين متواضعين ويقولوا: (حطة) معناه حُطَّ عنَّا خطايانا، فقالوا: (حنطة) استخفافاً بأمر الله، فأرسل الله تعالى عليهم رِجزاً ظُلمةً وطاعوناً، فهلك منهم في ساعة واحدة سبعون ألفاً، فلقوا من البلاء ما لقوا، وإنما زادوا حرفاً في الكلمة، يُعرِّفهم أن الزيادة في الدين والابتداعَ في الشرع عظيم الخطر، قال علماؤنا: إذا كان تغييرُ كلمةٍ في باب التوبة وذلك أمرٌ يرجع إلى المخلوق يوجب كلَّ ذلك العذابَ فما ظنُّك بتغيير ما هو خبر عن صفات المعبود؟!"[16].


[1] أخرجه البخاري: كتاب الأدب، باب: من لم يواجه الناس بالعتاب (6101)، ومسلم: كتاب الفضائل (2356).

[2] تقدم تخريجه في الفصل الثاني: المبحث الثاني.

[3] أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام، باب: الافتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم (7288).

[4] أخرجه مسلم: كتاب العلم (2670).

[5] أخرجه ابن بطة في الإبانة (1/405-406).

[6] أخرجه ابن بطة في الإبانة (2/435).

[7] أخرجه ابن بطة في الإبانة (2/439).

[8] تقدم ذكره في النقطة السابقة.

[9] الإبانة (1/390).

[10] أخرجه أحمد في المسند (5/252)، والترمذي: كتاب التفسير، باب: ومن سورة الزخرف (3250)، وابن ماجه: المقدمة (48)، وابن أبي عاصم في السنة (101)، وقال الترمذي: "حسن صحيح"، وحسنه الألباني في ظلال الجنة (ص47-48).

[11] أخرجه البخاري: كتاب المظالم (2457)، ومسلم: كتاب العلم (2668).

[12] أخرجه الدارمي: المقدمة، باب: من قال: العلم الخشية وتقوى الله (309)، وابن بطة في الإبانة (2/503)، والآجري في الشريعة (1/189).

[13] أخرجه الدارمي: المقدمة، باب: اجتناب أهل الأهواء والبدع والخصومة (400)، والآجري في الشريعة (1/187).

[14] أخرجه ابن بطة في الإبانة (2/532).

[15] الشريعة (1/187).

[16] الحوادث والبدع (ص23-29).

 

.