الملف العلمي لبدع الروافض

.

  الأمر بالاتباع وذم الابتداع: الفصل الخامس: منهج التلقي عند السلف:        الصفحة السابقة        (الصفحة الرئيسة)

 

الفصل الخامس: منهج التلقي عند السلف:

1.  الإيمان بجميع نصوص الكتاب والسنة:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن ما أخبر به الرسولُ عن ربه فإنه يجب الإيمانُ به سواءً عرفنا معناه أو لم نعرف؛ لأنه الصادق المصدوق، فما جاء في الكتاب والسنة وجب على كل مؤمن الإيمان به وإن لم يفهم معناه، وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمة وأئمتها، مع أن هذا الباب يوجد عامتُه منصوصاً في الكتاب والسنة، متفق عليه بين سلف الأمة"[1].

2. اشتمال الكتاب والسنة على أصول الدين دلائله ومسائله:

قال ابن تيمية: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّن جميعَ الدين أصوله وفروعه، باطنه وظاهره، علمه وعمله، فإن هذا الأصل هو أصل أصول العلم والإيمان، وكلُّ من كان أعظمَ اعتصاماً بهذا الأصل كان أولى بالحق علماً وعملاً... ـ إلى أن قال: ـ وأما أهل العلم والإيمان فمتفقون على أن الرسل لم يقولوا إلا الحق، وأنهم بيَّنوه مع علمهم بأنهم أعلمَ الخلق بالحق، فهم الصادقون المصدوقون، علموا الحق وبينوه"[2].

3. درء التعارض بين نصوص الكتاب والسنة:

قال شيخ الإسلام: "إن ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة هو من علم الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى، فما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم به فالله تعالى أخبر به، وما أمر به صلى الله عليه وسلم فالله تعالى أمر به، ومحالٌ أن يقع فيما أخبر به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أو أمر به الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم تضادٌّ أو اختلاف.

فالقرآن الذي هو كلام الله تعالى ـ وكلامه إنما يوافق علمَه ـ محالٌ أن يقع بين آياته اختلاف وتعارضٌ، بمعنى أن تخبر آيةٌ بثبوت شيء وتخبر أخرى بنفيه، أو تأمرَ آيةٌ بفعل شيء ثم تأمر أخرى بتركه، بل هذا من أمارات الجهل والعجز التي يتَّصف بها المخلوق دون الخالق سبحانه، وكذلك السنة النبوية محالٌ أن يقع بين نصوصها اختلافٌ وتعارض، لا في أخبارها ولا في أحكامها حيث إنها كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول إنما يخبر بوحي من الله تعالى نصاً أو إقراراً، ووحيه تعالى موافق لعلمه، فهي كالقرآن يخرجان من مشكاة واحدة، فما ثبت للقرآن من هذه الجهة فهو يثبت للسنة"[3].

4. الإيمان بالمتشابه والعمل بالمحكم:

قال شيخ الإسلام: "وقد قال كثير من السلف: إن المحكمَ ما يعمل به والمتشابهَ ما يؤمن به ولا يعمَل به، كما يجيء في كثير من الآثار: ونعمَل بمحكمه ونؤمن بمتشابهه، وكما جاء عن ابن مسعود وغيره في قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ آتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} [البقرة:121]، قال: يحلِّلون حلالَه، ويحرِّمون حرامَه، ويعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، وكلام السلف في ذلك يدلُّ على أن التشابه أمرٌ إضافي، فقد يشتبه على هذا ما لا يشتبه على هذا، فعلى كلِّ أحدٍ أن يعمل بما استبان له ويكل ما اشتبه عليه إلى الله"[4].

5. التسليم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم:

قال الطحاوي: "فإنه ما سلِم في دينه إلا من سلَّم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وردَّ علمَ ما اشتبه عليه إلى عالمه".

قال ابن أبي العز: "أي: سلم لنصوص الكتاب والسنة ولم يعترض عليها بالشكوك والشبه والتأويلات الفاسدة، أو بقوله: العقل يشهد بضدِّ ما دلَّ عليه النقل والعقل أصل النقل، فإذا عارضه قدَّمنا العقل، وهذا لا يكون قط... ـ إلى أن قال: ـ فالواجب كمال التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن نعارضه بخيالٍ باطل نسمية معقولاً أو نحمِّلَه شبهةً أو شكاً أو نقدم عليه آراء الرجال وزبالة أذهانهم، فنوحِّده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان كما نوحِّد المرسِل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بها: توحيد المرسِل وتوحيد متابعة الرسول، فلا نحاكم إلى غيره، ولا نرضى بحكم غيره، ولا نوقف تنفيذ أمره وتصديقَ خبره على عَرْضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه، فإن أذنوا له نفَّذه وقبِل خبره، وإلا فإن طلب السلامة فوَّضه إليهم وأعرض عن أمره وخبره، وإلا حرّفه عن مواضعه وسمى تحريفه تأويلاً وحملاً فقال: نؤوله ونحمله، فلأن يلقى العبد ربَّه بكل ذنب ما خلا الإشراك بالله خيرٌ له من أن يلقاه بهذه الحال، بل إذا بلغه الحديثُ الصحيح يَعُدّ نفسه كأنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يسوغ أن يؤخِّر قبولَه والعملَ به حتى يعرضَه على رأي فلان وكلامه ومذهبه؟! بل كان الفرضُ المبادرةَ إلى الامتثال من غير التفات إلى سواه، ولا يستشكل قولَه لمخالفته رأيَ فلان، بل يستشكل الآراءَ لقوله، ولا يعارض نصَّه بقياس، بل نهدِر الأقيسة ونتلقَّى نصوصَه ولا نحرف كلامَه عن حقيقته"[5].

6. درء التعارض بين النقل والعقل:

الشريعة ليس فيها ما يردُّه العقل، بل كلُّ ما أدركه العقلُ من مسائله فهو يشهَد له بالصحة تصديقاً وتعضيداً، وما قصر العقلُ عن دركه من مسائله فهذا لعظم الشريعة وتفوُّقِها، ومع ذلك فليس في العقل ما يمنع وقوعَ تلك المسائلِ التي عجز العقلُ عن دركها، فالشريعة قد تأتي بما يحيِّر العقل لا بما تحيله العقول.

فالله تعالى أنزل الكتاب وأنزل الميزان، فهما في الإنزال أخوان، وفي معرفة الأحكام شقيقان، وقد تقدَّم منعُ التعارض بين نصوص الشرع، وكذلك الميزان أو القياس أو العقل الصحيح الصريح لا يتعارض في نفسه ولا يتناقض، وأيضاً لا يتعارض الشرع الصحيح الصريح مع الميزان الصحيح الصريح، فلا تجد نصاً شرعياً صحيحاً صريحاً ـ أي: صحيحاً في ثبوته وصريحاً في دلالته ـ معارضاً لقياس صحيح صريح، هذا لا يمكن بحال، بل الشرع الصحيح والعقل الصريح متصادقان متعاضدان متناصران يصدِّق أحدهما الآخر، ويشهد أحدهما بصحة الآخر"[6].

قال ابن أبي العز: "وإذا جاء ما يوهم التعارضَ فإن كان النقل صحيحاً فذلك الذي يدَّعى أنه معقول إنما هو مجهول، ولو حُقِّق النظر لظهر ذلك، وإن كان النقل غير صحيح فلا يصلح للمعارضة، فلا يُتصوَّر أن يتعارض عقلٌ صريح ونقل صحيح أبداً"[7].

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،

*   *   *   *


[1] مجموع الفتاوى (3/41).

[2] مجموع الفتاوى (19/155-158).

[3] التدمرية (ص64، 65).

[4] مجموع الفتاوى (17/386).

[5] شرح العقيدة الطحاوية (ص199-200).

[6] انظر: منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد (1/352).

[7] شرح العقيدة الطحاوية (ص199).

 

.