الملف العلمي لعاشوراء

.

  الإيمان بأنبياء الله ورسله: سابعًا:  فوائد متنوعة:       (عناصر البحث)        السابقة             التالية   

 

سابعا: فوائد متنوعة:

1- أنواع الوحي:

الوحي يأتي على صور هي:

أ- الإلقاء في الروع:

الإلقاء في روع النبيِّ الموحى إليه ـ بحيث لا يمتري النبيّ في أنّ الذي ألقي في قلبه من الله تعالى ـ نوعٌ من أنواع الوحي، كما جاء في صحيح ابن حبّان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ((إنّ روح القدس نفث في روعي: إنّ نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب))([1]).

ب- الرؤيا الصادقة:

رؤيا الأنبياء وحي، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (رؤيا الأنبياء وحي)([2])، وقال عبيد بن عمير: "رؤيا الأنبياء وحي، ثم قرأ: {إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ} [الصافات:102]"([3]).

وقال القرطبيُّ: "كانت الرسل يأتيهم الوحي من الله تعالى أيقاظًا ورقودًا، فإنّ الأنبياء لا تنام قلوبُهم، وهذا ثابت في الخبر المرفوع، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّا معاشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا))([4])، وقال ابن إسحاق: رؤيا الأنبياء وحيٌّ. واستدل بِهذه الآية"([5]).

وممّا أوحي إلى النبيِّ صلى الله عليه سلم في المنام من القرآن سورة الكوثر، عن أنس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: ((أًنزِلت علي آنفًا سورةٌ))، فقرأ: بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ {إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ (1) فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ} [سورة الكوثر]، ثم قال: ((أتدرون ما الكوثر؟)). فقلنا: الله ورسوله أعلم. قال: ((إنّه نَهر وعدنيه ربِّي عزّ وجلّ عليه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم، فيختلج العبد منهم، فأقول: ربِّ إنّه من أمتي. فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك))([6]).

قال النوويُّ: "قوله: (أغفى إغفاءة) أي: نام"([7]).

وقال الثعالبيُّ: "الإغفاء هو النوم الخفيف"([8]).

ج- تكليم الله لرسله من وراء حجاب:

    وهو الذي عناه الله بقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [الشورى: 51]، وقد كلَّم الله آدم عليه السلام قال تعالى: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ V قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ} [الأعراف:23]، وكلَّم موسى عليه السلام قال تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِىَ يٰمُوسَىٰ (11) إِنّى أَنَاْ رَبُّكَ فَٱخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِى أَنَا ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِى} [طه:11-14]، وكلَّم نبيَّنا محمَّدًا صلى الله عليه وسلم لَمَّا عُرِج به إلى السماء([9]).

د- الوحي عن طريق الملك:

    وهو ما عناه الله تعالى في قوله: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء} [الشورى: 51]، ولهذه الصورة ثلاث أحوال:

الحال الأولى: أن يراه الرسول على هيئته التي خلقه الله عليها، قال جابر بن عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي: ((فبينا أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء، فرفعت بصري قِبَل السماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء، قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجئثت منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي، فقلت: زملوني زملوني فزملوني. فأنزل الله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ (2)  وَرَبَّكَ فَكَبّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهّرْ (4) وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ}))([10]).

الحال الثانية: أن يأتيه الوحي في مثل صلصلة الجرس، فيذهب عنه وقد وعى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم ما قال، وهو أشد ما كان يلقاه النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي، قال الحارث بن هشام رضي الله عنه: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشدُّه علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال. وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلاً، فيكلمني فأعي ما يقول))، قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينْزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإنَّ جبينه ليتفصد عرقًا([11]).

الحال الثالثة: أن يتمثل له الملك رجلاً، فيكلمه ويخاطبه، ويعي عنه ما قال، وهذه أخف الأحوال على الرسول صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث عائشة في بدء الوحي([12])، وكما في حديث جبريل المشهور في سؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان.

2- عدد الأنبياء والرسل:

لم يرد في الباب إلاّ حديث أبِي ذر المتقدم: ((ثلاثمائة وبضعة عشر جمًّا غفيرًا))، وفي رواية: ((مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، الرسل من ذلك: خمسة عشر جمًّا غفيرًا))، وهو متنازع في صحته([13]).

وأمّا أنّهم جمٌّ غفيرٌ لا يحصيهم إلاّ الله فهو الحقّ الذي لا مرية فيه، قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ بِٱلْحَقّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:24]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر:78].

3- أولو العزم من الرسل:

قال محمد خليل هرّاس: "المشهور أنّهم محمّد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح؛ لأنّهم ذُكِروا معًا في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: 7]، وقوله: {شَرَعَ لَكُم مّنَ ٱلِدِينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} [الشورى:13]"([14]).

4- الأنبياء العرب:

جاء في حديث أبِي ذر الطويل: ((وأربعة من العرب: هود وشعيب وصالح ونبيك محمد صلى الله عليه وسلم))([15]).

والحديث لا يصحّ، والله أعلم.

5- حاجة العباد إلى بعث الرسل وإرسالهم:

الحاجة إلى إرسال الرسل وبعثهم عظيمة، قال ابن القيّم: "فإنّه لا سبيل إلى السعادة والفلاح لا في الدنيا ولا في الآخرة إلاَّ على أيدي الرسل. ولا سبيل إلى معرفة الطيب والخبيث على التفصيل إلاَّ من جهتهم. ولا ينال رضا الله ألبتة إلاَّ على أيديهم. فالطيِّب من الأعمال والأقوال والأخلاق ليس إلاَّ هديُهم، وما جاءوا به. فهم الميزان الراجح الذي على أقوالهم وأعمالهم وأخلاقهم توزن الأقوال والأخلاق والأعمال. وبمتابعتهم يتميز أهل الهدى من أهل الضلال. فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتِها. فأيُّ ضرورة وحاجة فُرِضت فضرورة العبد وحاجته إلى الرسل فوقها بكثير، وما ظنّك بمن إذا غاب عنك هديه وما جاء به طرفة عين فسد قلبك، وصار كالحوت إذا فارق الماء ووضع في المقلاة. فحال العبد عند مفارقه قلبه لما جاء به الرسل كهذه الحال، بل أعظم. ولكن لا يحسّ بِهذا إلاّ قلب حي، و ما لجرح بميت إيلام، وإذا كانت سعادة العبد في الدارين معلقة بِهدي النبيّ فيجب على كل من نصح نفسه، وأحبّ نجاتَها وسعادتَها أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به، ويدخل به في عداد أتباعه وشيعته وحزبه. والناس في هذا بين مستقل ومستكثر ومحروم، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم"([16]).

6- مقتضى بشرية الأنبياء والرسل:

أنبياء الله ورسله بشر كسائر البشر، اصطفاهم الله تعالى وفضلهم وكرمهم بالوحي إليهم، ومن مقتضى بشريتهم:

أ- أنهم يتعرضون للبلاء كسائر البشر:

فيتعرضون للسجن كما سجن يوسف عليه السلام قال تعالى: {فَلَبِثَ فِى ٱلسّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف:42]، ويُقتَلون كما كانت بنو إسرائيل تفعل بأنبيائها قال تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87]، وتصيبهم اللأواء والأدواء كما ابتلى الله نبيَّه أيوب عليه السلام: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83]، بل هم أشدّ النّاس بلاءً، فعن سعد بن أبِي وقاص قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه. فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة))([17]).

ب- أنهم يشتغلون بأعمال البشر:

كانوا يمارسون الأعمال التي يمارسها البشر، فاشتغل النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالتجارة قبل البعثة، واشتغل كذلك برعي الغنم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نجني الكَبَاث([18])، وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((عليكم بالأسود منه، فإنّه أطيبه)). قالوا: أكنت ترعى الغنم؟ قال: ((وهل من نبيٍّ إلاَّ وقد رعاها؟!))([19]).

وكان داود عليه السلام حدادًا يصنع الدروع قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَـٰكِرُونَ} [الأنبياء:80].

ج- ليس فيهم شيء من خصائص الألوهية والملائكية:

من مقتضيات كونِهم بشرًا أنّهم ليسوا بآلهة، وليس فيهم من صفات الألوهية شيءٌ، ولذلك فإنّ الرسل يتبرؤون من الحول والطول ويعتصمون بالله الواحد الأحد، ولا يدَّعون شيئًا من صفات الله تعالى قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَءنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَـٰنَكَ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ} [المائدة:116]، وقال الله تعالى لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً} [الإسراء:93].

7- الخطأ في إصابة الحقّ منهم لا ينقض عصمتهم:

الأنبياء والرسل يجتهدون في حكم ما يعرض عليهم في القضاء من وقائع، ويحكمون وفق ما يبدو لهم، فهم لا يعلمون الغيب، وقد يخطئون في إصابة الحقّ، فمن ذلك عدم إصابة داود عليه السلام في الحكم، وتوفيق الله لابنه سليمان في تلك المسأٍلة، عن أبِي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كانت امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب، فذهب بابن إحداهما. فقالت صاحبتها: إنّما ذهب بابنك. وقالت الأخرى: إنّما ذهب بابنك. فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقُّه بينهما. فقالت الصغرى: لا تفعل ـ يرحمك الله ـ هو ابنها. فقضى به للصغرى))([20]).

وعن أم سلمة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنّما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حقّ أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنّما أقطع له قطعة من النار))([21]).

ولا يناقض هذا القولَ بعصمة الأنبياء من الخطأ في التبليغ عن لله تعالى، لأنهم لا يقَرُّون على ذلك.

8- اليهود والنصاري ينسبون القبائح إلى الأنبياء([22]):

ينسب اليهود إلى الأنبياء والمرسلين أعمالاً قبيحة، فمن ذلك:

ـ أنّ نبيّ الله هارون صنع عجلاً، وعبده مع بني إسرائيل. (إصحاح 32/1 من سفر الخروج).

والقرآن يقصّ علينا أنّ من صنع ذلك هو السامريّ، وأنّ هارون أنكر ذلك أعظم الإنكار قال تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَـٰرُونُ مِن قَبْلُ يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِى وَأَطِيعُواْ أَمْرِى} [طـه:90].

ـ أنّ إبراهيم خليل الرحمن قدّم امرأته سارة إلى فرعون حتى ينال الخير بسببها. (إصحاح 12/14 من سفر التكوين).

وقد قصّ الرسول صلى الله عليه وسلم هذه القصة عن إبراهيم عند دخوله مصر، وفيها أنّ ملك مصر كان طاغية، وكان إذا وجد امرأة جميلة ذات زوجٍ قتل زوجها، وحازها لنفسه، فلما سئل إبراهيم عنها قال: هي أخته، يعني أخته في الإسلام، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنّ الله حفظ سارة عندما ذهبت إلى الطاغية، فلم يمسها بأذى، وأخدمها جارية، هي هاجر أم العرب المستعربة([23]).

ـ ومن ذلك أنّ لوطًا عليه السلام شرب خمرًا حتى سكر، ثم قام على ابنتيه فزنا بِهما الواحدة بعد الأخرى. (إصحاح 19/30 من سفر التكوين).

ومعاذ الله أن يكون هذا النبيّ الكريم على الله أن يفعل ذلك، وهو قضى عمره يدعو إلى الفضيلة ويحارب الرذيلة.

ـ وورد في إنجيل متى أنّ عيسى من نسل سليمان بن داود وأن جدهم فارض الذي هو من نسل الزنَا من يَهوذا بن يعقوب. (إصحاح متى الأول/10).

ـ وفي إصحاح يوحنا الإصحاح الثانِي/4 أنّ يسوع أهان أمّه في وسط جمعٍ من الناس، فأين هذا ممّا وصفه القرآن: {وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّاراً شَقِيّا} [مريم:32].

9- كرامات الأولياء:

من أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء، وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات([24]).

وقد أنكر الإمام أحمد على الذين نفوا كرامات الأنبياء ولم يصدقوا بِها، وضلَّلهم([25]).

ومن حكمة إجراء الله هذه الأمور الخارقة للعادة إكرامًا لهم لصلاحهم وقوة إيمانِهم، وقد يكون سدًا لحاجاتِهم، أو نصرة لدينه، ورفعةً لكلمته، وإحقاقًا للحقّ وإبطالاً للباطل.

قال شيخ الإسلام: "وأمَّا كرامات الأولياء؛ فهي أيضًا من آيات الأنبياء، فإنّها إنّما تكون لمن تشهد لهم بالرسالة، فهي دليل على صدق الشاهد لهم بالنبوة. وأيضًا فإنّ كرامات الأولياء معتادة من الصالحين، ومعجزات الأنبياء فوق ذلك، فانشقاق القمر والإتيان بالقرآن وانقلاب العصا حية وخروج الدابة من صخرة لم يكن مثله للأولياء. وكذلك خلق الطير من الطين، ولكن آياتِهم صغار وكبار، كما قال تعالى: {فأراه الآية الكبرى} [النازعات:20]، فلله تعالى آية كبيرة وصغيرة، وقال عن نبيِّه محمّد: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [النجم:18]، فالآيات الكبرى مختصة بِهم، وأمَّا الآيات الصغرى فقد تكون للصالحين، مثل تكثير الطعام، فهذا قد وجد لغير واحد من الصالحين، لكن لم يوجد كما وُجِد للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أنّه أطعم الجيش من شيء يسير"([26]).

وقال: "ومن أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء، وما يُجري اللهُ على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات"([27]).

ومن ذلك: تسخير الله فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء لمريم عليها السلام: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37].

والنور الذي جعله الله في عصا كلٍّ من أسيد بن الحضير وعباد بن بشر، تحدثا عند النبيّ صلى الله عليه وسلم([28]).

والأمر الخارق للعادة ليس دليلاً على الكرامة، ولا فضيلة من جرت على يديه، قال أبو علي الجوزجانِي: "كن طالبًا للاستقامة، لا طالبًا للكرامة، فإنّ نفسك منجبلة على طلب الكرامة، وربّك يطلب منك الاستقامة، قال بعض من فهم قوله: وهذا أصلٌ عظيمٌ كبيرٌ في الباب، وسرٌّ غفل عن حقيقته كثير من أهل السلوك والطلاب"([29]).

وهذه الاستقامة هي الفيصل بين الكرامة والأحوال الشيطانية، وإلاّ فإن الخوارق قد تظهر علي يد الفسّاق والفجّار، كما تظهر على أيدي السحرة والمشعوذين، وللمسيح الدجال في آخر الزمان نصيب كبير من ذلك ولذا قال غيو واحد من السلف: رأيتم الرجل يمشي على الماء، ويطير في الهواء فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة([30]).


([4])  أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/171) عن عطاء مرسلاً، وأخرج الحاكم (2/468) عن أنس رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه، ولا ينام قلبه، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".

 

.