الملف العلمي لعاشوراء

.

  الإيمان بأنبياء الله ورسله: ثامنًا:  تعريفات:       (عناصر البحث)             السابقة            

 

ثامنا: مسائل:

1- تفضيل الأنبياء والرسل بعضهم على بعض:

الأنبياء أفضل خلق الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: ((هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلاَّ النبيين والمرسلين. لا تخبرهما يا عليُّ))([1]).

فيؤخذ من الحديث أنّ الأنبياء والمرسلين أفضل الخلق، وأنّ أفضل رجلين بعدهم أبو بكرٍ وعمر رضي الله عنهما.

ومن هنا يُعرف ضلال قول من قال: إنّ خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء، وهو قولٌ ساقطٌ تغني حكايته عن مناقشته([2]).

والرسل بلا شكّ أفضل من الأنبياء، وهم بعد ذلك متفاضلون فيما بينهم قال تعالى: {تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَـٰتٍ وَءاتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَـٰتِ وَأَيَّدْنَـٰهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ} [البقرة: 253]، وأفضل الرسل هم أولو العزم الخمسة: محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام قال تعالى: {فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ} [الأحقاف:35]، وقد ذكرهم الله في أكثر من موضع فقال: {شَرَعَ لَكُم مّنَ ٱلِدِينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ} [الشورى: 13] وقال: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب:7]، وأفضل هؤلاء كلهم محمد بن عبد الله الرسول الأمي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا سيد القوم يوم القيامة)) ([3])، وفي رواية عند مسلم: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة)).

وهو صاحب الشفاعة العظمى كما في حديث أبِي هريرة وفيه: ((فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟!))([4])، فيشفع فيهم، فيشفعه الله تعالى.

وقد وردت في السنة نصوصٌ تنهى عن التفضيل بن الأنبياء لا تعارض النصوص القرآنية التي تدلّ على أنّ الله فضّل بعض الأنبياء على بعض وبعض المرسلين على بعض؛ لأنّ النهي في هذه الأحاديث ينبغي أن يحمل على التفضيل الذي يكون على وجه الحميّة والعصبية والانتقاص، أو كان مؤديًا إلى شيء من ذلك، برهان ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: استبَّ رجلان: رجلٌ من المسلمين ورجلٌ من اليهود. قال المسلم: والذي اصطفى محمدًا على العالمين. فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين. فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهوديّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فدعا النبيّ صلى الله عليه وسلم المسلمَ، فسأله عن ذلك، فأخبره. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تخيرونِي على موسى، فإنّ الناس يصعقون يوم القيامة، فأصعق معهم، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش جانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله))([5]).

قال ابن حجر: "قال العلماء في نَهيه صلى الله عليه وسلم عن التفضيل بين الأنبياء: إنّما نَهى عن ذلك مَن يقوله برأيه لا من يقوله بدليل، أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول، أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع. أو المراد: لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل، بحيث لا يترك للمفضول فضيلة"([6]).

وقال الحليمي: "الأخبار الواردة في النهي عن التخيير إنّما هي في مجادلة أهل الكتاب، وتفضيل بعض الأنبياء على بعض بالمخايرة؛ لأنّ المخايرة إذا وقعت بين أهل دينين لا يؤمن أن يخرج أحدهما إلى الازدراء بالآخر فيفضي إلى الكفر. فأمّا إذا كان التخيير مستندًا إلى مقابلة الفضائل لتحصيل الرجحان فلا يدخل في النهي"([7]).

2- نبوة النساء:

ذهب أبو الحسن الأشعري وابن حزم الظاهري وغيرهما إلى نبوة مريم عليها السلام، واختلفوا فيما بينهم في نبوة غيرها من النساء الوارد ذكرهنّ في القرآن كحواء وسارة وهاجر وأمّ موسى وآسية امرأة فرعون([8]).

وأجابوا عن قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ} [الأنبياء: 7] بأنّهم لا يخالفون مفهومها، فالرسالة للرجال، أمّا النبوة فلا يشملها النصّ القرآنِي، وليس لازمًا من النبوة التبليغ، بل النبوة تكون قاصرة على صاحبها يعمل بِها، ولا يحتاج إلى أن يبلغها إلى الآخرين.

واستدلّ أصحاب هذا الرأي بأدلة، منها:

- أنّ الله أوحى إلى بعض النساء، فأوحى إلى أمّ موسى قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى ٱليَمّ وَلاَ تَخَافِى وَلاَ تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَـٰعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ} [القصص:7]، وأرسل جبريل إلى مريم فبلَّغها عن الله أمره قال تعالى: {فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِم حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً Q قَالَتْ إِنّى أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً R قَالَ إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ لأهَبَ لَكِ غُلَـٰماً زَكِيّاً} [مريم:17-19]. فأبو الحسن يرى أنّ كل من جاءه الملك عن الله تعالى بحكم من أمر أو نَهي أو بإعلام فهو نبيّ، وقد تحقق في أمّ موسى ومريم شيءٌ من هذا.

- واستدلوا باصطفاء الله تعالى لمريم قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَاء ٱلْعَـٰلَمِينَ } [آل عمران:42].

- واستدلوا أيضًا بحديث أبِي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلاَّ آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران. وإنَّ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام))([9]). قالوا: الذي يبلغ مرتبة الكمال هم الأنبياء.

وأجيبوا بأنّ هذه الأدلة لا تنهض لإثبات نبوة النساء، وذلك من وجوه:

الأول: أننا لا نسلم أنّ النبيّ غير مأمور بالتبليغ والتوجيه ومخالطة النّاس، والمحتار أن لا فرق بين النبيّ والرسول في هذا، وأنّ الفرق واقعٌ في كون النبيّ مرسل بتشريع رسول سابق، وإذا كان ذلك كذلك فإنّ أعباء التبليغ لا تقوى عليها النساء، فلا تقوم بحقّ النبوة.

الثانِي: قد يكون وحي الله إلى هؤلاء النساء أم موسى وآسية إنّما وقع منامًا، فقد علمنا أنّ من الوحي ما يكون منامًا، وهذا يقع لغير الأنبياء.

الثالث: لا نسلم قولهم أنّ كل من خاطبته الملائكة فهو نبيّ، ففي حديث أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ رجلاً زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها؟ قال: لا، غير أنّي أحببته في الله عزّ وجلّ. قال: فإنِّي رسول الله إليك بأنّ الله قد أحبَّك كما أحببته فيه([10]).

الرابع: أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم توقف في نبوة ذي القرنين مع إخبار القرآن بأنّ الله أوحى إليه: {قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} [الكهف: 86].

الخامس: لا حجّة لهم في النصوص الدالة على اصطفاء الله لمريم، فالله قد صرّح بأنّه اصطفى غير الأنبياء: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرٰتِ} [فاطر: 32]، واصطفى آل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ومن آلهما من ليس بنبي جزمًا فقال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرٰهِيمَ وَءالَ عِمْرٰنَ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ} [آل عمران:33].

السادس: لا يلزم من لفظ الكمال الوارد في الحديث الذي احتجّوا به النبوة، لأنّه يطلق لتمام الشيء، وتناهيه في بابه، فالمراد بلوغ النساء الكاملات النهاية في جميع الفضائل التي للنساء، وعلى ذلك فالكمال هنا كمال غير الأنبياء.

السابع: ورد في بعض الأحاديث النصّ على أنّ خديجة من الكاملات([11])، وهذا يبيِّن أنّ الكمال هنا ليس كمال النبوة.

وهذا هو الراجح في المسألة أنّه لم يثبت نبوة أحدٍ من النساء، والأدلة الواردة غير كافية، والآية نصّ في عدم إرسال الله لأي امرأة أبدًا، والتعريف المختار للنبيّ لا يتحقق في المرأة، وقد قال الحسن البصري رحمه الله: "ليس في النساء نبيّة، ولا في الجنّ"([12]).

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


([1])  أحمد (1/80)، والترمذي في المناقب، باب في مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه (3664)، وابن ماجه في المقدمة، باب فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (95)، قال أبو عيسى: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه"، وصححه ابن حبّان من حديث أبي جحيفة (6904).

 

.