.

  سنن الله في التغيير: أولاً: تعريف وبيان:                      الصفحة السابقة               الصفحة التالية  

 

أولا: تعريف وبيان:

أ- معنى سنة الله في التغير:

قال ابن منظور: "السنة: السيرة حسنة كانت أو قبيحة. والأصل فيه الطريقة والسيرة"[1].

وقال الفيومي: "السنة: الطريقة. والسنة السيرة حميدة كانت أو ذميمة، والجمع سنن"[2].

وسنة الله في التغيير "هي: الطريقة المتبعة في معاملة الله تعالى للبشر، بناء على سلوكهم وأفعالهم، وموقفهم من شرع الله وأنبيائه وما يترتب على ذلك من نتائج في الدنيا والآخرة"[3].

ب- حقيقة التغيير:

قال ابن تيمية: "إن لفظ التغير لفظ مجمل فالتغير في اللغة المعروفة لا يراد به مجرد كون المحل قامت به الحوادث، فإن الناس لا يقولون للشمس والقمر والكواكب إذا تحركت أنها قد تغيرت، ولا يقولون للإنسان إذا تكلم ومشى أنه تغير، ولا يقولون إذا طاف وصلى وأمر ونهى وركب أنه تغير إذا كان ذلك عادته، بل إنما يقولون تغير لمن استحال من صفة إلى صفة كالشمس إذا زال نورها ظاهرا لا يقال أنها تغيرت، فإذا اصفرت قيل تغيرت، وكذلك الإنسان إذا مرض أو تغير جسمه بجوع أو تعب قيل قد تغير، وكذلك إذا تغير خلقه ودينه، مثل أن يكون فاجرا فينقلب ويصير برا، أو يكون برا فينقلب فاجرا، فإنه يقال قد تغير. وفي الحديث: رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم متغيرا؛ لما رأى منه أثر الجوع. ولم يزل يراه يركع ويسجد فلم يسم حركته تغيرا، وكذلك يقال فلان قد تغير على فلان إذا صار يبغضه بعد المحبة، فإذا كان ثابتا على مودته لم يسم هشته إليه وخطابه له تغيرا، وإذا جرى على عادته فى أقواله وأفعاله فلا يقال أنه قد تغير.

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:11]، ومعلوم أنهم إذا كانوا على عادتهم الموجودة يقولون ويفعلون ما هو خير لم يكونوا قد غيروا ما بأنفسهم، فإذا انتقلوا عن ذلك فاستبدلوا بقصد الخير قصد الشر، وباعتقاد الحق اعتقاد الباطل، قيل قد غيروا ما بأنفسهم، مثل من كان يحب الله ورسوله والدار الآخرة فتغير قلبه وصار لا يحب الله ورسوله والدار الآخرة فهذا قد غير ما في نفسه"[4].

ج- أنواع التغيير:

قال ابن تيمية: "قال تعالى: {ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال:53].

وهذا التغيير نوعان:

أحدهما: أن يُبدوا ذلك فيبقى قولا وعملا يترتب عليه الذم والعقاب.

والثاني: أن يغيروا الإيمان الذي في قلوبهم بضده من الريب والشك والبغض، ويعزموا على ترك فعل ما أمر الله به ورسوله، فيستحقون العذاب هنا على ترك المأمور، وهناك على فعل المحظور، وكذلك ما في النفس مما يناقض محبة الله والتوكل عليه والإخلاص له والشكر له يعاقب عليه؛ لأن هذه الأمور كلها واجبة فإذا خلي القلب عنها واتصف بأضدادها استحق العذاب على ترك هذه الواجبات"[5] .


[1] لسان العرب (399-400)

[2] المصباح المنير (292).

[3] السنن الإلهية، للدكتور: عبد الكريم زيدان (ص13).

[4] مجموع الفتاوى (6/250-251).

[5] مجموع الفتاوى (14/109).

 

.