الملف العلمي لعاشوراء

.

  الإيمان بأنبياء الله ورسله: سادسًا:  تعريفات:       (عناصر البحث)        السابقة             التالية   

 

سادسا: وظائف الأنبياء والرسل:

1- البلاغ المبين:

الرسل سفراء الله إلى عباده وحملة وحيه، ومهمتهم الأولى هي إبلاغ هذه الأمانة التي تحمَّلوها إلى عباد الله قال تعالى: {ٱلَّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالـٰتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً} [الأحزاب:39].

ومن البلاغ أن يوضح الرسول ما أنزله الله لعباده، لأنّه أقدر من غيره على التعرف على معانيه ومراميه، وأعرف من غيره بمراد الله من وحيه، وفي ذلك يقول الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل:44]، وكان الرسل يبيِّنون وحيَ الله تعالى بأقوالهم وأفعالهم، حتى تمثل ما جاؤوا به في أفعالهم، وقد أجابت عائشة مَن سألها عن خلق النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بقولها: ألستَ تقرأ القرآن؟! قال: بلى، قالت: فإنّ خلق نبيِّ الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن([1]).

وهم لا يملكون حمل النّاس على قبول دعوتِهم، وإنّما عليهم البلاغ المبين، قال تعالى: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ} [القصص:56]، وقال تعالى: {وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ} [المائدة:92].

2- الدعوة إلى توحيد الله تعالى:

لا تقف مهمة الرسل عند بيان الحقِّ وإبلاغه، بل عليهم دعوة النّاس إلى الأخذ بدعوتِهم والاستجابة لها، وتحقيقها في أنفسهم اعتقادًا وقولاً وعملاً([2])؛ لأنّه لا بدّ من تعليم النّاس الطريقة الصحيحة لعبادة الله تعالى كما شرعها سبحانه، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]، وقد بذلت الرسل في سبيل دعوة النّاس جهودًا عظيمة جدًا، وهذا نبيُّ الله نوح قضى تسعمائة وخمسين سنة يدعو قومه إلى عبادة الله، واستخدم في دعوته لهم كل الطرق وشتّى الوسائل، قال تعالى: {قَالَ رَبّ إِنّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلاً وَنَهَاراً (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِى إِلاَّ فِرَاراً (6) وَإِنّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُواْ أَصَـٰبِعَهُمْ فِى ءاذٰنِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً (7) ثُمَّ إِنّى دَعَوْتُهُمْ جِهَـٰراً (8) ثُمَّ إِنّى أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} [نوح:5-9]، ومع ذلك أخبر الله أنّه لم يؤمن معه إلاّ قليل: {وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} [هود:40].

3- التبشير والإنذار:

التبشير والإنذار اقترنا بدعوة الرسل، قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [الأنعام: 48].

وتبشير الرسل وإنذارهم دنيوي وأخروي، فهم في الدنيا يبشرون الطائعين بالحياة الطيبة، {مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل:97]، ويعدونَهم بالعزّ والتمكين والأمن {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلأرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً} [النور:55].

ويُخوِّفون العصاة بالشقاء الدنيوي، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} [طه:124]، ويخوِّفون المجرمين والعصاة عذاب الله في الآخرة: {وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَـٰلِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء:14].

4- إصلاح النفوس وتزكيتها:

بعث الله الرسل ليخرجوا النّاس من الظلمات إلى النور، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ} [إبراهيم: 5]، ولا يتحقق ذلك إلاّ بتعليمهم تعاليم ربِّهم وتزكية نفوسهم بتعريفهم بربِّهم وأسمائه وصفاته، وتعريفهم بملائكته وكتبه ورسله، وتعريفهم ما ينفعهم وما يضرّهم، ودلالتهم على السبيل التي توصلهم إلى محبته، وتعريفهم بعبادتِه.

وقال تعالى: {هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلأُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَلٍ مُّبِينٍ} [الجمعة:2].

قال القرطبيّ: "أي يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان"([3]).

وقال البيضاويّ: "يطهرهم من دنس الطباع، وسوء الاعتقاد والأعمال"([4]).

5- تقويم الفكر المنحرف والعقائد الزائفة:

الأصل في فطرة الإنسان أنّه قابل للتوحيد، لو تُرك لم يختر سواه، ولكن النّاس انحرفوا لأسباب شتّى، قال تعالى: {كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيّينَ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [البقرة:213]، وفي الحديث: ((وإنِّي خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين))([5]).

قال ابن عبّاس: (كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين)([6]).

6- إقامة الحجّة:

من الغايات التي أرسل الله الرسل لأجلها إقامة الحجّة على عباده، حتى لا يبقى للنّاس حجّة يوم القيامة قال تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ} [النساء:165].

قال ابن كثير: "أي: أنّه تعالى أنزل كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة، وبيَّن ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه لئلا يبقى لمعتذر عذرٌ، كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَـٰهُمْ بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءايَـٰتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى} [طه:134]"([7]).

وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((وليس أحد أحبَّ إليه العذر من الله، من أجل ذلك أنزل الكتاب، وأرسل الرسل))([8]).

7- سياسة الأمّة:

الذين يستجيبون للرسل يكوِّنون أمّة تحتاج إلى من يسوسها ويقودها ويدبِّر أمورها، والرسل هم خير من يقومون بِهذه المهمة في حال حياتِهم، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ} [المائدة:48]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلّما هلك نبيٌّ قام نبيٌّ))([9]).

ولذلك أوجب الله طاعة رسله والتحاكم إليهم، والرضا بقضائهم قال تعالى: {فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً} [النساء:65].

قال ابن كثير: "يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنّه لا يؤمن أحد حتى يُحكِّم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور. فما حكم به فهو الحقّ الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا، ولهذا قال: {لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً} أي: إذا حكَّموك يطيعونك في بواطنهم، فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلِّمون لذلك تسليمًا كليًّا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة"([10]).


 

 

.