موسوعة البحـوث المنــبرية

.

  حرمة مكة المكرمة: أولاً: الآيات الواردة في تعظيم مكة والبيت الحرام:                             الصفحة السابقة        (عناصر البحث)         الصفحة التالية   

 

الآيات الواردة في تعظيم مكة والبيت الحرام:

1- قال الله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ أَن طَهّرَا بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْعَـٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرٰتِ مَنْ ءامَنَ مِنْهُم بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ} [البقرة:125، 126].

قال ابن جرير الطبري: "والأمن مصدر, من قول القائل: أمِن يأمن أمنا, وإنما سمّاه الله أمنا لأنه كان في الجاهلية مَعاذًا لمن استعاذ به, وكان الرجل منهم لو لقِيَ به قاتل أبيه أو أخيه لم يهجه ولم يعرض له حتى يخرجَ منه, وكان كما قال الله جل ثناؤه: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءامِنًا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت:67]" ([1]).

وقال ابن كثير: "إن الله تعالى يَذكر شرفَ البيت وما جعله موصوفا به شرعا وقدرا من كونه مثابة للناس, أي: جعله محلاً تشتاق إليه الأرواح وتحنّ إليه ولا تقضي منه وطرًا ولو تردّدت إليه كلَّ عام، استجابة من الله تعالى لدعاء خليله إبراهيم عليه السلام في قوله: {فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ} [إبراهيم:37]، إلى أن قال: {رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء} [إبراهيم:40]، ويصفه تعالى بأنه جعله أمنًا, من دخله أمِن ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنا"([2]).

2- قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لّلْعَـٰلَمِينَ (96) فِيهِ ءايَـٰتٌ بَيّـنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءامِنًا وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ} [آل عمران:96، 97].

قال ابن جرير الطبري: "معنى ذلك: ومن دخله من غيره ممن لجأ إليه عائذًا به كان آمنا ما كان فيه, ولكنه يخرج منه فيُقام عليه الحدّ إن كان أصاب ما يستوجبه في غيره ثمّ لجأ إليه, وإن كان أصابه فيه أقيم عليه فيه, فتأويل الآية إذًا: {فِيهِ ءايَـٰتٌ بَيّـنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرٰهِيمَ}, ومن يدخله من الناس مستجيرا به يكن آمنا مما استجار منه ما كان فيه حتى يخرج منه"([3]).

3- قال الله تعالى: {جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَامًا لّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْىَ وَٱلْقَلَـٰئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ} [المائدة:97].

قال القرطبي: "{قِيَامًا لّلنَّاسِ} أي: صلاحا ومعاشا لأمن الناس بها, وعلى هذا يكون قياما بمعنى يقومون بها, وقيل: قياما أي: يقومون بشرائعها, وقرأ ابن عامر وعاصم قِيَما, وهما من ذوات الواو، فقلبت الواو ياءً لكسر ما قبلها, وقد قيل: قوام. قال العلماء: والحكمة في جعل الله تعالى هذه الأشياء قياما للناس أن الله سبحانه خلق الخلق على سليقة الآدميّة من التحاسد والتنافس والقتل والثأر، فلم يكن بدّ في الحكمة الإلهية من كافّ يدوم معه الحال ووازعٍ يحمَد معه المآل, قال الله تعالى: {إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30]، فأمرهم الله سبحانه بالخلافة, وجعل أمورهم إلى واحد يَزَعهم عن التنازع, ويحملهم على التآلف من التقاطع, ويرد الظالم عن المظلوم, ثم عظّم الله سبحانه في قلوبهم البيتَ الحرام, وأوقع في نفوسهم هيبَتَه وعظّم بينهم حرمته, فكان من لجأ إليه معصوما به, وكان من اضطُهد محميًّا بالكون فيه"([4]).

4- قال الله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا} [التوبة:28].

قال ابن كثير: "أمر تعالى عباده المؤمنين الطاهرين دينًا وذاتا بنَفي المشركين الذين هم نجس دينًا عن المسجد الحرام, وأن لا يقربوه بعد نزول هذه الآية, وكان نزولها في سنة تسع, ولهذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا مع أبي بكر رضي الله عنهما عامئذ, وأمره أن ينادي في المشركين أن لا يحجَّ بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، فأتم الله ذلك وحكم به شرعا وقدرا"([5]).

5- قال الله تعالى: {يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ} [البقرة:217].

6- قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ رَبّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ امِنًا وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ (35) رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36) رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُمْ مّنَ ٱلثَّمَرٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:35-37].

قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: و اذكر ـ يا محمد ـ إذ قال إبراهيم: ربِّ اجعل هذا البلد آمنا، يعني الحرَمَ بلدًا آمنا أهلُه وسكّانه"([6]).

7- قال الله تعالى: {وَقَالُواْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَمًا ءامِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَىْء رّزْقًا مّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [القصص:57].

قال قتادة: "كان أهل الحرم آمنين يذهبون حيث شاؤوا, إذا خرج أحدهم فقال: إني من أهل الحرم لم يُتعرَّض له, وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قتِل"([7]).

قال ابن كثير: "يقول تعالى مخبرا عن اعتذار بعض الكفار عن عدم اتباع الهدى حيث قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص:57], أي: نخشى إن اتَّبعنا ما جئتَ به من الهدَى وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين أن يقصدونا بالأذى والمحاربة ويتخطفونا أينما كنا, قال الله تعالى مجيبا لهم: {أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَمًا ءامِنًا} [القصص:57]، يعني: هذا الذي اعتذروا به كذب وباطل, إن الله تعالى جعلهم في بلد آمن وحرم معظّم آمن منذ وُضع, فكيف يكون هذا الحرم آمنا لهم في حال كفرهم وشركهم ولا يكون آمنا لهم وقد أسلموا وتابعوا الحق؟!"([8]).

8- قال الله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِى جَعَلْنَـٰهُ لِلنَّاسِ سَوَاء ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25].

عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول في قوله عز وجل: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ}: (لو أنَّ رجلا همّ فيه بإلحاد وهو بِعَدَن أَبيَن لأذاقه الله عز وجل عذابا أليما)([9]).

قال ابن جرير: "يقول تعالى ذكره: إن الذين جحدوا توحيد الله وكذّبوا رسله وأنكروا ما جاءهم به من ربهم، {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ} يقول: ويمنعون الناس عن دين الله أن يدخلوا فيه وعن المسجد الحرام الذي جعله الله للناس الذين آمنوا به كافة لم يخصّص منها بعضا دون بعض, {سَوَاء ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ} يقول: مُعْتدِلٌ في الواجب عليه من تعظيم حرمة المسجد الحرام وقضاء نسكه به والنزول فيه حيث شاء {ٱلْعَـٰكِفُ فِيهِ} وهو المقيم به {وَٱلْبَادِ} وهو المُنْتاب إليه من غيره.

وقوله: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، يقول تعالى ذكره: ومن يرد فيه إلحادًا بظلم نذقه من عذاب أليم, وهو أن يميل في البيت الحرام بظلم, واختلف أهل التأويل في معنى الظلم الذي من أراد الإلحاد به في المسجد الحرام أذاقه الله من العذاب الأليم، فقال بعضهم: ذلك هو الشرك بالله وعبادة غيره به أي: بالبيت, وقال آخرون: هو استحلال الحرام فيه أو ركوبه, وقال آخرون: بل معنى ذلك الظلم استحلال الحرَم متعمّدا, وقال آخرون: بل ذلك احتكار الطعام بمكة, وقال آخرون: بل ذلك كلّ ما كان منهيا عنه من الفعل حتى قول القائل: لا والله وبلى والله.

وأولى الأقوال التي ذكرناها في تأويل ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن مسعود وابن عباس من أنه معنيٌّ بالظلم في هذا الموضع كلّ معصية لله, وذلك أن الله عمّ بقوله: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ}، ولم يخصّص به ظلما دون ظلم في خبر ولا عقل, فهو على عمومه, فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الكلام ومن يرد في المسجد الحرام بأن يميل بظلم فيعصي الله فيه نذقه يوم القيامة من عذاب موجع له"([10]).

وقال ابن القيم: "ومن خواصِّ البلد الحرام أنّه يعاقب فيه على الهمّ بالسيئات وإن لم يفعلها, قال تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، فتأمل كيف عدّى فعل الإرادة ها هنا بالباء, ولا يقال: أردت بكذا إلا لما ضُمِّن معنى فِعل: هَمّ, فإنه يقال: هممت بكذا, فتوعّد من همّ بأن يظلم فيه بأن يذيقه العذاب الأليم, ومن هذا تضاعف مقادير السيئات فيه لا كمياتها, فإن السيئة جزاؤها سيئة، لكن سيئة كبيرة وجزاؤها مثلها, وصغيرة جزاؤها مثلها, فالسيئة في حرم الله وبلده وعلى بساطه آكد وأعظم منها في طرف من أطراف الأرض, ولهذا ليس من عصى الملك على بساط ملكه كمن عصاه في الموضع البعيد من داره وبساطه, فهذا فصل النزاع في تضعيف السيئات، والله أعلم"([11]).

9- قال الله تعالى: {ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَـٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبّهِ} [الحج:30].

قال مجاهد في قوله: {ذٰلِكَ وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَـٰتِ ٱللَّهِ} قال: "الحرمة مكة والحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه كلِّها"([12]).

وقال ابن القيم: "قال جماعة من المفسرين: حرمات الله ها هنا مَغاضِبه وما نهى عنه، وتعظيمها ترك ملابستها, وقال قوم: الحرمات هي الأمر والنهي, وقال الزجاج: الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه, وقال قوم: الحرمات ها هنا المناسك ومشاعر الحج زمانا ومكانا, والصواب أن الحرمات تعمّ هذا كلَّه, وهي جمع حرمة, وهي ما يجب احترامه وحفظه من الحقوق والأشخاص والأزمنة والأماكن, فتعظيمها تَوفِيَتها حقَّها وحفظها من الإضاعة"([13]).

10- قال الله تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ (1) وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ} [البلد:1، 2].

قال ابن عباس: ({وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ} يعني بذلك نبيَّ الله, أحلَّ الله له يومَ دخل مكةَ أن يقتل من شاء ويستحيي من شاء, فقتل يومئذ ابن خطل صبرًا وهو آخذٌ بأستار الكعبة, فلم تحلّ لأحد من الناس بعدَ رسول الله أن يقتلَ فيها حراما حرمه الله, فأحلّ الله له ما صنع بأهل مكة, ألم تسمع أن الله قال في تحريم الحرم: {وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَـٰعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97]؟! يعني بالناس أهل القبلة)([14]).

قال القرطبي: "والبلد هي مكة، أجمعوا عليه، أي: أقسم بالبلد الحرام الذي أنت فيه لِكَرامتك عليَّ وحبِّي لك"([15]).

11- قال الله سبحانه: {وَٱلتّينِ وَٱلزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ} [التين:1-3].

قال ابن عباس وغيره: (البلد الأمين مكة)([16]).

وقال ابن جرير الطبري: "وقوله: {وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ} يقول: وهذا البلد الآمن من أعدائه أن يحاربوا أهله أو يغزوهم, وقيل: الأمين ومعناه الآمن, كما قال الشاعر:

ألم تعلمي يا أَسمَ ويحَك أنني       حلفتُ يمينا لا أخون أميني

يريد: آمني, وهذا كما قال جل ثناؤه: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا ءامِنًا وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت:67]"([17]).

12- قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَـٰبِ ٱلْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مّن سِجّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} [سورة الفيل].

قال ابن كثير: "هذه من النعم التي امتنّ الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحوِ أثرها من الوجود, فأبادهم الله وأرغم آنافهم وخيّب سعيَهم وأضلّ عملهم وردّهم بشرّ خيبة, وكان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال, ولسان الحال يقول: لم ينصركم ـ يا معشر قريش ـ على الحبشة لخِيريّتكم عليهم, ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرّفه ونعظمه ونوقّره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء"([18]).

13- قال الله تعالى: {لإِيلَـٰفِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَـٰفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشّتَاء وَٱلصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ (3) ٱلَّذِى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ وَءامَنَهُم مّنْ خوْفٍ} [سورة قريش].

قال ابن جرير الطبري: "اختلف أهل التأويل في معنى قوله: {وَءامَنَهُم مّنْ خَوْفٍ}، فقال بعضهم: معنى ذلك أنه آمنهم مما يخاف منه من لم يكن من أهل الحرم من الغارات والحروب والقتال والأمور التي كانت العرب يخاف بعضها من بعض, وقال آخرون: عنى بذلك وآمنهم من الجذام.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه آمنهم من خوف, والعدو مخوف منه, والجذام مخوف منه, ولم يخصّص الله الخبر عن أنه آمنهم من العدو دون الجذام, ولا من الجذام دون العدو, بل عمّ الخبر بذلك, فالصواب أن يعمّ كما عمّ جل ثناؤه, فيقال: آمنهم من المعنيَين كليهما"([19]).

14- قال الله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِى حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَىء وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ} [النمل:91].

قال القرطبي: "قوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبّ هَذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِى حَرَّمَهَا} يعني مكة التي عظم الله حرمتها, أي: جعلها حرما آمنا لا يسفَك فيها دم, ولا يظلم فيها أحد, ولا يصاد فيها صيد، ولا يعضد فيها شجر"([20]).


 

(1) جامع البيان (1/534).

(2) تفسير القرآن العظيم (1/169).

(3) جامع البيان (4/14).

(4) الجامع لأحكام القرآن (6/325) باختصار.

(5) تفسير القرآن العظيم (2/347).

(6) جامع البيان (13/228).

(7) أخرجه الطبري في جامع البيان (20/94).

(8) تفسير القرآن العظيم (3/396).

(9) أخرجه أحمد ( 4071), وابن أبي شيبة (3/268), وأبو يعلى (9/263), والحاكم (2/240) وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".

(10) جامع البيان (17/136- 142) باختصار.

(11) زاد المعاد (1/51).

(12) أخرجه الطبري في جامع البيان (17/153).

(13) مدارج السالكين (2/74) باختصار.

(14) أخرجه الطبري في جامع البيان (30/193).

(15) الجامع لأحكام القرآن (20/60).

(16) أخرجه الطبري في جامع البيان (30/242).

(17) جامع البيان (30/241).

(18) تفسير القرآن العظيم (4/549-550) باختصار.

(19) جامع البيان (30/308-309) باختصار.

(20) الجامع لأحكام القرآن (13/246).

 

 

 

.