الملف العلمي لعاشوراء

.

   عاشوراء : سابعاً: بدع ومخالفات:                                               الصفحة السابقة           الصفحة التالية   

 

سابعا: بدع ومخالفات:

1ـ بدعة الحزن واتخاذ يوم عاشوراء مأتما:

وهي بدعة أحدثتها الرافضة([1]) في هذا اليوم، ومن مظاهرها النياحة ولطم الخدود وشق الجيوب والتعزي بعزاء الجاهلية وسب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.

قال ابن تيمية: "وصار الشيطان بسبب قتل الحسين رضي الله عنه يحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء من اللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاد المراثي وما يفضي إليه ذلك من سب السلف ولعنتهم وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب، حتى يُسب السابقون الأولون، وتُقرأ أخبار مصرعه التي كثير منها كذب، وكان قصد من سن ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة؛ فإن هذا ليس واجبا ولا مستحبا باتفاق المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرمه الله ورسوله"([2]).

وقال أيضا: "فصارت طائفة جاهلة ظالمة، إما ملحدة منافقة، وإما ضالة غاوية، تظهر موالاته وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة، وتظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود وشق الجيوب والتعزي بعزاء الجاهلية. والذي أمر الله به ورسوله في المصيبة إذا كانت جديدة إنما هو الصبر والاحتساب والاسترجاع، كما قال تعالى: {وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ % ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ % أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155-157]، وفى الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية))، وقال: ((أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة))، وقال: ((النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب))، وفي المسند عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين عن النبي أنه قال: ((ما من رجل يصاب بمصيبة فيذكر مصيبته وإن قدمت فيحدث لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها))، وهذا من كرامة الله للمؤمنين، فإن مصيبة الحسين وغيره إذا ذكرت بعد طول العهد فينبغي للمؤمن أن يسترجع فيها كما أمر الله ورسوله، ليعطى من الأجر مثل أجر المصاب يوم أصيب بها، وإذا كان الله تعالى قد أمر بالصبر والاحتساب عند حدثان العهد بالمصيبة، فكيف مع طول الزمان؟! فكان ما زينه الشيطان لأهل الضلال والغي من اتخاذ يوم عاشوراء مأتما، وما يصنعون فيه من الندب والنياحة وإنشاد قصائد الحزن ورواية الأخبار التي فيها كذب كثير، والصدق فيها ليس فيه إلا تجديد الحزن والتعصب وإثارة الشحناء والحرب وإلقاء الفتن بين أهل الإسلام والتوسل بذلك إلى سب السابقين الأولين وكثرة الكذب والفتن في الدنيا، ولم يُعرف [في] طوائف الإسلام أكثر كذبا وفتنا ومعاونة للكفار على أهل الإسلام من هذه الطائفة الضالة الغاوية، فإنهم شر من الخوارج المارقين"([3]).

2ـ بدعة الفرح واتخاذ يوم عاشوراء عيدا:

وهي بدعة أحدثتها النواصب([4]) في هذا اليوم، ومن مظاهر ذلك إظهار الفرح والسرور والاغتسال والتجمل والاكتحال والتطيب وإعداد المطاعم وذبح الذبائح والتوسعة على العيال إلى غير ذلك.

وقد سئل شيخ الإسلام عما يفعله الناس في يوم عاشوراء من الكحل والاغتسال والحناء والمصافحة وطبخ الحبوب وإظهار السرور وغير ذلك إلى الشارع: فهل ورد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح أم لا؟ وإذالم يرد حديث صحيح في شيء من ذلك فهل يكون فعل ذلك بدعة أم لا؟ وما تفعله الطائفة الأخرى من المأتم والحزن والعطش, وغير ذلك من الندب والنياحة وقراءة المصروع وشق الجيوب: هل لذلك أصل أم لا؟

  فأجاب: "الحمد لله رب العالمين. لم يرد في شيء من ذلك حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه, ولا استحب ذلك أحد من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئا, لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين, لا صحيحا ولا ضعيفا, لا في كتب الصحيح, ولا في السنن ولا المسانيد, ولا يعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة. ولكن روى بعض المتأخرين في ذلك أحاديث مثل ما رووا أن من اكتحل يوم عاشوراء لم يرمد من ذلك العام, ومن اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض ذلك العام, وأمثال ذلك. ورووا فضائل في صلاة يوم عاشوراء, ورووا أن في يوم عاشوراء توبة آدم, واستواء السفينة على الجودي, ورد يوسف على يعقوب, وإنجاء إبراهيم من النار, وفداء الذبيح بالكبش ونحو ذلك. ورووا في حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم أنه: ((من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة))، ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب, ولكنه معروف من رواية سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه قال: بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته. وإبراهيم بن محمد بن المنتشر من أهل الكوفة، وأهل الكوفة كان فيه طائفتان:

طائفة رافضة يظهرون موالاة أهل البيت, وهم في الباطن إما ملاحدة زنادقة, وإما جهال وأصحاب هوى.

وطائفة ناصبة تبغض عليًا وأصحابه لما جرى من القتال في الفتنة ما جرى... وكان في الكوفة بين هؤلاء وهؤلاء فتن وقتال، فلما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما يوم عاشوراء قتلته الطائفة الظالمة الباغية, وأكرم الله الحسين بالشهادة, كما أكرم بها من أكرم من أهل بيته، أكرم بها حمزة وجعفر وأباه عليا وغيرهم, وكانت شهادته مما رفع الله بها منزلته, وأعلى درجته, فإنه هو وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة, والمنازل العالية لا تنال إلا بالبلاء... فكان الحسن والحسين قد سبق لهما من الله تعالى ما سبق من المنزلة العالية, ولم يكن قد حصل لهما من البلاء ما حصل لسلفهما الطيب, فإنهما ولدا في عز الإسلام, وتربيا في عز وكرامة, والمسلمون يعظمونهما ويكرمونهما, ومات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستكملا سن التمييز, فكانت نعمة الله عليهما أن ابتلاهما بما يلحقهما بأهل بيتهما, كما ابتلي من كان أفضل منهما, فإن علي بن أبي طالب أفضل منهما وقد قتل شهيدا.

وكان مقتل الحسين مما ثارت به الفتن بين الناس، كما كان مقتل عثمان رضي الله عنه من أعظم الأسباب التي أوجبت الفتن بين الناس, وبسببه تفرقت الأمة إلى اليوم، ولهذا جاء في الحديث: ((ثلاث من نجا منهن فقد نجا: موتي , وقتل خليفة مصطبر، والدجال)).

وكان ما كان, إلى أن ظهرت الحرورية المارقة, مع كثرة صلاتهم وصيامهم وقراءتهم, فقاتلوا أمير المؤمنين عليا ومن معه, فقتلهم بأمر الله ورسوله... فكانت هذه الحرورية هي المارقة, وكان بين المؤمنين فرقة, والقتال بين المؤمنين لا يخرجهم من الإيمان... ثم إن عبد الرحمن بن ملجم من هؤلاء المارقين, قتل أمير المؤمنين عليا فصار إلى كرامة الله ورضوانه شهيدا, وبايع الصحابة للحسن ابنه, فظهرت فضيلته التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حيث قال: ((إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين))، فنزل عن الولاية وأصلح الله به بين الطائفتين, وكان هذا مما مدحه به النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه, ودل ذلك على أن الإصلاح بينهما مما يحبه الله ورسوله، ويحمده الله ورسوله، ثم إنه مات وصار إلى كرامة الله ورضوانه, وقامت طوائف كاتبوا الحسين ووعدوه بالنصر والمعاونة إذا قام بالأمر, ولم يكونوا من أهل ذلك, بل لما أرسل إليهم ابن عمه أخلفوا وعده, ونقضوا عهده, وأعانوا عليه من وعدوه أن يدفعوه عنه, ويقاتلوه معه. وكان أهل الرأي والمحبة للحسين كابن عباس وابن عمر وغيرهما أشاروا عليه بأن لا يذهب إليهم, ولا يقبل منهم, ورأوا أن خروجه إليهم ليس بمصلحة, ولا يترتب عليه ما يسر, وكان الأمر كما قالوا, وكان أمر الله قدرا مقدورا.

فلما خرج الحسين رضي الله عنه، ورأى أن الأمور قد تغيرت, طلب منهم أن يدعوه يرجع, أو يلحق ببعض الثغور, أو يلحق بابن عمه يزيد, فمنعوه هذا وهذا حتى يستأسر, وقاتلوه فقاتلهم، فقتلوه وطائفة ممن معه مظلوما شهيدا شهادة أكرمه الله بها وألحقه بأهل بيته الطيبين الطاهرين، وأهان بها من ظلمه واعتدى عليه.

وأوجب ذلك شرًا بين الناس، فصارت طائفة جاهلة ظالمة إما ملحدة منافقة, وإما ضالة غاوية, تظهر موالاته وموالاة أهل بيته، تتخذ يوم عاشوراء يوم مأتم وحزن ونياحة, وتظهر فيه شعار الجاهلية من لطم الخدود, وشق الجيوب, والتعزي بعزاء الجاهلية... فعارض هؤلاء قوم إما من النواصب المتعصبين على الحسين وأهل بيته, وإما من الجهال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد, والكذب بالكذب, والشر بالشر, والبدعة بالبدعة, فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء كالاكتحال والاختضاب وتوسيع النفقات على العيال وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة، ونحو ذلك مما يفعل في الأعياد والمواسم, فصار هؤلاء يتخذون يوم عاشوراء موسما كمواسم الأعياد والأفراح، وأولئك يتخذونه مأتما يقيمون فيه الأحزان والأتراح.

وكلا الطائفتين مخطئة خارجة عن السنة, وإن كان أولئك أسوأ قصدا، وأعظم جهلا, وأظهر ظلما, لكن الله أمر بالعدل والإحسان...

ولم يسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون في يوم عاشوراء شيئا من هذه الأمور, لا شعائر الحزن والترح, ولا شعائر السرور والفرح.

وأما سائر الأمور مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة, إما حبوب وإما غير حبوب, أو تجديد لباس وتوسيع نفقة, أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم, أو فعل عبادة مختصة كصلاة مختصة به, أو قصد الذبح, أو ادخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب, أو الاكتحال والاختضاب, أو الاغتسال أو التصافح, أو التزاور أو زيارة المساجد والمشاهد ونحو ذلك, فهذا من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون, ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين، لا مالك ولا الثوري ولا الليث بن سعد ولا أبو حنيفة ولا الأوزاعي ولا الشافعي ولا أحمد بن حنبل ولا إسحاق بن راهويه ولا أمثال هؤلاء من أئمة المسلمين وعلماء المسلمين.

وإن كان بعض المتأخرين من أتباع الأئمة قد كانوا يأمرون ببعض ذلك ويروون في ذلك أحاديث وآثارا, ويقولون: إن بعض ذلك صحيح، فهم مخطئون غالطون بلا ريب عند أهل المعرفة بحقائق الأمور، وقد قال حرب الكرماني في مسائله: سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث: ((من وسع على أهله يوم عاشوراء)) فلم يره شيئا. وأعلى ما عندهم أثر يروى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه أنه قال: بلغنا أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته، قال سفيان بن عيينة: جربناه منذ ستين عاما فوجدناه صحيحا، وإبراهيم بن محمد كان من أهل الكوفة, ولم يذكر ممن سمع هذا ولا عمن بلغه, فلعل الذي قال هذا من أهل البدع الذين يبغضون عليا وأصحابه، ويريدون أن يقابلوا الرافضة بالكذب مقابلة الفاسد بالفاسد والبدعة بالبدعة.

وأما قول ابن عيينة فإنه لا حجة فيه, فإن الله سبحانه أنعم عليه برزقه, وليس في إنعام الله بذلك ما يدل على أن سبب ذلك كان التوسيع يوم عاشوراء, وقد وسع الله على من هم أفضل الخلق من المهاجرين والأنصار ولم يكونوا يقصدون أن يوسعوا على أهليهم يوم عاشوراء بخصوصه. وهذا كما أن كثيرا من الناس ينذرون نذرا لحاجة يطلبها, فيقضي الله حاجته, فيظن أن النذر كان السبب, وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر, وقال: ((إنه لا يأتي بخير, وإنما يستخرج به من البخيل))، فمن ظن أن حاجته إنما قضيت بالنذر فقد كذب على الله ورسوله...

وقد اتفق أهل المعرفة والتحقيق أن الرجل لو طار في الهواء, أو مشى على الماء, لم يتبع إلا أن يكون موافقا لأمر الله ورسوله, ومن رأى من رجل مكاشفة أو تأثيرا فاتبعه في خلاف الكتاب والسنة كان من جنس أتباع الدجال...

 ودين الإسلام مبني على أصلين: على أن لا نعبد إلا الله, وأن نعبده بما شرع لا نعبده بالبدع، قال تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا} [الكهف:110]، فالعمل الصالح ما أحبه الله ورسوله, وهو المشروع المسنون, ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه: (اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا, ولا تجعل لأحد فيه شيئا)"([5]).

وقال ابن القيم: "أحاديث الاكتحال يوم عاشوراء والتزين والتوسعة والصلاة فيه وغير ذلك من فضائل لا يصح منها شيء، ولا حديث واحد، ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء غير أحاديث صيامه، وما عداها فباطل.

وأمثل ما فيها: ((من وسع على عياله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته))، قال الإمام أحمد: لا يصح هذا الحديث.

وأما أحاديث الاكتحال والادهان والتطيب فمن وضع الكذابين، وقابلهم آخرون فاتخذوه يوم تألم وحزن، والطائفتان مبتدعتان خارجتان على السنة، وأهل السنة يفعلون فيه ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم، ويجتنبون ما أمر به الشيطان من البدع"([6]).

3- تخصيصه بإخراج الزكاة فيه:

قال ابن الحاج رحمه الله: "ثم إنهم يضمون إلى ذلك بدعة أو محرما، وذلك أنه يجب على بعضهم الزكاة مثلا في شهر صفر أو ربيع أو غيرهما من شهور السنة، فيؤخرون إعطاء ما وجب عليهم إلى يوم عاشوراء، وفيه من التغرير بمال الصدقة ما فيه، فقد يموت في أثناء السنة أو يفلس، فيبقى ذلك في ذمته، وأقبح ما فيه أن صاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامه شهد فيه بأنه ظالم بقوله عليه الصلاة والسلام: ((مطل الغني ظلم))، وفيه بدعة أخرى وهو أن الشارع صلوات الله عليه وسلامه حدَّ للزكاة حولا كاملا وهو اثنا عشر شهرا، وفي فعلهم المذكور زيادة على الحول بحسب ما جاءهم يوم عاشوراء، فقد يكون كثيرا وقد يكون قليلا، وعند بعض من ذُكر نقيض ذلك، وهو أن يخرج الزكاة قبل وقتها لأجل يوم عاشوراء، فيكون ذلك قرضا منه للمساكين، ومذهب مالك رحمه الله أن ذلك لا يجزيه كما لو أحرم بصلاة الفرض قبل وقتها فإنه لا يجزيه عند الجميع، فكذلك فيما نحن بسبيله، وعند الشافعي رحمه الله يجزيه بشرط أن يكون دافع الزكاة وآخذها باقيين على وصفيهما من الحياة والجدة والفقر حتى يتم حول ذلك المال المزكى عنه، وفي هذا من التغرير بمال الصدقة كالأول"([7]).

4- زيارة القبور فيه:

قال ابن الحاج: "ومما أحدثوه فيه من البدع زيارة القبور، ونفس زيارة القبور في هذا اليوم المعلوم بدعة مطلقا للرجال والنساء"([8]).

5- من بدع النساء في هذا اليوم:

قال ابن الحاج: "ومن البدع التي أحدثها النساء فيه استعمال الحناء على كل حال، فمن لم يفعلها منهن فكأنها ما قامت بحق عاشوراء.

ومن البدع أيضا محرهن([9]) فيه الكتان وتسريحه وغزله وتبييضه في ذلك اليوم بعينه، ويشلنه ليخِطن به الكفن، ويزعمن أن منكرا ونكيرا لا يأتيان من كفنُه مخيطٌ بذلك الغزل، وهذا فيه من الافتراء والتحكم في دين الله ما هو ظاهر بيِّن لكل من سمعه، فكيف بمن رآه؟!

ومما أحدثوه فيه من البدع البخور، فمن لم يشتره منهن في ذلك اليوم ويتبخر به فكأنما ارتكب أمرا عظيما، وكونه سنة عندهن لا بد من فعلها وادخارهن له طول السنة يتبركن به ويتبخرن إلى أن يأتي مثله يوم عاشوراء الثاني، ويزعمن أنه إذا بخر به المسجون خرج من سجنه، وأنه يبرئ من العين والنظرة والمصاب والموعوك، وهذا أمر خطر؛ لأنه مما يحتاج فيه إلى توقيف من صاحب الشريعة صلوات الله عليه وسلامه، فلم يبق إلا أنه أمر باطل فعلنه من تلقاء أنفسهن"([10]).


 


([1]) قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (4/471-472): "إن الرافضة أمة ليس لها عقل صريح، ولا نقل صحيح، ولا دين مقبول، ولا دنيا منصورة، بل هم من أعظم الطوائف كذبا وجهلا، ودينهم يُدخل على المسلمين كلَّ زنديق ومرتد، كما دخل فيه النصيرية والإسماعيلية وغيرهم، فإنهم يعمدون إلى خيار الأمة يعادونهم، وإلى أعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين يوالونهم، ويعمدون إلى الصدق الظاهر المتواتر يدفعونه، وإلى الكذب المختلق الذي يعلم فساده يقيمونه، فهم كما قال فيهم الشعبي رحمه الله ـ وكان من أعلم الناس بهم ـ: لو كانوا من البهائم لكانوا حمرا، ولو كانوا من الطير لكانوا رخمًا".

([2]) منهاج السنة (4/554).

([3]) مجموع الفتاوى (25/307-309).

([4]) طائفة من الخوارج يكفرون علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويفسقونه، ويتنقصون بحرمة أهل البيت، مثل من كان يعاديهم على الملك، أو يعرض عن حقوقهم الواجبة، أو يغلو في تعظيم يزيد بن معاوية بغير الحق. انظر: مجموع الفتاوى (28/492-493).

([5]) مجموع الفتاوى (25/299-317)، وانظر: (4/513-514)، والفتاوى الكبرى (4/560)، ومنهاج السنة (4/554) وما بعدها.

([6]) المنار المنيف (ص 89).

([7]) المدخل (1/290).

([8]) المدخل (1/290).

([9]) كذا في المطبوع من المدخل، والظاهر أنه خطأ، ولا أدري ما هو.

([10]) المدخل (1/291).

 

.