.

   تحريم الأنفس المعصومة: سابعاً: تحريم الغدر والخيانة:         الصفحة السابقة       (عناصر البحث)

 

سابعًا: حقوق الزوجة على زوجها:

1- الصداق:

قال الله تعالى: {وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4].

قال الطبري: "يعني بذلك تعالى ذكره: وأعطوا النساء مهورهن عطية واجبة وفريضة لازمة"[1].

وقال ابن تيمية: "والمستحب في الصداق مع القدرة واليسار أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي ولا بناته، وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة بالدراهم الخالصة، نحوا من تسعة عشر دينارا، فهذه سنة رسول الله من فعل ذلك فقد استن بسنة رسول الله في الصداق... فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة فهو جاهل أحمق. وكذلك صداق أمهات المؤمنين. وهذا مع القدرة واليسار. فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة"[2].

2- أن يمسكها بمعروف أو يسرحها بإحسان:

قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ} [النساء:19].

قال ابن كثير: "أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيآتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ} [البقرة:228]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي))، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر، يداعب أهله ويتلطف بهم ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها يتودد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعدما حملت اللحم فسبقني، فقال: ((هذه بتلك))، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]"[3].

وقال ابن سعدي: "وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما. فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال"[4].

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: ((واتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله))[5].

قال النووي: "فيه الحث على مراعاة حق النساء والوصية بهن ومعاشرتهن بالمعروف. وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة في الوصية بهن، وبيان حقوقهن، والتحذير من التقصير في ذلك"([6]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر))[7].

قال الشوكاني: "فيه الإرشاد إلى حسن العشرة، والنهي عن البغض للزوجة بمجرد كراهة خُلُق من أخلاقها، فإنها لا تخلو مع ذلك عن أمر يرضاه منها، وإذا كانت مشتملة على المحبوب والمكروه فلا ينبغي ترجيح مقتضى الكراهة على مقتضى المحبة"[8].

3- أن يطعمها ويكسوها من غير تقتير ولا إسراف:

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في خطبة الوداع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف))([9].

قال النووي: "فيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وذلك ثابت بالإجماع"[10].

وعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: ((أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت))[11].

قال الصنعاني: "دل الحديث على وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وأن النفقة بقدر سعته لا يكلَّف فوق وسعه، لقوله: ((إذا طعمت)) كذا قيل، وفي أخذه من هذا اللفظ خفاء، فمتى قدر على تحصيل النفقة وجب عليه أن لا يختص بها دون زوجته، ولعله مقيد بما زاد على قدر سدِّ خلته لحديث: ((ابدأ بنفسك))، ومثله القول في الكسوة. وفي الحديث دليل على جواز الضرب تأديبا إلا أنه منهي عن ضرب الوجه للزوجة وغيرها. وقوله: ((لا تقبح)) أي: لا تسمعها ما تكره وتقول: قبَّحكِ الله ونحوه من الكلام الجافي، ومعنى قوله: ((لا تهجر إلا في البيت)) أنه إذا أراد هجرها في المضجع تأديبا لها كما قال تعالى: {وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ} [النساء:34] فلا يهجرها إلا في البيت، ولا يتحول إلى دار أخرى أو يحوِّلها إليها"[12].

4- أن يعلمها الخير ويأمرها به:

قال الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ} [طه:132].

قال الطبري: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأمر ـ يا محمد ـ أهلك بالصلاة واصطبر عليها، يقول: واصطبر على القيام بها وأدائها بحدودها أنت"[13].

وقال ابن كثير: "وأمر أهلك بالصلاة، واصطبر عليها أي: استنقذهم من عذاب الله بإقام الصلاة، واصبر أنت على فعلها"[14].

وقال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

قال الطبري: "قوله: {وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} يقول: وعلموا أهليكم من العمل بطاعة الله ما يقون به أنفسهم من النار"[15].

وقال ابن سعدي: "قوله: {قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة. ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله امتثالا، ونهيه اجتنابا، والتوبة عما يسخط الله، ويوجب العذاب. ووقاية الأهل والأولاد بتأديبهم وتعليمهم وإجبارهم على أمر الله. فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه وفيمن تحت ولايته وتصرفه"[16].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته))[17].

قال النووي: "قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره. ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته"[18].

5- حق الخلع:

قال الله تعالى: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا ءاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229].

قال ابن كثير: "وقوله: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا ءاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} أي: لا يحل لكم أن تضاجِروهن وتضيِّقوا عليهن ليفتدين منكم بما أعطيتموهن من الأصدقة أو ببعضه كما قال تعالى: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَّأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}. فأما إن وهبته المرأة شيئا عن طيب نفس منها فقد قال تعالى: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هُنِيئًا مَّرِيئًا}. وأما إذا تشاقق الزوجان ولم تقم المرأة بحقوق الرجل وأبغضته ولم تقدر على معاشرته فلها أن تفتدي منه بما أعطاها، ولا حرج عليها في بذلها له، ولا حرج عليه في قبول ذلك منها، ولهذا قال تعالى: {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا ءاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ..} الآية"[19].

عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتردين عليه حديقته))، قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقبل الحديقة وطلقها تطليقة))[20].

قال الحافظ: "فيه أنّ الأخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلب طلاق زوجها محمولة على ما إذا لم يكن بسببٍ يقتضي ذلك لحديث ثوبان: ((أيّما امرأة سألت زوجها الطّلاق فحرامٌ عليها رائحة الجنّة)) رواه أصحاب السّنن وصحّحه ابن خزيمة وابن حبّان; ويدلّ على تخصيصه قوله في بعض طرقه: ((من غير ما بأسٍ))"[21].

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،


[1] جامع البيان (3/583).

[2] مجموع الفتاوى (32/194).

[3] تفسير القرآن العظيم (1/477).

[4] تيسير الكريم الرحمن (1/332).

[5] جزء من حديث أخرجه مسلم في الحج (1218).

[6] شرح مسلم (8/183).

[7] أخرجه مسلم في الرضاع (1469).

[8] نيل الأوطار (6/358-359).

[9] أخرجه مسلم في الحج (1218).

[10] شرح مسلم (8/184).

[11] أخرجه أحمد (4/447)، وأبو داود في النكاح، باب: في حق المرأة على زوجها (2142) واللفظ له، وابن ماجه في النكاح، باب: حق المرأة على الزوج (1850)

[12] سبل السلام (3/297-298).

[13] جامع البيان (16/236).

[14] تفسير القرآن العظيم (3/172).

[15] جامع البيان (28/236).

[16] تيسير الكريم الرحمن (5/269 ـ 270).

[17] أخرجه البخاري في الاستقراض وأداء الديون، باب: العبد راع في مال سيده (2409) واللفظ له، ومسلم في الإمارة (1829).

[18] شرح مسلم (12/213).

[19] تفسير القرآن العظيم (1/273).

[20] أخرجه البخاري في الطلاق (5273).

[21] فتح الباري (9/402-403).

 
.