الملف العلمي للأحداث الراهنة

.

  العدل: سادساً: آيات البحث:            الصفحة السابقة             الصفحة التالية             (الصفحة الرئيسة)

 

سادساً: آيات البحث:

1. قال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأنعام:152].

قال ابن جرير: "وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم، فقولوا الحق بينهم، واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا، ولو كان الذي يتوجه الحق عليه والحكم ذا قربة لكم، ولا يحملنكم قرابة قريب وصداقة صديق حكمتم بينه وبين غيره أن تقولوا غير الحق فيما احتكم إليكم فيه"[1].

وقال ابن سعدي: "{وَإِذَا قُلْتُمْ} قولاً تحكمون به بين الناس، وتفصلون بينهم الخطاب، وتتكلمون به على المقالات والأحوال {فَٱعْدِلُواْ} في قولكم، بمراعاة الصدق فيمن تحبون ومن تكرهون، والإنصاف وعدم كتمان ما يلزم بيانه، فإن الميل على من تكره بالكلام فيه، أو في مقالته من الظلم المحرم. بل إذا تكلم العالم على مقالات أهل البدع، فالواجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه، وأن يبين ما فيها من الحق والباطل، ويعتبر قربها من الحق وبعدها منه، وذكر الفقهاء أن القاضي يجب عليه العدل بين الخصمين في لحظه ولفظه"[2].

وقال الشنقيطي: "أمر تعالى في هذه الآية الكريمة بالعدل في القول، ولو كان على ذي قرابة، وصرح في موضع آخر بالأمر بذلك، ولو كان على نفسه أو والديه"[3].

2. وقال تعالى: {يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} الآية [النساء:135].

قال ابن جرير: "قوموا بالقسط لله عند شهادتكم، أو حين شهادتكم {وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} يقول: ولو كانت شهادتكم على أنفسكم، أو على والديكم أو أقربيكم، فقوموا فيها بالقسط والعدل، وأقيموها على صحتها بأن تقولوا فيها الحق، ولا تميلوا فيها لغني لغناه على فقير، ولا لفقير لفقره على غني فتجوروا، فإن الله سوّى بين حكم الغني والفقير فيما ألزمكم أيها الناس من إقامة الشهادة لكل واحد منهما بالعدل أولى بهما، وأحقّ منكم، لأنه مالكهما، وأولى بهما دونكم، فهو أعلم بما فيه مصلحة كل واحد منهما في ذلك وفي غيره من الأمور كلها منكم، فلذلك أمركم بالتسوية بينهما في الشهادة لهما وعليها {فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ} يقول: فلا تتبعوا أهواء أنفسكم في الميل في شهادتكم إذا قمتم بها، لغني على فقير، أو لفقير على غني إلى أحد الفريقين فتقولوا غير الحق، ولكم قوموا فيه بالقسط، وأدّوا الشهادة على ما أمركم الله بأدائها بالعدل لمن شهدتم عليه وله.

فإن قال قائل: وكيف يقوم بالشهادة على نفسه الشاهد بالقسط، وهل يشهد الشاهد على نفسه؟ قيل: نعم، وذلك أن يكون عليه حق لغيره، فيقرّ له به، فذلك قيام منه له بالشهادة على نفسه، وهذه الآية عندي تأديب من الله جلّ ثناؤه عباده المؤمنين أن يفعلوا ما فعله الذين عذروا بني أبيرق في سرقهم ما سرقوا وخيانتهم ما خانوا من ذكر ما قيل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهادتهم لهم عنده بالصلاح، فقال لهم: إذا قمتم بالشهادة لإنسان أو عليه، فقوموا فيها بالعدل، ولو كانت شهادتكم على أنفسكم وآبائكم وأمهاتكم وأقربائكم، فلا يحملنكم غني من شهدتم له أو فقره أو قرابته ورحمه منكم على الشهادة له بالزور ولا على ترك الشهادة عليه بالحقّ وكتمانها"[4].

وقال القرطبي: "هو العدل في شهادتكم على أنفسكم، وشهادة المرء على نفسه إقراره بالحقوق عليها. ثم ذكر الوالدين لوجوب برهما وعظم قدرهما، ثم ثنّى بالأقربين إذ هم مظنة المودّة والتعصب، فكان الأجنبي من الناس أحرى أن يقام عليه بالقسط ويشهد عليه"[5].

وقال ابن كثير: "يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط، أي: بالعدل، فلا يعدلوا عنه يميناً ولا شمالاً، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف، وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه... {وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} أي: أشهد الحق ولو عاد ضررها عليك، وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه، وإن كان مضرة عليك، فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجاً ومخرجاً من كل أمر يضيق عليه.

وقوله: {أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأقْرَبِينَ} أي: وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك، فلا تراعهم فيها، بل أشهد بالحق، وإن عاد ضررها عليهم، فإن الحق حاكم على كل أحد، وهو مقدم على كل أحد"[6].

وقال ابن سعدي: "يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا {قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ}.

والقوام صيغة مبالغة، أي: كونوا في كل أحوالكم، قائمين بالقسط في حقوق الله، أن لا يستعان بنعمه على معصيته، بل تصرف في طاعته. والقسط في حقوق الآدميين، أن تؤدى جميع الحقوق التي عليك، كما تطلب حقوقك. فتؤدى النفقات الواجبة، والديون، وتعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، من الأخلاق والمكافأة، وغير ذلك. ومن أعظم أنواع القسط، القسط في المقالات والقائلين. فلا يحكم لأحد القولين، أو أحد المتنازعين، لانتسابه أو ميله لأحدهما.

بل يجعل وجهته، العدل بينهما. ومن القسط أداء الشهادة التي عندك على أي وجه كان، حتى على الأحباب، بل على النفس، ولهذا قال: {شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا}.

أي: فلا تراعوا الغني لغناه، ولا الفقير ـ بزعمكم ـ رحمة له. بل اشهدوا بالحق، على من كان. والقيام بالقسط، من أعظم الأمور، وأدلها على دين القائم به، وورعه ومقامه في الإسلام.

فيتعين على من نصح نفسه، وأراد نجاتها أن يهتم له غاية الاهتمام، وأن يجعله نصب عينيه، ومحل إرادته، وأن يزيل عن نفسه، كل مانع وعائق يعوقه، عن إرادة القسط، أو العمل به. وأعظم عائق لذلك، اتباع الهوى، ولهذا، نبه تعالى على إزالة هذا لمانع بقوله: {فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ} أي: فلا تتبعوا شهوات أنفسكم المعارضة للحق، فإنكم إن اتبعتموها عدلتم عن الصواب، ولم توفقوا للعدل، فإن الهوى إما أن يعمي بصيرة صاحبه، حتى يرى الحق باطلاً، والباطل حقاً، وإما أن يعرف الحق ويتركه، لأجل هواه. فمن سلم من هوى نفسه، وفق للحق، وهدي إلى الصراط المستقيم"[7].

3. وقال تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ} [المائدة:42].

قال ابن سعدي: "حتى ولو كانوا ظلمة أعداء، فلا يمنعك ذلك من العدل في الحكم بينهم، وفي هذا بيان فضيلة العدل والقسط في الحكم بين الناس، وأن الله تعالى يحبه"[8].

4. وقال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90].

قال ابن جرير: "إن الله يأمر في هذا الكتاب الذي أنزله إليك يا محمد بالعدل، وهو الإنصاف، ومن الإنصاف: الإقرار بمن أنعم علينا بنعمته، والشكر له على إفضاله، وتولي الحمد أهله"[9].

وقال ابن كثير: "يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل، وهو القسط والموازنة، ويندب إلى الإحسان"[10].

وقال ابن سعدي: "فالعدل الذي أمر الله به، يشمل العدل في حقه، وفي حق عباده.

فالعدل في ذلك أداء الحقوق كاملة موفورة، بأن يؤدى العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية، والمركبة منهما، في حقه، وحق عباده. ويعامل الخلق بالعدل التام، فيؤدى كل وال، ما عليه، تحت ولايته، سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى، وولاية القضاء، ونواب الخليفة، ونواب القاضي.

والعدل هو ما فرضه الله عليهم في كتابه، وعلى لسان رسوله، وأمرهم بسلوكه. ومن العدل في المعاملات، أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات، بإيفاء جميع ما عليك، فلا تبخس لهم حقاً، ولا تغشهم، ولا تخدعهم وتظلمهم. فالعدل واجب، والإحسان فضيلة مستحبة"[11].

5. وقال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأمَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:58].

قال ابن جرير: "هو خطاب من الله لولاة أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى من ولوا أمره في فيئهم وحقوقهم، وما ائتمنوا عليه من أمورهم بالعدل بينهم في القضية، والقسم بينهم بالسوية"[12].

وقال ابن كثير: "أمر منه تعالى بالحكم بالعدل بين الناس"[13].

وقال ابن سعدي: "وهذا يشمل الحكم بينهم في الدماء، والأموال، والأعراض، القليل من ذلك والكثير، على القريب والبعيد، والفاجر والولي، والعدو. والمراد بالعدل الذي أمر الله بالحكم به، هو ما شرعه الله على لسان رسوله، من الحدود والأحكام، وهذا يستلزم معرفة العدل، ليحكم به"[14].

6. وقال تعالى: {وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى:15].

قال ابن جرير: "وقل لهم يا محمد: وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر الأحزاب، فأسير فيكم جميعاً بالحق الذي أمرني به وبعثني بالدعاء إليه"[15].

وقال ابن كثير: "أي: في الحكم كما أمرني الله"[16].

وقال ابن سعدي: "أي: في الحكم فيما اختلفتم فيه، فلا تمنعني عداوتكم وبغضكم يا أهل الكتاب من العدل بينكم ومن العدل في الحكم بين أهل الأقوال المختلفة من أهل الكتاب وغيرهم أن يقبل ما معهم من الحق، ويرد ما معهم من الباطل"[17].

7. وقال تعالى: {يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَاء بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8].

قال ابن جرير: "يا أيها الذين آمنوا بالله وبرسوله محمد، ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام لله، شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم، فتجاوزوا ما حددت لكم في أعدائكم لعداوتهم لكم، ولا تقصروا فيما حددت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولايتهم، ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدّي، واعملوا فيه بأمري"[18].

وقال ابن سعدي: "أن تكونوا قاصدين للقسط، الذي هو العدل، لا الإفراط وإلا التفريط، في أقوالكم ولا في أفعالكم، وقوموا بذلك على القريب، والبعيد، والصديق والعدو، فكما تشهدون لوليكم فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم، فاشهدوا له، ولو كان كافراً أو مبتدعاً. فإنه يحب العدل فيه، وقبول ما يأتي به من الحق، لا لأنه قاله، ولا يرد الحق لأجل قوله فإن هذا ظلم الحق"[19].

8. وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ} [الأعراف:33].

ذهب جماعة من المفسرين ومنهم: ابن جرير الطبري[20]، والقرطبي[21]، وابن كثير[22] رحمهم الله إلى أن البغي في الآية هنا هو: الاستطالة على الناس بالظلم وتجاوز الحد.

قال ابن سعدي رحمهم الله: "{وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْىَ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ} أي: الذنوب التي تؤثم، وتوجب العقوبة في حقوق الله، والبغي على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، فدخل في هذا الذنوب المتعلقة بحق الله، والمتعلقة بحق العباد"[23].

9. وقال تعالى: {إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى:42].

قال ابن سعدي: "أي: إنما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية {عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ} وهذا شامل للظلم والبغي على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم"[24].


[1] جامع البيان (8/86).

[2] تيسير الكريم الرحمن (2/86).

[3] أضواء البيان (2/281).

[4] جامع البيان (5/321).

[5] الجامع لأحكام القرآن (5/410).

[6] تفسير القرآن العظيم (2/384).

[7] تيسير الكريم الرحمن (1/423-424).

[8] تيسير الكريم الرحمن (1/486).

[9] جامع البيان (14/162).

[10] تفسير القرآن العظيم (4/514).

[11] تيسير الكريم الرحمن (3/78-79).

[12] جامع البيان (5/145).

[13] تفسير القرآن العظيم (2/300).

[14] تيسير الكريم الرحمن (1/361).

[15] جامع البيان (25/17).

[16] تفسير القرآن العظيم (7/184).

[17] تيسير الكريم الرحمن (4/416).

[18] جامع البيان (6/141).

[19] تيسير الكريم الرحمن (1/464-465) بتصرف يسير.

[20] انظر: جامع البيان (8/166).

[21] انظر: الجامع لأحكام القرآن (7/201).

[22] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/404).

[23] تيسير الكريم الرحمن (2/107).

[24] تيسير الكريم الرحمن (4/430).

 

.