الملف العلمي للأحداث الراهنة

.

  الإيمان بالقضاء والقدر: سابعاً: ثمرات الإيمان بقضاء الله وقدره:                     الصفحة السابقة                     (الصفحة الرئيسة)

 

سابعاً: ثمرات الإيمان بقضاء الله وقدره:

للإيمان بقضاء الله وقدره فوائد عظيمة، منها:

1- أنه يعرِّف الإنسانَ قدرَ نفسه، فلا يتكبّر ولا يبطر، ولا يتعالى أبداً؛ لأنه عاجز عن معرفة المقدور، ومستقبل ما هو حادث، ومن ثمّ يقرّ الإنسان بعجزه وحاجته إلى ربه تعالى دائماً، وهذا من أسرار خفاء المقدور[1].

2- يقول الشوكاني: "ومن فوائد رسوخ الإيمان بهذه الخصلة أنه يعلم أنه ما وصل إليه من الخير على أيّ صفة كان وبيد من اتفق فهو منه عز وجل، فيحصل له بذلك من الحبور والسرور ما لا يقدر قدره، لما له سبحانه من العصمة التي تضيق أذهان العباد عن تصوّرها، وتقصر عقولهم عن إدراك أدنى منازلها... وما أحسن ما قاله الحربي: من لم يؤمن بالقدر لم يتهنّ بعيشه"[2].

3- الإيمان بالقدر يقضي على كثير من الأمراض التي تعصف بالمجتمعات وتزرع الأحقاد بين المؤمنين، فالمؤمن يسعى لعمل الخير، ويحب للناس ما يحبّ لنفسه، فإن وصل إلى ما يصبو إليه حمد الله وشكره على نعمه، وإن لم يصل إلى شيء من ذلك صبر ولم يجزع، ولم يحقد على غيره ممن نال من الفضل ما لم ينله؛ لأن الله هو الذي يقسم الأرزاق فيعطي ويمنع، وكل ذلك ابتلاء وامتحان منه سبحانه وتعالى لخلقه[3].

4- الإيمان بالقدر يبعث في القلوب الشجاعة على مواجهة الشدائد، ويقوّي فيها العزائم، فيثبت صاحبه في ساحات الجهاد ولا يخاف الموت؛ لأنه موقن أن الآجال محدّدة لا تتقدم ولا تتأخر لحظةً واحدة[4].

5- الإيمان بالقدر من أكبر العوامل التي تكون سبباً في استقامة المسلم، وخاصة في معاملته للآخرين، فحين يقصِّر في حقّه أحدٌ أو يسيء إليه أو يردّ إحسانه بالإساءة أو ينال من عرضه بغير حق تجده يعفو ويصفح لأنه يعلم أن ذلك مقدّر، وهذا إنما يحسن إذا كان في حقّ نسفه، أمّا في حقّ الله فلا يجوز العفو ولا التعلل بالقدر، لأن القدر إنما يحتج به في المصائب لا في المعايب[5].

6- الإيمان بالقدر يغرس في نفس المؤمن حقائق الإيمان المتعدّدة، فهو دائم الاستعانة بالله، يعتمد على الله ويتوكل عليه مع فعل الأسباب، وهو يغرس أيضاً في نفس المؤمن الانكسار والاعتراف لله تعالى حين يقع منه الذنب، ومن ثم يطلب من الله العفو والمغفرة[6].

7- ومن آثار الإيمان بالقدر أن الداعي إلى الله يصدع بدعوته، ويجهر بها أمام الكافرين والظالمين، لا يخاف في الله لومة لائم، يبيّن للناس حقيقة الإيمان، ويوضح لهم مقتضياته، ويكشف الباطل وزيفه ودُعاته وحماته، ويقول كلمة الحقّ أمام الظالمين، ويفضح ما هم فيه من كفر وظلم، وإذا كان الأمر هكذا فكيف يبقى في نفس المؤمن الداعية ذرّة من خوف وهو يؤمن بقضاء الله وقدره؟! فما قدّر سيكون، وما لم يقدر لن يكون، وهذا كله مرجعه إلى الله، والعباد لا يملكون من ذلك شيئاً[7].

8- الإيمان بالقدر طريق الخلاص من الشرك، وهو مفرق طريق بين التوحيد والشرك، فالمؤمن بالقدر يُقرّ بأن هذا الكون وما فيه صادر عن إله واحد، ومعبود واحد، ومن لم يؤمن هذا الإيمان فإنه يجعل من دون الله آلهة وأرباباً[8].

9- وهو يفضي إلى الاستقامة على منهجٍ سواءٍ في السّراء والضرّاء، لا تبطره النعمة، ولا تيئسه المصيبة، فهو يعلم أن كل ما أصابه من نعم وحسنات فمن الله لا بذكائه وحسن تدبيره، وإذا أصابه الضراء والبلاء علم أن هذا بتقدير الله ابتلاءً منه، فلا يجزع ولا ييأس، بل يحتسب ويصبر، فيسكب هذا الإيمان في قلب المؤمن الرضا والطمأنينة[9].

10- المؤمن بالقدر دائماً على حذر من أن يأتيه ما يضله، كما يخشى أن يختم له بخاتمة سيئة، وهذا لا يدفعه إلى التكاسل والخمول، بل يدفعه إلى المجاهدة الدائبة للاستقامة، والإكثار من الصالحات، ومجانبة المعاصي والموبقات، كما يبقى قلب العبد معلقاً بخالقه، يدعوه ويرجوه ويستعينه، ويسأله الثبات على الحقّ كما يسأله الرشد والسداد[10].

11- إذا آمن المؤمن بالقدر فإنه يقبل على أمر الله وإن قلَّت الرفقة، ويقبل على الجهاد وإن كان وحده[11].

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،


[1] انظر: لمحات في وسائل التربية الإسلامية وغاياتها للدكتور محمد أمين المصري (ص 186).

[2] انظر: قطر الولي على حديث الولي للشوكاني (ص 396)، ضمن ولاية الله والطريق إليها. دراسة وتحقيق الدكتور: إبراهيم هلال.

[3] انظر: لمحات في وسائل التربية (ص 178)، والإيمان باليوم الآخر وبالقضاء والقدر للشيخ أحمد البيانوني (ص144-145)، والقضاء والقدر للمحمود (ص 453).

[4] انظر: القضاء والقدر للمحمود (ص 454).

[5] انظر: مجموعة بحوث فقهيّة، بحث الإيمان بالقضاء والقدر للدكتور عبد الكريم زيدان (ص 236)، والقضاء والقدر للمحمود (ص 456).

[6] انظر: مجموعة بحوث فقهية بحث الإيمان بالقضاء والقدر (ص 240-244) والقضاء والقدر للمحمود (ص457).

[7] انظر: القضاء والقدر للمحمود (ص 457-458).

[8] انظر: القضاء والقدر للأشقر (ص 109-110).

[9] المصدر السابق (ص 110-111)، وانظر: العقيدة الإسلامية لعبد الرحمن حبنكة (ص 686).

[10] المصدر السابق (ص 111).

[11] انظر: ترتيب وتقريب شرح العقيدة الطحاوية للشيخ خالد بن فوزي عبد الحميد (2/1021).

 

.