الملف العلمي للأحداث الراهنة

.

  العدل: سابعاً: أحاديث البحث:         الصفحة السابقة               الصفحة التالية              (الصفحة الرئيسة)

 

سابعاً: أحاديث البحث.

1. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قتلتم فأحسنوا، فان الله عز وجل محسنٌ يحب المحسنين))[1].

2. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا))[2].

قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)) فمنعناه أن هذا الفضل إنما هو لمن عدل فيما تقلده من خلافة أو إمارة أو قضاء أو حسبة أو نظر على يتيم أو صدقة أو وقف وفيما يلزمه من حقوق أهله وعياله ونحو ذلك والله أعلم"[3].

3. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر اشترط عليهم أن له الأرض، وكل صفراء وبيضاء. يعني الذهب والفضة، وقال له أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض، فأعطِناها على أن نعملها ويكون لنا نصف الثمرة ولكم نصفها، فزعم أنه أعطاهم على ذلك. فلما كان حين يُصرم النخل، بعث إليهم ابن رواحة، فحزر النخل، وهو الذي يدعونه أهل المدينة الخرص، فقال: في ذا كذا وكذا. فقالوا: أكثرت علينا يا ابن رواحة. فقال: فأنا أحزر النخل وأُعطيكم نصف الذي قلت. قال: قالوا: هذا الحق، وبه تقوم السماء والأرض. فقالوا: قد رضينا أن نأخذ بالذي قلت[4].

4. وعن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى يُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، قال: ((أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟)) قال: لا، قال: ((فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) قال: فرجع فرد عطيته[5].

قال ابن القيم: "وهذا أمر تهديد، لا إباحة، فإن تلك العطية كانت جوراً بنص الحديث، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأذن لأحد أن يشهد على صحة الجور، ومن ذا الذي كان يشهد على تلك العطية، وقد أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشهد عليها، وأخبر أنها لا تصلح وأنها جور وأنها خلاف العدل.

ومن العجب أن يحمل قوله: ((اعدلوا بين أولادكم)) على غير الواجب، وهو أمر مطلق مؤكد ثلاث مرات، وقد أخبر الأمر به أن خلافه جور، وأنه لا يصلح وأنه ليس بحق وما بعد الحق إلا الباطل، هذا والعدل واجب في كل حال، فلو كان الأمر به مطلقاً لوجب حمله على الوجوب، فكيف وقد اقترن به عشرة أشياء تؤكد وجوبه فتأملها في ألفاظ القصة"[6].

5. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكارهنا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالعدل أين كنا، لا نخاف في الله لومة لائم[7].

6. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثٌ كفارات، وثلاث درجات، وثلاث منجيات، وثلاث مهلكات. فأما الكفارات: فإسباع الوضوء في السبرات[8]، وانتظار الصلوات بعد الصلوات، ونقل الأقدام إلى الجماعات. وأما الدرجات: فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام. وأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية. وأما المهكلات: فشحٌّ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه))[9].

7. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمامٌ عادلٌ، وشابٌ نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه))[10].

قال ابن حجر: "وأحسن ما فسر به العادل أنه الذي يتبع أمر الله بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط"[11].

8. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما كان يوم حنين آثر النبي صلى الله عليه وسلم أناساً في القسمة: فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أُناساً من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في القسمة. قال رجلٌ: والله إن هذه القسمة ما عُدل فيها، وما أُريد بها وجه الله، فقلت: والله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته فأخبرته. فقال: ((فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟ رَحِم الله موسى، فقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر))[12].

9. وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عن الله تبارك وتعالى أنه قال: ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظلموا...)) الحديث[13].

قال ابن تيمية: "قوله: ((وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)) فإنها تجمعُ الدين كله، فإن ما نهى الله عنه راجعٌ إلى الظلم، وكل ما أمر به راجعٌ إلى العدل، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَـٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ} [الحديد:25].

فأخبر أنه أرسل الرسل، وأنزل الكتاب والميزان لأجل قيام الناس بالقسط، وذكر أنه أنزل الحديد الذي به ينصر هذا الحق، فالكتاب يهدي، والسيف ينصر، وكفى بربك هادياً ونصيراً... لكن المقصود أن كل خير فهو داخلٌ في القسط والعدل، وكل شر فهو داخل في الظلم، ولهذا كان العدل أمراً واجباً في كل شيء وعلى كل أحد، والظلم محرماً في كل شيء ولكل أحد، فلا يحل ظلم أحد أصلاً سواء كان مسلماً أو كافراً، أو كان ظالماً. بل الظلم إنما يباح ويجب فيه العدل عليه أيضاً قال تعالى: {يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَاء بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ} [المائدة:8]، أي يحملنكم شنآن أي بغض قوم وهم الكفار على عدم العدل {قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ}... فإن هذا خطاب لجميع العباد أن لا يظلم أحد أحداً. وأمر العالم في الشريعة مبنيٌّ على هذا، وهو العدل في الدماء والأموال والأبضاع والأنساب والأعراض"[14].

وقال ابن رجب: "يعني: أنه تعالى حرَّم الظلم على عباده، ونهاهم أن يتظالموا فيما بينهم، فحرامٌ على كل عبدٍ أن يظلم غيره، مع أن الظلم في نفسه محرَّم مطلقاً، وهو نوعان:

أحدهما: ظلمُ النفس، وأعظمه الشرك، كما قال تعالى: {إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، فإن المشرك جعل المخلوق في منزلةِ الخالق، فعبده وتألَّهه، فوضع الأشياء في غير موضعها، وأكثر ما ذُكر في القرآن من وعيد الظالمين إنما أُريد به المشركون، كما قال عز وجل: {وَٱلْكَـٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} [البقرة:254]، ثم يليه المعاصي على اختلاف أجناسها من كبائر وصغائر.

والثاني: ظلمُ العبد لغيره، وهو المذكور في هذا الحديث، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا))[15]"[16].

10. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يكذبه، ولا يحقره، التقوى ها هنا))، ويشير إلى صدره ثلاث مرات ((بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعِرضه))[17].

قال ابن رجب: "فتضمَّنت هذه النصوص كلها أن المسلم لا يحل إيصال الأذى إليه بوجهٍ من الوجوه من قولٍ أو فعلٍ بغير حق، وقد قال الله تعالى: {وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً} [الأحزاب:58].

وإنما جعل الله المؤمنين إخوةً ليتعاطفوا ويتراحموا، وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر))[18].


[1] عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (5/197) للطبراني في الأوسط وقال: "رجاله ثقات"، وخرجه الألباني في السلسلة الصحيحة (469).

[2] أخرجه مسلم في الإمارة (1827).

[3] شرح صحيح مسلم (12/454).

[4] أخرجه أبو داود في البيوع (3410)، وابن ماجه في الزكاة (1820). وذكره الألباني في صحيح أبي داود (2910).

[5] أخرجه البخاري في الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب: الإرشاد في الهبة (2587) واللفظ له، ومسلم في الهبات (1623).

[6] تحفة المودود (ص160).

[7] أخرجه النسائي في البيعة (4153)، وأصله في البخاري كتاب المغازي (3999).

[8] السبرات: جمع سبرة وهي شدة البرد.

[9] أخرجه البزار (1/59، 60 كشف الأستار)، وعزاه في مجمع الزوائد (1/91) للطبراني في الأوسط، وذكره الألباني في الصحيحة (1802).

[10] أخرجه البخاري في الزكاة (1423) واللفظ له، ومسلم في الزكاة (1031).

[11] فتح الباري (2/145).

[12] أخرجه البخاري في فرض الخمس (3150) واللفظ له، ومسلم في الزكاة (1062).

[13] أخرجه مسلم في البر والصلة، باب: تحريم الظلم (2577).

[14] إنعام الباري في شرح حديث أبي ذر الغفاري (ص57) وما بعدها.

[15] رواه البخاري (67)، ومسلم (1679) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

[16] جامع العلوم والحكم (2/36).

[17] أخرجه مسلم في البر والصلة، باب: تحريم ظلم المسلم... (2564).

[18] جامع العلوم والحكم (2/282).

 

.