الملف العلمي لعاشوراء

.

   عاشوراء : سادساً: مسائل متفرقة:                                          الصفحة السابقة              الصفحة التالية   

 

سادسا: مسائل متفرقة:

1- هل يكره إفراده بالصوم؟

عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: لمّا صام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول اللّه، إنّه يوم تعظّمه اليهود والنّصارى, فقال: ((إذا كان عام المقبل إن شاء اللّه صمنا اليوم التّاسع))، قال: فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم([1]).

قال ابن تيمية: "لا يكره إفراده بالصوم, ومقتضى كلام أحمد أنه يكره، وهو قول ابن عباس وأبي حنيفة"([2]).

قال الحافظ: "ما همَّ به من صوم التاسع يحتمل معناه: أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطا له، وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح, وبه يشعر بعض روايات مسلم, ولأحمد من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعاً: ((صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود؛ صوموا يوما قبله أو يوما بعده)), وهذا كان في آخر الأمر.

 وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ولا سيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان, فلما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح, فهذا من ذلك, فوافقهم أولا وقال: ((نحن أحق بموسى منكم)), ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافا لهم... وقال بعض أهل العلم: قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: ((لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع)) يحتمل أمرين:

أحدهما: أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع.

والثاني: أراد أن يضيفه إليه في الصوم, فلما توفي صلى الله عليه وسلم قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم اليومين.

وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب: أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر والله أعلم"([3]).

وقال ابن القيم: "والصحيح أن المراد صوم التاسع مع العاشر لا نقل اليوم، لما روى أحمد في مسنده من حديث ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خالفوا اليهود؛ صوموا يوما قبله أو يوما بعده))، وقال عطاء عن ابن عباس: صوموا التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود. ذكره البيهقي... ويدل عليه أن في رواية الإمام أحمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع – يعني لصوم عاشوراء – وخالفوا اليهود فصوموا قبله يوماً وبعده يوماً)) فذكرُ هذا عقب قوله: ((لأصومن التاسع)) يبين مراده وبالله التوفيق"([4]).

وقال: "فمراتب صومه ثلاثة: أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم. وأما إفراد التاسع فمن نقص فهم الآثار، وعدم تتبع ألفاظها وطرقها، وهو بعيد من اللغة والشرع، والله الموفق للصواب.

وقد سلك بعض أهل العلم مسلكا آخر فقال: قد ظهر أن القصد مخالفة أهل الكتاب في هذه العبادة مع الإتيان بها، وذلك يحصل بأحد أمرين: إما بنقل العاشر إلى التاسع، أو بصيامهما معا، وقوله: ((إذا كان العام المقبل صمنا التاسع)) يحتمل الأمرين، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتبين لنا مراده، فكان الاحتياط صيام اليومين معا، والطريقة التي ذكرناها أصوب إن شاء الله، ومجموع أحاديث ابن عباس عليها تدل"([5]).

وجاء في أجوبة اللجنة الدائمة للإفتاء ما نصه: "يجوز صيام يوم عاشوراء يوما واحدا فقط، لكن الأفضل صيام يوم قبله أو يوم بعده، وهي السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع))، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (يعني مع العاشر)"([6]).

وقال الشيخ ابن باز: "صوم التاسع مع العاشر أفضل، وإن صام العاشر مع الحادي عشر كفى ذلك لمخالفة اليهود، وإن صامهما جميعا مع العاشر فلا بأس لما جاء في بعض الروايات: ((صوموا يوما قبله ويوما بعده))، أما صومه وحده فيكره، والله ولي التوفيق"([7]).

2- إذا وافق عاشوراء يوم سبت:

عن عبد الله بن بسر، عن أخته الصماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب أو عود شجرة فليمضغه))([8]).

قال ابن القيم: "وقد أشكل هذا الحديث على الناس قديما وحديثا:

فقال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن صيام يوم السبت يفرد به، فقال: أما صيام يوم السبت يفرد به فقد جاء فيه ذلك الحديث حديث الصماء، يعني: حديث ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الله بن بسر، عن أخته الصماء، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم)).

قال أبو عبد الله: يحيى بن سعيد ينفيه، أبى أن يحدثني به، وقد كان سمعه من ثور، قال: فسمعته من أبي عاصم.

قال الأثرم: حجة أبي عبد الله في الرخصة في صوم يوم السبت أن الأحاديث كلها مخالفة لحديث عبد الله بن بسر:

منها حديث أم سلمة حين سئلت: أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر صياما لها؟ فقالت: السبت والأحد.

ومنها حديث جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوم الجمعة: ((أصمت أمس؟)) قالت: لا، قال: ((أتريدين أن صومي غدا؟!)) فالغد هو يوم السبت.

وحديث أبى هريرة: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة إلا مقرونا بيوم قبله أو يوم بعده، فاليوم الذي بعده هو يوم السبت.

وقال: ((من صام رمضان وأتبعه بست من شوال))، وقد يكون فيها السبت.

وحث على صيام الأيام البيض، وقد يكون فيها السبت، ومثل هذا كثير.

فقد فهم الأثرم من كلام أبي عبد الله أنه توقف عن الأخذ بالحديث، وأنه رخص في صومه، حيث ذكر الحديث الذي يحتج به على الكراهة، وذكر أن الإمام علل حديث يحيى بن سعيد وكان ينفيه وأبى أن يحدث به فهذا تضعيف للحديث.

واحتج الأثرم بما ذكر في النصوص المتواترة على صوم يوم السبت، يعني أن يقال: يمكن حمل النصوص الدالة على صومه على ما إذا صامه مع غيره، وحديث النهي على صومه وحده، وعلى هذا تتفق النصوص.

وهذه طريقة جيدة لولا أن قوله في الحديث: ((لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم)) دليل على المنع من صومه مفردا أو مضافا؛ لأن الاستثناء دليل التناول، وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض، ولو كان إنما يتناول صورة الإفراد لقال: لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده، كما قال في الجمعة، فلما خص الصورة المأذون في صومها بالفرضية علم تناول النهي لما قابلها.

وقد ثبت صوم يوم السبت مع غيره بما تقدم من الأحاديث وغيرها، كقوله في يوم الجمعة: ((إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده))، فدل على أنه غير محفوظ وأنه شاذ، وقد قال أبو داود: قال مالك: هذا كذب، وذكر بإسناده عن الزهري أنه كان إذا ذكر له النهي عن صيام يوم السبت يقول: هذا حديث حمصي، وعن الأوزاعي قال: ما زلت كاتما له حتى رأيته انتشر، يعني حديث ابن بسر هذا.

 وقالت طائفة منهم أبو داود:  هذا حديث منسوخ.

وقالت طائفة وهم أكثر أصحاب أحمد: محكم، وأخذوا به في كراهية إفراده بالصوم، وأخذوا بسائر الأحاديث في صومه مع ما يليه. قالوا: وجواب أحمد يدل على هذا التفصيل، فإنه سئل في رواية الأثرم عنه فأجاب بالحديث، وقاعدة مذهبه أنه إذا سئل عن حكم فأجاب فيه بنص يدل على أن جوابه بالنص دليل على أنه قائل به؛ لأنه ذكره في معرض الجواب، فهو متضمن للجواب والاستدلال معا، قالوا: وأما ما ذكره عن يحيى بن سعيد فإنما هو بيان لما وقع من الشبهة في الحديث، قالوا: وإسناده صحيح، ورواته غير مجروحين ولا متهمين، وذلك يوجب العمل به، وسائر الأحاديث ليس فيها ما يعارضه؛ لأنها تدل على صومه مضافا، فيحمل النهي على صومه مفردا كما ثبت في يوم الجمعة.

ونظير هذا الحكم أيضا كراهية إفراد رجب بالصوم، وعدم كراهيته موصولا بما قبله أو بعده، ونظيره أيضا ما حمل الإمام أحمد عليه حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبى هريرة في النهي عن الصوم بعد انتصاف شعبان، أنه النهي عن ابتداء الصوم فيه، وأما صومه مع ما قبله من نصفه الأول فلا يكره.

قالوا: وقد جاء هذا مصرحا به في صوم يوم السبت، ففي مسند الإمام أحمد من حديث ابن لهيعة حدثنا موسى بن وردان، عن عبيد الأعرج حدثتني جدتي يعني: الصماء أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السبت وهو يتغدى، فقال: ((تعالَي تغدي))، فقالت: إني صائمة، فقال لها: ((أصمت أمس؟)) قالت: لا، قال: ((كلي، فإن صيام يوم السبت لا لك ولا عليك)). وهذا وإن كان في إسناده من لا يحتج به إذا انفرد لكن يدل عليه ما تقدم من الأحاديث، وعلى هذا فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تصوموا يوم السبت)) أي: لا تقصدوا صومه بعينه إلا في الفرض، فإن الرجل يقصد صومه بعينه، بحيث لو لم يجب عليه إلا صوم يوم السبت كمن أسلم ولم يبق من الشهر إلا يوم السبت فإنه يصومه وحده.

 وأيضا فقصده بعينه في الفرض لا يكره، بخلاف قصده بعينه في النفل فإنه يكره ولا تزول الكراهة إلا بضم غيره إليه أو موافقته عادة، فالمزيل للكراهة في الفرض مجرد كونه فرضا لا المقارنة بينه وبين غيره، وأما في النفل فالمزيل للكراهة ضم غيره إليه أو موافقته عادة ونحو ذلك.

قالوا: وأما قولكم: إن الاستثناء دليل التناول إلى آخره، فلا ريب أن الاستثناء أخرج صورة الفرض من عموم النهي، فصورة الاقتران بما قبله أو بما بعده أخرجت بالدليل الذي تقدم، فكلا الصورتين مخرج، أما الفرض فبالمخرج المتصل، وأما صومه مضافا فبالمخرج المنفصل، فبقيت صورة الإفراد واللفظ متناول لها، ولا مخرج لها من عمومه، فيتعين حمله عليها.

ثم اختلف هؤلاء في تعليل الكراهة، فعللها ابن عقيل بأنه يوم يمسك فيه اليهود ويخصونه بالإمساك، وهو ترك العمل فيه، والصائم في مظنة ترك العمل، فيصير صومه تشبها بهم، وهذه العلة منتفية في الأحد.

ولا يقال: فهذه العلة موجودة إذا صامه مع غيره ومع هذا فإنه لا يكره، لأنه إذا صامه مع غيره لم يكن قاصدا تخصيصه المقتضي للتشبه، وشاهده استحباب صوم يوم قبل عاشوراء وبعده إليه، لتنتفي صورة الموافقة.

وعلله طائفة أخرى بأنه يوم عيد لأهل الكتاب يعظمونه، فقصده بالصوم دون غيره يكون تعظيما له فكره ذلك، كما كره إفراد يوم عاشوراء بالتعظيم لما عظمه أهل الكتاب، وإفراد رجب أيضا لما عظمه المشركون. وهذا التعليل قد يعارض بيوم الأحد فإنه يوم للنصارى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اليوم لنا، وغدا لليهود، وبعد غد للنصارى)) ومع ذلك فلا يكره صومه. وأيضا فإذا كان يوم عيد فقد يقال: مخالفتهم فيه يكون بالصوم لا بالفطر، فالصوم فيه تحقيق للمخالفة، ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما من حديث كريب مولى ابن عباس قال: أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أم سلمة أسألها: أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياما؟ فقالت: كان يصوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام، ويقول: ((إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم))، وصححه بعض الحفاظ، فهذا نص في استحباب صوم يوم عيدهم لأجل مخالفتهم، فكيف نعلل كراهة صومه بكونه عيدا لهم؟! وفي جامع الترمذي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس، قال الترمذي: حديث حسن، وقد روى ابن مهدي هذا الحديث عن سفيان ولم يرفعه. وهذان الحديثان ليسا بحجة على من كره إفراد السبت بالصوم.

وعلله طائفة بأنهم يتركون العمل فيه، والصوم مظنة ذلك، فإنه إذا ضم إليه الأحد زال الإفراد المكروه، وحصلت المخالفة بصوم يوم فطرهم، وزال عنها صورة التعظيم المكروه بعدم التخصيص المؤذن بالتعظيم، فاتفقت بحمد الله الأحاديث، وزال عنها الاضطراب والاختلاف، وتبين تصديق بعضها بعضا"([9]).

وقال الطحاوي: "ذهب قوم إلى هذا الحديث, فكرهوا صوم يوم السبت تطوعا، وخالفهم في ذلك آخرون, فلم يروا بصومه بأسا.

وكان من الحجة عليهم في ذلك أنه قد جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم الجمعة إلا أن يصام قبله يوم أو بعده يوم. وقد ذكرنا ذلك بأسانيده فيما تقدم من كتابنا هذا, فاليوم الذي بعده هو يوم السبت.

ففي هذه الآثار المروية في هذا إباحة صوم يوم السبت تطوعا, وهي أشهر وأظهر في أيدي العلماء من هذا الحديث الشاذ الذي قد خالفها.

وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء وحض عليه, ولم يقل: إن كان يوم السبت فلا تصوموه، ففي ذلك دليل على دخول كل الأيام فيه.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود عليه السلام, كان يصوم يوما ويفطر يوما))، وسنذكر ذلك بإسناده في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى. ففي ذلك أيضا التسوية بين يوم السبت وبين سائر الأيام.

وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا بصيام أيام البيض... وقد يدخل السبت في هذه كما يدخل فيها غيره من سائر الأيام، ففيها أيضا إباحة صوم يوم السبت تطوعا.

ولقد أنكر الزهري حديث الصماء في كراهة صوم يوم السبت, ولم يعده من حديث أهل العلم بعد معرفته به... سئل الزهري عن صوم يوم السبت فقال: لا بأس به، فقيل له: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في كراهته, فقال: ذاك حديث حمصي, فلم يعده الزهري حديثا يقال به, وضعفه.

وقد يجوز عندنا ـ والله أعلم إن كان ثابتا ـ أن يكون إنما نهي عن صومه لئلا يعظم بذلك فيمسك عن الطعام والشراب والجماع فيه كما يفعل اليهود، فأما من صامه لا لإرادة تعظيمه ولا لما تريد اليهود بتركها السعي فيه فإن ذلك غير مكروه.

فإن قال قائل: فقد رخص في صيام أيام بعينها مقصودة بالصوم, وهي أيام البيض, فهذا دليل على أن لا بأس بالقصد بالصوم إلى يوم بعينه، قيل له: إنه قد قيل: إن أيام البيض إنما أمر بصومها لأن الكسوف يكون فيها ولا يكون في غيرها, وقد أمرنا بالتقرب إلى الله عز وجل بالصلاة والعتاق ليلتَه وغير ذلك من أعمال البر عند الكسوف، فأمر بصيام هذه الأيام ليكون ذلك برا مفعولا بعقب الكسوف, فذلك صيام غير مقصود به إلى يوم بعينه في نفسه، ولكنه صيام مقصود به في وقت شكرا لله عز وجل لعارض كان فيه, فلا بأس بذلك.

كذلك أيضا يوم الجمعة إذا صامه رجل شكرا لعارض من كسوف شمس أو قمر أو شكرا لله عز وجل, فلا بأس بذلك, وإن لم يصم قبله ولا بعده يوما"([10]).

وقال في المنهاج: "(ويكره إفراد) يوم (الجمعة) بالصوم لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده))، ولكونه يوم عيد... (وإفراد السبت) أو الأحد بالصوم كذلك بجامع أن اليهود تعظم الأول، والنصارى تعظم الثاني، فقصد الشارع بذلك مخالفتهم, ومحل ما تقرر إذا لم يوافق إفراد كل يوم من الأيام الثلاثة عادة له، وإلا كأن كان يصوم يوما ويفطر يوما، أو يصوم عاشوراء أو عرفة، فوافق يوم صومه فلا كراهة كما في صوم يوم الشك، ذكره في المجموع, وهو ظاهر وإن أفتى ابن عبد السلام بخلافه, ويؤخذ من التشبيه أنه لا يكره إفرادهما بنذر وكفارة وقضاء، وخرج بـ(إفراد) ما لو صام أحدهما مع يوم قبله أو يوم بعده، فلا كراهة لانتفاء العلة؛ إذ لم يذهب أحد منهم لتعظيم المجموع, وقضية التعليل بالتقوي بالفطر في كراهة إفراده أنه لا فرق بين إفراده وجمعه, لكنه إذا جمعهما حصل له بفضيلة صوم غيره ما يجبر ما حصل فيه من النقص قاله في المجموع".

3- إذا نوى صيام عاشوراء مع قضاء أو نذر:

قال العراقي: "(ومنها) أن ينوي صوم عاشوراء مع قضاء أو نذر أو كفارة، فالقياس عدم الصحة، وأفتى شرف الدين البارزي بحصوله عنهما, وهو مشكل، أما إذا نوى في يوم عاشوراء الصيام عن نذر أو كفارة أو قضاء وأطلق، فالقياس حصول الفرض فقط، وأفتى البارزي بحصولهما, وهو بعيد وقال صاحب المهمات: القياس أن لا يصح لواحد منهما, وهو مردود أيضا، بل الصواب حصول الفرض فقط".

وجاء في أجوبة اللجنة الدائمة ما نصه: "إذا صام اليوم العاشر والحادي عشر من شهر محرم بنية قضاء ما عليه من الأيام التي أفطرها من شهر رمضان جاز ذلك، وكان قضاءً عن يومين مما عليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))"([11]).

4- هل يقضي من صام التاسع والعاشر ثم تبين له أنه ليس هو يوم عاشوراء؟

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "ليس عليه القضاء، وله الأجر إن شاء الله كاملا على حسب نيته، لأنه ظن أن هذا هو التاسع والعاشر حسب التقويمات، فله أجره إن شاء الله، وليس عليه قضاء، وله أجر صوم اليومين".

وفي حالة ما إذا تبين له في اليوم الثاني الذي ظنه العاشرَ أن غدا عاشوراء، فهل يواصل صيام ثلاثة أيام، قال الشيخ رحمه الله: "الأفضل له أن يواصل حتى يصوم العاشر يقينا، هذا هو الأفضل، وإن لم يصم فلا حرج، ويفوته صوم العاشر"([12]).


 

([1]) أخرجه مسلم  في الصيام (1134).

([2]) الاختيارات (ص 110).

([3])  فتح الباري (4/245-246).

([4])  تهذيب السنن (3/323-324).

([5])  زاد المعاد (2/76).

([6])  فتاوى اللجنة الدائمة (10/401).

([7])  فتاوى إسلامية (2/170) جمع المسند.

([8]) أخرجه أحمد (4/189)، وأبو داود في الصوم (2421)، والترمذي في الصوم (744)، والنسائي في الكبرى (2759)، وابن ماجه في الصيام (1726) وغيرهم.

([9]) تهذيب السنن (3/297-301)، وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/569-575).

([10]) شرح معاني الآثار (2/80-81).

([11]) فتاوى اللجنة الدائمة (10/402).

([12]) فتاوى إسلامية (2/170) جمع المسند.

 

.