الملف العلمي للأضحية

.

  الأضحية: سادساً: شروطها:                                  الصفحة السابقة                 الصفحة التالية

 

سادساً: شروطها:

1-  أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم([1]).

قال تعالى: {عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلأنْعَامِ} [الحج:28].

قال القرطبي رحمه الله: "والأنعام هنا: الإبل والبقر والغنم"([2]).

ونقل بعضهم الإجماع على ذلك([3]).

2-  أن تكون قد بلغت السن المعتبر شرعاً.

لحديث البراء وفيه: فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح، فقال: عندي جذعة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((اذبحها، ولن تجزئ عن أحد بعدك))([4]).

وهذا يدل على أنه لا بد من بلوغ السن المعتبر شرعاً([5]).

ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن))([6]).

فلا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا ما كان مسنة، سواء كان ذكراً أم أنثى.

والمسن من الإبل: ما أتم خمس سنين ودخل في السادسة.

والمسن من البقر: ما أتم سنتين ودخل في الثالثة.

والمسن من المعز: ما بلغ سنة ودخل في الثانية.

ويجزئ الجذع من الضأن وهو: ما بلغ ستة أشهر ودخل في السابع([7]).

3- أن تكون سالمة من العيوب المانعة من الإجزاء المنصوص عليها في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ماذا يُتَّقى من الضحايا؟ فأشار بيده، وقال: ((أربعٌ: العرجاء البيّن ظلعها، والعوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعجفاء التي لا تنقي))([8]).

قال الخطابي رحمه الله: "قوله: ((لا تنقي)) أي: لا نِقْي لها، وهو المخ، وفيه دليل على أن العيب الخفيف في الضحايا معفو عنه، ألا تراه يقول: ((بيّن عورها)) و((بيّن مرضها)) و((بيّن ظلعها))، فالقليل منه غير بيّن فكان معفواً عنه"([9]).

وقال شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله: "((بيّن)) أي: ظاهر ((عورها)) ـ بالعين والواو المفتوحتين وضم الراء ـ أي: كما هي في عين، وبالأولى في عينين، ((والمريضة)) هي التي لا تعتلف، ((بيّن ظلعها)) ـ بسكون اللام ويفتح ـ أي: عرجها، وهو أن يمنعها من المشي"([10]).

وقال ابن عثيمين رحمه الله: "((العجفاء)) وهي الهزيلة التي لا مخ فيها، فالمخ مع الهزال يزول، ويبقى داخل العظم أحمر، فهذه لا تجزئ؛ لأنها ضعيفة البنية كريهة المنظر"([11]).

وعن علي رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بعضباء الأذن والقرن. قال قتادة: فذكرت لسعيد بن المسيب، قال: العضب النصف فأكثر من ذلك([12]).

قال ابن عثيمين رحمه الله: "وعلى كل حال ينبغي أن نقسم العيوب إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما دلت عليه السنة على عدم إجزائه، وهي أربع: العوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعرجاء البيّن ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي، فهذه منصوص على عدم إجزائها، ويقاس عليها ما كان مثلها أو أولى منها، وأما ما كان مثلها فإنه يقاس عليها قياس مساواة، وأما ما كان أولى منها فيقاس عليها قياس أولوية.

القسم الثاني: ما ورد النهي عنه دون عدم الإجزاء، وهو ما في أذنه أو قرنه عيب من خرق، أو شق طولاً، أو شق عرضاً، أو قطع يسير دون النصف، فهذه ورد النهي عنها في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولكن هذا النهي يحمل على الكراهة، لوجود الحاصر لعدم المجزئ بأربعة أصناف.

القسم الثالث: عيوب لم يرد النهي عنها، ولكنها تنافي كمال السلامة، فهذه لا أثر لها، ولا تكره الأضحية بها ولا تحرم، وإن كانت قد تعد عند الناس عيباً مثل: العوراء التي عورها غير بيّن، ومثل: مكسورة السن في غير الثنايا، وما أشبه ذلك، ومثل: العرجاء عرجاً يسيراً، فهذه عيوب لكنها لا تمنع الإجزاء، ولا توجب الكراهة لعدم وجود الدليل، والأصل البراءة"([13]).

4- أن تكون ملكاً للمضحي، أو مأذوناً له فيها، فلا تصح التضحية بالمغصوب والمسروق، والمشترك بين اثنين إلا بإذن الشريك.

5- ألا يتعلّق بها حق الغير، فلا تصح التضحية بالمرهون، ولا بالموروث قبل قسمته.

6- أن تقع الأضحية في الوقت المحدد شرعاً، فإن ذبحت قبله أو بعده لم تجزئ.

وقد اتفق الفقهاء رحمهم الله على أن أفضل وقت التضحية هو يوم العيد قبل زوال الشمس؛ لأنه هو السنة، لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء))([14]).

كما أنهم اتفقوا على أن الذبح قبل الصلاة أو في ليلة العيد لا يجوز عملاً بالحديث السابق وحديث جندب بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي – أو نصلي – فليذبح مكانها أخرى))([15]).

ولكن اختلفوا في بدء وقت الذبح عند من يصلي العيد، على أقوال هي:

القول الأول: أن الذبح يبدأ من بعد الفراغ من الصلاة. وبه قالت الحنفية([16])، والحنابلة([17]).

القول الثاني: أن الذبح يبدأ من بعد مضي قدر الصلاة وخطبتين، سواء صلى الإمام أم لا. وإليه ذهبت الشافعية([18])، وبه قال ابن حزم([19]).

القول الثالث: أنه من بعد ذبح إمام صلاة العيد أو قدره إن لم يذبح لعذر، فإن لم يذبح لغير عذر فمن بعد فعل الصلاة([20]).

واختلفوا في بداية وقت الذبح عند من لا يصلي العيد كأهل البوادي والمسافرين ونحوهم على أقوال هي:

القول الأول: يذبح من بعد طلوع الفجر من يوم النحر، وبه قالت الحنفية([21]).

القول الثاني: من بعد ذبح أقرب الأئمة إليه. وبه قالت المالكية([22]).

القول الثالث: من بعد مضي قدر الصلاة والخطبة بعد دخول الوقت. وإليه ذهبت الشافعية([23])، وقال به ابن حزم([24]).

القول الرابع: من بعد مضي قدر الصلاة بعد دخول الوقت. وهو قول الحنابلة([25]).

وأما آخر وقت ذبح الأضحية فاختلف أهل العلم في ذلك على أقوال، أصحها قولان:

القول الأول: هو يوم النحر ويومان بعده، وهو قول الحنفية([26])، والمالكية([27])، والحنابلة([28]).

ومما استدلوا به آثار عدة عن جمع من الصحابة منها:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (الأضحى يومان بعد يوم الأضحى) ([29]).

وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: (الذبح بعد النحر يومان)([30]).

القول الثاني: يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة تبع ليوم العيد، وبه قالت الشافعية([31])، ورواية عن أحمد([32])، واختيار ابن تيمية([33])، وابن القيم([34]) رحم الله الجميع.

ومما استدلوا به ما يلي:

قوله صلى الله عليه وسلم: ((أيام التشريق أيام أكل وشرب))([35]).

قالوا: فجعل حكمها واحداً أنها أيام أكل لما يذبح فيها، وشرب، وذكر لله عز وجل([36]).

وقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل أيام التشريق ذبح))([37]).

وقالوا: إنها كلها يشرع فيها التكبير المطلق والمقيد، ولم يفرق أحد من العلماء فيما نعلم بين هذه الأيام الثلاثة في التكبير، فهي مشتركة في جميع الأحكام، وإن كانت كذلك فلا يمكن أن نخرج عن هذا الاشتراك وقت الذبح([38]).

وقد ذهبت اللجنة الدائمة للإفتاء([39])، وكذلك ابن عثيمين([40]) إلى هذا القول.

وهذا القول قوي من حيث النظر، لولا ما عارضه مما ثبت عن غير واحد من الصحابة كابن عباس وابن عمر وأبي هريرة من غير اختلاف عليهم في ذلك، وهو مما يقوي مذهب الجمهور، قال الطحاوي: "ولم يروَعن أحد من الصحابة خلافه، فثبت حجتُه، وأيضا فإن مثله لا يقال من جهة الرأي، فدل على أنه توقيف"([41]).


([1]) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (3/224)، والمعونة (1/658)، المجموع (8/393)، المغني (13/368).

([2]) الجامع لأحكام القرآن (12/44).

([3]) انظر: بداية المجتهد (2/435)، وسبل السلام (4/176).

([4]) أخرجه البخاري في الأضاحي، باب: سنة الأضحية (5545)، ومسلم في الأضاحي (1961).

([5]) انظر: الشرح الممتع (7/459).

([6]) أخرجه مسلم في الأضاحي، باب: سن الأضحية (1963) من حديث جابر رضي الله عنهما.

([7]) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (11/414-415).

([8]) أخرجه أحمد (4/284)، والترمذي في الأضاحي، باب: ما لا يجوز من الأضاحي (1497)، وأبو داود في الضحايا (2802)، والنسائي في: الضحايا، باب: العجفاء (4371)، وابن ماجه في الأضاحي، باب: ما يكره أن يضحى به (3144). وقال الترمذي: "حسن صحيح...، والعمل على هذا عند أهل العلم". وصححه ابن الجارود (907)، وابن خزيمة (2912)، وابن حبان (5889)، والحاكم (1/467)، والألباني في صحيح الترمذي (1211).

([9]) معالم السنن (4/106).

([10]) عون المعبود (7/357).

([11]) الشرح الممتع (7/466).

([12]) أخرجه أحمد (1/83)، وأبو داود في الضحايا، باب: ما يكره من الضحايا (2805) واللفظ له، وصححه ابن خزيمة (2913) وضعفه الألباني في الإرواء (1149).

([13]) الشرح الممتع (7/476-477).

([14]) أخرجه البخاري في الأضاحي، باب: سنة الأضحية (5545)، ومسلم في الأضاحي، باب وقتها (1961).

([15]) أخرجه البخاري في الذبائح والعيد، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فليذبح)) (5500)، ومسلم في الأضاحي، باب: وقتها (1960) واللفظ له.

([16]) انظر: اللباب (3/333)، بدائع الصنائع (5/108-109) تكملة شرح فتح القدير (9/525-526).

([17]) انظر: الشرح الكبير (2/283).

([18]) انظر: الأم (2/223)، المجموع (8/387) وما بعدها.

([19]) انظر: المحلى (7/377).

([20]) انظر: المدونة (2/2)، مواهب الجليل (3/243).

([21]) انظر: مجمع الأنهر (2/518).

([22]) انظر: المدونة (2/2)، الكافي لابن عبد البر (1/423).

([23]) انظر: الأم (2/223).

([24]) انظر: المحلى (7/377).

([25]) انظر: المبدع (3/283).

([26]) انظر: المبسوط (12/9).

([27]) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/43).

([28]) انظر: الفروع (3/546).

([29]) أخرجه مالك في الموطأ (ص365)، والبيهقي في الكبرى (9/297)من طريق نافع عنه، وهذا من أصح الأسانيد.

([30]) أخرجه البيهقي (9/297) من طريق قتادة عن أنس، وعلّقه ابن حزم في المحلى (7/377)، وصححه. وفيه عنعنة قتادة، وشيخ البيهقي أبو نصر بن قتادة متكلم فيه.

([31]) انظر: الأم (2/217)، المجموع (8/390).

([32]) انظر: الإنصاف (4/87).

([33]) انظر: الاختيارات (ص120).

([34]) انظر: زاد المعاد (2/292).

([35]) أخرجه مسلم في الصيام ، باب : تحريم صوم أيام التشريق (1141) من حديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه.

([36]) انظر: الشرح الممتع (7/499).

([37]) أخرجه أحمد (4/82)، والبزار (8/364)، وابن حبان (3854)، والطبراني في الكبير (2/138)، والبيهقي (5/239) من حديث جبير بن مطعم، وفيه اختلاف واضطراب، والصحيح فيه أنه منقطع، وقال البزار: "وحديث ابن أبي حسين هذا هو الصواب، وابن أبي حسين لم يلق جبير بن مطعم، وإنما ذكرنا هذا الحديث لأنا لم نحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: في كل أيام التشريق ذبح"، وانظر: التمهيد (23/197).

([38]) انظر: الشرح الممتع (7/500).

([39]) انظر: فتاوى اللجنة الدائمة (11/406).

([40]) انظر: الشرح الممتع (7/499).

([41]) انظر: مختصر اختلاف العلماء (3/218).

 

.