الملف العلمي لعاشوراء

.

  عاشوراء: تاسعاً: مساجلة علمية لطيفة حول التوسعة على العيال يوم عاشوراء:         الصفحة السابقة               الصفحة التالية   

 

تاسعا: مساجلة علمية لطيفة حول التوسعة على العيال يوم عاشوراء:

بمناسبة يوم عاشوراء ننقل فيما يلي مساجلة علمية لطيفة، حصلت بين عالمين كبيرين من علماء الجزائر الداعين إلى السنة والمحاربين للبدع، حول مسألة التوسعة على العيال في هذا اليوم، وفيها من الفوائد والدروس ما لا يخفى على اللبيب:

ورد على قسم الفتوى من جريدة البصائر العدد (15)([1]) ـ لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ـ استفتاءٌ هذا نصه:

"سأل السيد محمد بن عبد الله الطنجي الساكن في البُلَيدة بقوله: أفتى بعض الطلبة بجواز التوسعة على العيال يوم عاشوراء، واعتمد في فتواه تلك حديث: ((من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته))، وهل هذا الحديث الذي استدل به صحيح أو حسن أو ضعيف أو موضوع؟ أفيدونا تؤجروا".

فأجاب على هذا الاستفتاء الشيخ أبو يعلى الزواوي رحمه الله ـ وكان هو المتولي قسم الفتوى بالجريدة ـ فأجابه بالتالي:

"أصاب من أفتى بذلك، وإن التوسعة على العيال مطلوبة في المواسم كلها، وفي غير المواسم، قال تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءاتَاهُ ٱللَّهُ} [الطلاق:7]، والحديث في معجم الطبراني ولفظه: ((من وسع على عياله في يوم عاشوراء وسع الله عليه في سنته كلها)).

قلت: وأجبنا هذا السائل أخذًا لخاطره فقط، ومن حيث السؤال على الحديث، وإلا فإن الإنفاق على العيال لا يُستفتى فيه، إنما يستفتى في عدم الإنفاق إن استطاع وبخل".

وفي العدد (20)([2]) ورد مقال للشيخ عمر بن البسكري بعنوان: (وتعانوا على البر والتقوى. كتاب كريم إلى أخ كريم) وهذا نصّه:

"من عبد ربه عمر بن البسكري إلى أخيه بل والده الإصلاحي شيخ المصلحين، ومصلح الشيوخ سيدي أبي يعلى سعيد الزواوي أمد الله في عمره لنفع المسلمين، السلام عليكم ورحمة الله، وبعد: فقد اطلعت لفضيلتكم بجريدة "البصائر" على ما يتحتم التنبيه عليه؛ والدعوة إلى إصلاح خلله، لما في الأثر: ((المؤمن للمؤمن كالمرآة))، ولما في الصحيح: ((المؤمن لأخيه المؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا)).

ذلك سيدي ما أفتيتم به في العدد الخامس عشر من الجريدة المذكور تحت عنوان: (قسم الفتوى) من تأييد من يقول بجواز التوسعة على العيال يوم عاشوراء، ومعتمد كل منكما على حديث: ((من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته)) لقولكم حرفيًا: أصاب من أفتى بذلك وإن التوسعة على العيال مطلوبة في المواسم كلها وفي غير المواسم قال تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءاتَاهُ ٱللَّهُ}، والحديث في معجم الطبراني ولفظه: ((من وسع على عياله في يوم عاشوراء وسع الله عليه في سنته كلها)) هكذا قلتم حرفيًا.

سيدي أحيط جنابكم علمًا بأن الحديث المذكور يقول فيه حجة الإسلام ابن تيمية ما نصه حرفيًا في كتابه منهاج السنة (ج 4/ص 114): وقد يروي كثير ممن ينتسب إلى السنة أحاديث يظنونها من السنة وهي كذب، كالأحاديث المروية في فضل عاشوراء ـ غير الصوم ـ وفضل الكحل فيه والاغتسال والحديث والخضاب والمصافحة وتوسعة النفقة على العيال فيه ونحو ذلك، وليس في أحاديث عاشوراء حديث صحيح غير الصوم ـ هكذا يقول حرفيًا ـ وتبعه تلميذه ابن القيم وابن رجب وغيرهم. ثم لا يخفى على جنابكم أن الجرح مقدم على التعديل.

وأما الآية التي استدللتم بها فهي غير مطابقة لمحل النزاع لأنها في أصل النفقة العامة في سائر الأيام التي تقل وتكثر بحسب رزق المنفق، وهي لم يسألكم عنها السائل وإنما تبرعتم بها توسعة للإفادة العلمية، وذلك حسن ولكن بعد الإفادة المسئول عنها؛ لأن السائل إنما سألكم عن توسعة مخصوصة، في يوم مخصوص، كما لا يخفى ذلك عليكم وما ورد عاما لا يستدل به على أمر خاص، ولو كان ذلك الخاص داخلاً تحت ذلك العام في الجملة كمسألتنا هذه.

فإذا سأل سائل آخر مثلاً عن التقرب بصلاة مخصوصة ليلة المولد النبوي أو القراءة عند القبور فلا يجاب بأن الصلاة مطلوبة في كل وقت لقوله تعالى: {وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً} [الإسراء:79]، ولا بأن تلاوة القرآن مطلوبة لقوله تعالى: {فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:20]، أو بقوله تعالى: {وَأَنْ أَتْلُوَ ٱلْقُرْءانَ} [النمل:92].

هذا ومما زاد في تشجيعي على إسداء هذه الكلمة والنصيحة لجنابكم قولكم حرفيًا في العدد السابع عشر من البصائر: (وعلى كل حال فإنني لست ممن يقول: لا أقبل النصيحة ـ إلى أن قلتم ـ: بل إني أقبل النصيحة من أهلها بشرطها).

وختامًا سيدي أرجو إقرار كتابي إن كان حقًا، أو رده إن كان خطأ، والسلام عليكم. معاد من أخيكم".

وفي العدد الذي بعده([3]) أجاب الشيخ أبو يعلى على تعقب الشيخ عمر، وذلك تحت عنوان: (وتعاونوا على البر والتقوى. إلى أخ فاضل) وكان نص جوابه:

"بسم الله الرحمن الرحيم. من أبي يعلى إلى أخيه في الله ومحبه من أجله سيدي عمر بن البسكري، كثير السلام وبعد: فقد اطلعت على خطابكم الموجه إلي في شأن ذكري الحديث الذي رواه الطبراني في الأوسط جوابًا إلى السائل عن توسعة النفقة على العيال في عاشوراء إلخ ما وقفتم عليه، فالجواب: إني معتمدٌ ذلك كما اعتمده جملة من شراح المختصر الذي به الفتوى في مذهبنا المالكي مثل الدسوقي والعدوي على الخرشي وقال الدسوقي تعليقًا على قول الدردير: ونَدْبُ توسعة على الأهل ما لفظه: (قوله وندب فيه توسعة على الأهل إلخ) اقتصر عليها مع أنه يندب فيه عشر خصال جمعها بعضهم في قوله:

صُم صَلِّ صِل زُرْ عالمًا ثم اغتسل          رأس اليتيم امسح تصدَّق واكتحل

وسِّع على العيـال قلم ظفـرًا            وسـورة الإخلاص قل ألفًا تَصِل

لقوة حديث التوسعة" اهـ بالحرف، وقال العدوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من وسع...)) الحديث، وذكر الحديث بلفظه ولم يعزه للطبراني، وذكره الشرنوبي في خُطَبه، وإني نفسي راجعت الجامع الصغير بعد أن بعثت بالفتيا إلى الجريدة فوجدت الشارح العزيزي يقول بضعف أسانيد الحديث، وهكذا تساهلوا في إيراد الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال فتساهلنا، والحق أن لا يتساهل في الحديث على الإطلاق، وأن لا يعتبر إلا الصحيح تحفظًا من الخطأ والوقوع في الكذب عليه صلى الله عليه وسلم، ولكن ما الحيلة وقد طفح الكيل في كتب الفقهاء ولذلك أقول لك ما قال الأول: وجدت آجرًا وجصًا فبنيت ومكان القول ذا سعة، فإن معضلة الحديث ومشاكله والخلاف فيه أعيى الفحول، وأعجبني ابن كثير الذي تكلم في أصنافه حيث يقول: لا يلزم تقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، إنما يلزم اعتبار الصحيح والضعيف فقط. يعني رحمه الله: لا يلزم في الحديث إلا الصحيح حبذاك.

ألا ترون إلى ما جرى ويجري في شأن الحديث الذي أورده ابن حبيب من أتباع مالك في القراءة على الجنازة وهو ـ الحديث ـ ضعيف ثم اعتمده جميع شراح المختصر وكادوا يضربون بذلك على قول إمامهم مالك القائل بالكراهة، والحال أنهم عالمون أن ابن حبيب ضعيف في الحديث كما ذكروا ذلك في ترجمته في الديباج المذهب في أعيان المذهب وقال ابن رشد في بداية المجتهد في باب الجمعة: وأحاديث ابن حبيب لا يحتج بها لأنه ضعيف، ومع ذلك فنحن في ردود مستمرة على هذا الشأن. وإنه مما يجب التحري في الاستدلال [ألاّ يستدل] بالحديث إلا إذا كان صحيحًا وهو صواب ولكنه صعب.

اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وألهمنا وألهم الأمة للصواب أن تتحفظ وتحذر من الوقوع في الكذب على نبيها. والله المستعان وعليه التكلان".

 


 


([1]) الصادر يوم الجمعة 25 المحرم الحرام 1355هـ، الموافق ليوم 17 أبريل 1936م.

([2]) الصادر يوم الجمعة أول ربيع الأول 1355هـ، الموافق ليوم 22 مايو 1936م.

([3]) الصادر يوم الجمعة 8 ربيع الأول.

 

.