الملف العلمي لعاشوراء

.

  عاشوراء : ثانياً: أيُّ الأيام هو؟                                                                 الصفحة السابقة                 الصفحة التالية   

 

ثانياً: أيُّ الأيام هو؟

اختلف أهل الشرع في تعيينه على قولين:

القول الأول: أنه اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وهو قول جماهير العلماء من السلف والخلف، وممن قال ذلك سعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك وأحمد وإسحاق وخلائق, وهذا ظاهر الأحاديث ومقتضى اللفظ([1]).

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء، يوم العاشر([2]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: ((عاشوراء يوم العاشر))([3]).

قال القرطبي: "هو في الأصل صفة لليلة العاشرة؛ لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم العقد واليوم مضاف إليها, فإذا قيل: يوم عاشوراء فكأنه قيل: يوم الليلة العاشرة, إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليه الاسمية، فاستغنوا عن الموصوف، فحذفوا الليلة، فصار هذا اللفظ علَما على اليوم العاشر"([4]).

وقال الزين بن المنير: "الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم, وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية"([5]).

القول الثاني: أنه اليوم التاسع من المحرم، وهو ظاهر قول ابن عباس رضي الله عنهما، وعليه يكون اليوم مضافا لليلته الآتية.

فعن الحكم بن الأعرج قال: انتهيت إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو متوسد رداءه في زمزم فقلت له: أخبرني عن يوم عاشوراء, قال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما, قلت: أهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه؟! قال: نعم([6]).

قال النووي: "هذا تصريح من ابن عباس بأن مذهبه أن عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم، ويتأوله على أنه مأخوذ من إظماء الإبل، فإن العرب تسمي اليوم الخامس من أيام   الورد ربعا، وكذا باقي الأيام على هذه النسبة فيكون التاسع عشرا"([7]).

وقيل: إنما سمي يوم التاسع عاشوراء أخذا من أوراد الإبل، كانوا إذا رعوا الإبل ثمانية أيام ثم أوردوها في التاسع قالوا: وردنا عِشرا بكسر العين, وكذلك إلى الثلاثة([8]).

وخرَّج الزين بن المُنَيِّر كلام ابن عباس فقال: "قوله: (إذا أصبحت من تاسعه فأصبح) يشعر بأنه أراد العاشر؛ لأنه لا يصبح صائما بعد أن أصبح من تاسعه إلا إذا نوى الصوم من الليلة المقبلة وهو الليلة العاشرة".

قال الحافظ ابن حجر: "ويقوِّي هذا الاحتمال ما رواه مسلم أيضا من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع))([9])، فمات قبل ذلك. فإنه ظاهر في أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم العاشر، وهمَّ بصوم التاسع، فمات قبل ذلك"([10]).

وذكر ابن القيم توجيها آخر لكلام ابن عباس، فقال ـ مستنبطا من قوله رضي الله عنهما: (صوموا التاسع والعاشر، وخالفوا اليهود) ـ: "وهو يبين أن قول ابن عباس: (إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، فإذا كان يوم التاسع فأصبح صائما) أنه ليس المراد به أن عاشوراء هو التاسع، بل أمره أن يصوم اليوم التاسع قبل عاشوراء. فإن قيل: ففي آخر الحديث قيل: كذلك كان يصومه محمد صلى الله عليه وسلم؟! قال: نعم، فدل على أن المراد به نقل الصوم لا صوم يوم قبله. قيل: قد صرح ابن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع))، فدل على أن الذي كان يصومه هو العاشر، وابن عباس راوي الحديثين معاً، فقوله كان يصومه محمد أراد به – والله أعلم – قوله: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) عزم عليه، وأخبر أنه يصومه إن بقي. قال ابن عباس: هكذا كان يصومه، وصدق رضي الله عنه، هكذا كان يصومه لو بقي، فتوافقت الروايات عن ابن عباس، وعلم أن المخالفة المشار إليها بترك إفراده، بل يصام يوم قبله أو يوم بعده"([11]).


 


([1]) انظر: شرح النووي على مسلم (8/12).

([2]) أخرجه الترمذي في الصوم (755) وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في صحيح السنن (603). وأخرج البزار عن عائشة رضي الله عنها مثله، قال الهيثمي في المجمع (3/189): "رجاله رجال الصحيح".

([3]) عزاه السيوطي في الجامع الصغير للدارقطني والديلمي ورمز له بالصحة، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3968).

([4]) انظر: فتح الباري (4/245).

([5]) انظر: فتح الباري (4/245).

([6]) أخرجه مسلم في الصيام (1133).

([7]) شرح النووي على مسلم (8/12).

([8]) انظر: فتح الباري (4/245).

([9])  أخرجه مسلم  في الصيام (1134).

([10])  فتح الباري (4/245).

([11])  تهذيب السنن (3/323-324).

 

.