الملف العلمي لعاشوراء

.

   عاشوراء : ثامنًا: ما جاء في كسوة الكعبة في عاشوراء:                                       الصفحة السابقة              الصفحة التالية   

 

ثامنا: ما جاء في كسوة الكعبة في عاشوراء:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوما تُستَر فيه الكعبة([1]).

قال الحافظ ابن حجر: "يفيد أن الجاهلية كانوا يعظمون الكعبة قديما بالستور ويقومون بها... ويستفاد من الحديث أيضا معرفة الوقت الذي كانت الكعبة تكسى فيه من كل سنة، وهو يوم عاشوراء، وكذا ذكر الواقدي بإسناده عن أبي جعفر الباقر أن الأمر استمر على ذلك في زمانهم، وقد تغير ذلك بعد، فصارت تكسى في يوم النحر، وصاروا يعمدون إليه في ذي القعدة، فيعلقون كسوته إلى نحو نصفه، ثم صاروا يقطعونها فيصير البيت كهيئة المحرم، فإذا حل الناس يوم النحر كسوه الكسوة"([2]).

وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقوله الناس، إنما كان يوم تستر فيه الكعبة وتقلس فيه الحبشة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدور في السنة، وكان الناس يأتون فلانا اليهودي فيسألونه، فلما مات اليهودي أتوا زيد بن ثابت فسألوه([3]).

قال الحافظ ابن حجر: "قال شيخنا الهيثمى في زوائد المسانيد: لا أدري ما معنى هذا، قلت: ظفرت بمعناه في كتاب الآثار القديمة لأبي الريحان البيروني، فذكر ما حاصله أن جهلة اليهود يعتمدون في صيامهم وأعيادهم حساب النجوم، فالسنة عندهم شمسية لا هلالية، قلت: فمن ثم احتاجوا إلى من يعرف الحساب ليعتمدوا عليه في ذلك"([4]).

وقال في شرح قول ابن عباس رضي الله عنهما: (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء): "استشكل هذا لأن قدومه صلى الله عليه وسلم إنما كان في ربيع الأول، وأجيب باحتمال أن يكون علمه بذلك تأخر إلى أن دخلت السنة الثانية، قال بعض المتأخرين: يحتمل أن يكون صيامهم كان على حساب الأشهر الشمسية، فلا يمتنع أن يقع عاشوراء في ربيع الأول، ويرتفع الإشكال بالكلية، هكذا قرره ابن القيم في الهدي، قال: وصيام أهل الكتاب إنما هو بحساب سير الشمس، قلت: وما ادعاه من رفع الإشكال عجيب؛ لأنه يلزم منه إشكال آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين أن يصوموا عاشوراء بالحساب، والمعروف من حال المسلمين في كل عصر في صيام عاشوراء أنه في المحرم لا في غيره من الشهور، نعم وجدت في الطبراني بإسناد جيد عن زيد بن ثابت قال: ليس يوم عاشوراء باليوم الذي يقول الناس، إنما كان يوم تستر فيه الكعبة وتقلس فيه الحبشة، وكان يدور في السنة، وكان الناس يأتون فلانا اليهودي يسألونه، فلما مات أتوا زيد بن ثابت فسألوه. فعلى هذا فطريق الجمع أن تقول: كان الأصل فيه ذلك، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام عاشوراء رده إلى حكم شرعه، وهو الاعتبار بالأهلة، فأخذ أهل الإسلام بذلك، لكن في الذي ادعاه أن أهل الكتاب يبنون صومهم على حساب الشمس نظر، فإن اليهود لا يعتبرون في صومهم إلا بالأهلة، هذا الذي شاهدناه منهم، فيحتمل أن يكون فيهم من كان يعتبر الشهور بحساب الشمس، لكن لا وجود له الآن، كما انقرض الذين أخبر الله عنهم أنهم يقولون، عزير ابن الله تعالى الله عن ذلك"([5]).

قال الحافظ: "حكى الأزرقي أن معاوية كساها الديباج والقباطي والحبرات, فكانت تكسى الديباج يوم عاشوراء، والقباطي في آخر رمضان... وسيأتي في أوائل غزوة الفتح ما يشعر أنها كانت تكسى في رمضان"([6]).

وقال في أوائل غزوة الفتح في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: ((هذا يوم يعظِّم الله فيه الكعبة، ويومٌ تُكسى فيه الكعبة))([7]): "قيل: إن قريشا كانوا يكسون الكعبة في رمضان فصادف ذلك اليوم, أو المراد باليوم الزمان كما قال: يوم الفتح, فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه هو الذي يكسوها في ذلك العام, ووقع ذلك"([8]).


 

([1]) أخرجه البخاري في الحج (1592).

([2]) فتح الباري (3/455).

([3]) أخرجه الطبراني في الكبير (5/138)، وقال الهيثمي في المجمع (3/187): "لا أدري ما معناه، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وفيه كلام كثير، وقد وثق"، وحسن الحافظ إسناده في الفتح (4/248).

([4]) فتح الباري (4/248).

([5]) فتح الباري (7/276).

([6]) فتح الباري (3/459).

([7]) جزء من حديث، أخرجه البخاري في قصة الفتح (4280).

([8]) فتح الباري (8/9-10).

 

.