.

  حزب البعث: تاسعًا:  موقف حزب البعث من الإسلام:                           (عناصر البحث)                         السابقة             التالية

 

9 ـ  موقف حزب البعث من الإسلام:

انتقد ميشيل عفلق الماركسيين في هجومهم على الدين؛ ذلك لأنه يرى أنه بالإمكان توظيف الدين لحساب مآربهم وأهدافهم.

يقول: "والفهم السطحي هو أن نستنتج بسرعة بأنه مادام مظهر الدين في هذا الوقت وما دام ممثلو الدين الرسميون هم في صفّ الواقع الفاسد، وليسوا في صفّ الثورة على الفساد؛ فإذن الدين من أساسه فاسد، ولا وجود له، ولا خير فيه، ولذلك يجب التخل‍ّص من الدين؛ لأنه سلاح بيد الظالمين والمفسدين.

هذه هي النظرة السطحية والاستنتاج الخاطئ جداً، وهذه هي النظرة التي توقف عندها الشيوعية، ولذلك فالشيوعية ليست عميقة في كل نواحيها، ولو أنها في كثير من نواحيها جدّ عميقة"([1]).

ويقول: "ونحن لا نرضى عن الإلحاد، ولا نشجع الإلحاد، ونعتبره موقفاً زائفاً في الحياة، موقفا باطلاً وضاراً وكاذباً، إذ إن الحياة معناها الإيمان، والملحد كاذب، إنه يقول شيئاً ويعتقد شيئاً آخر، إنه مؤمن بشيء مؤمن ببعض القيم، ولكننا ننظر للإلحاد كظاهرة مرضية يجب أن تعرف أسبابها لتداوى، ولا ننظر إليه كشرٍ يجب أن يُعاقب، لأن الملحد إنسان متناقض، يدّعي شيئاً ويعمل خلافه، فالثورة على الدين في أوربا هي دين، هي إيمان بمثل وبقيم إنسانية رفيعة"([2]).

ومن هذا المقال يتبين لنا ما يلي:

1- أن مراده بالإلحاد هو إنكار وجود الله، وعلى ذلك فالبعث يؤمن بوجود الله سبحانه، وأنه الخالق المدبر للكون، هذا على أحسن التأويلات.

2- أن حقيقة الدين تتمثل في الإيمان بالمُثل والقيم الإنسانية الرفيعة ليس غير، وعلى ذلك فإذا تدين الإنسان بالعلمانية أو البعثية وهو يحمل قيمها ومُثُلها فهو مؤمن بدين، ولذلك قال عفلق بأن الثورة على الدين في أوربا هي دين وإيمان([3]).

ويرى عفلق أن الدين عند العرب شيء أساسي، وغير عارض، وأنه يمتلك في حسّ العرب تاريخاً طويلاً وأثراً بعيداً، ولذلك أوجدوا له الحلول المفيدة بحيث لا يصطدم الحزب بالدين الإسلامي فيخسر كما خسرت الأحزاب الماركسية.

يقول عفلق: "المشكلة الدينية هي بلا شك من أبرز المشكلات في المجتمع العربي الحديث، لذلك لا يعقل أن يتجاهلها حزبنا، وأن يتهربّ من إيجاد الحلول لها... هل الدين شيء ثانوي؟ إن الحزب لا يرى هذا، بل يرى أن الدين تعبير صادق عن إنسانية الإنسان، وأنه يمكن أن يتطور ويتبدّل في أشكاله وأن يتقدّم أو يتأخّر ولكنه لا يمكن أن يزول.

إذن؛ فالدين في صميم القضية العربية والمواطن العربي الذي نعمل لتكوينه... فنحن مع تبنّينا للنظرة السلبية إلى الدين، أي: رغم معرفتنا الطريقة الرجعية التي استخدم الدين بها ليكون داعماً للظلم والتأخر والعبودية، نثق رغم ذلك بأن الإنسان يستطيع أن يثور على هذه الكيفية في استخدام الدين. ونحن لا نجهل بأنّ نظرتنا هذه تتطلب من الجهد والحذر أضعاف ما تتطلبه النظرة الشيوعية"([4]).

والإسلام الذي يريده الحزب باختصار:

1- يعتبر البعثيون الإسلام فترة من فترات القومية العربية، ومرحلة من مراحل تعبيرها عن نفسها، وأنه ليس سوى نبتة ظهرت في التربة القومية لتكون مشخصة لآمال وآلام العروبة([5]).

يقول ميشيل عفلق: "هذه الأمة التي أفصحت عن نفسها وعن شعورها بالحياة إفصاحاً متعدداً متنوعاً في تشريع حمورابي، وشعر الجاهلية، ودين محمد، وثقافة عصر المأمون"([6]).

ويقول: "لقد أفصح الدين في الماضي عن الرسالة العربية التي تقوم على مبادئ إنسانية"([7]).

ويقول: "فرسالة الإسلام إنما هي خلق إنسانية عربية، إن العرب بنفردون دون سائر الأمم بهذه الخاصية، إن يقظتهم القومية اقترنت برسالة دينية، أو بالأحرى كانت هذه الرسالة مفصحة عن تلك اليقظة القومية"([8]).

2- يعتقد البعثيون أن الإسلام مجرد قيم روحية، وإيمان وجداني، وشعور نفسي، ومُثُل عالية، وأنه يكفي الإنسان أن يؤمن بوجود الله، وأن تكون علاقته بالله علاقة فردية، كأن يصلي إذا أراد، أو يصوم أو يحج. أما أن يكون الإسلام حاكماً لحياة الناس وشؤونهم فتلك الجريمة الكبرى والرجعية والتخلف والظلامية([9]).

يقول عفلق: "على المناضل العربي عندما يحارب الرجعية ويصمد أمام هجماتها وافتراءاتها وتهيجاتها وإثاراتها أن يتذكر دوماً أنه مؤمن بالقيم الإيجابية والقيم الروحية"([10]).

ويقول: "وكان التفكير السطحي قبل ظهور حركتنا يوحي أو يوهم بوجود التضادّ بين القومية وبين هذا التراث الروحي، بحجة الحرص على العلمانية، ولكن وجدنا أن لا تعارض بين العلمانية وبين الاعتراف بما يغذي روح حضارتنا من تجارب ماضي شعبنا الغنية، فكانت هذه النظرة الجديدة إلى تراثنا القومي نظرة حية واقعية عميقة، أرجعت إلى نفوس الشباب الاستقرار الذي فقدوه زمناً، وصالحتهم مع ماضي أمتهم دون أن تجمدهم في هذا الماضي"([11]).

3- يأخذ البعثيون من الإسلام ما يخدم عقيدتهم ويعين على نشرها بين المسلمين، تماماً كما فعلت حركات الزندقة المعاصرة كالقاديانية والبهائية، ويرون أن الإسلام قوة ضدّ الظلم والانحراف يمكن أن تستخدم هذه القوة في تأجيج الروح الثورية عند البعثيين أنفسهم، وعند عموم المسلمين، فهم من هذه الزاوية يعتبرون الإسلام قوّة ثورية ونضالية، وفق مفهومهم للثورة والانقلاب والنضال، ووفق مخططهم الساعي لاستخدام الإسلام في بثّ شعور الحماس والفاعلية في أوساط الناس([12]).

يقول عفلق: "هل يفكر الشباب أن الإسلام عند ظهوره هو حركة ثورية ثائرة على أشياء كانت موجودة ومعتقدات وتقاليد ومصالح؟! وبالتالي: هل يفكرون بأنه لا يفهم الإسلام حق الفهم إلا الثوريون؟! وهذا شيء طبيعي؛ لأن حالة الثورة هي حالة واحدة لا تتجزأ، وهي حالة خالدة لا تتبدل، فالثورة قبل ألف سنة وقبل ألفي سنة وقبل خمسة آلاف سنة والآن وبعد ألوف السنين الثورة واحدة.

إن المدافعين الظاهرين عن الإسلام الذين يتظاهرون بالغيرة أكثر من غيرهم وبالدفاع عن الإسلام هم أبعد العناصر عن الثورة في مرحلتنا الحاضرة، لذلك لا يعقل أن يكونوا فهموا الإسلام، ولذلك من الطبيعي جداً أن يكون أقرب الناس إلى الإسلام فهماً وتحسساً وتجاوباً هو الجيل الثوري"([13]).


[2] في سبيل البعث (ص121-122).

[3] حزب البعث (ص88-89).

[4] في سبيل البعث (ص125-127).

[5] حزب البعث (ص90).

[6] في سبيل البعث (ص106).

[7] في سبيل البعث (ص107).

[8] في سبيل البعث (ص145).

[9] حزب البعث (ص92-93).

[10] في سبيل البعث (ص129).

[11] حزب البعث (ص192).

[12] حزب البعث (ص95).

[13] في سبيل البعث (ص117) بتصرف.

 

.