الملف العلمي لعاشوراء

.

  الإيمان بأنبياء الله ورسله: ثالثًا: الإيمان بالأنبياء والرسل:    (عناصر البحث)     السابقة        التالية   

 

ثالثا: الإيمان بالأنبياء والرسل:

الإيمان بالرسل والأنبياء أصلٌ من أصول الدين، ولا يتمّ إيمانُ أحدٍ إلاّ بالإيمان بجميعهم على سبيل الإجمال، وبمن عرفنا اسمه منهم على وجه التفصيل.

قال محمّد خليل هرّاس: "وعلينا أن نؤمن تفصيلاً بمن سمَّى الله في كتابه منهم، وهم خمسة وعشرون، ذكرهم الشاعر في قوله:

فِي {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا} منـهم ثمانيـة         من بعد عشـرٍ ويبقى سـبعـة وهمُ

إدريـسُ هـودُ شعيبٌ صالحٌ وكذا       ذو الكفـلِ آدمُ بالمختـارِ قد خُتِمُوا

وأمّا ما عدا هؤلاء من الرسل والأنبياء فنؤمن بِهم إجمالاً على معنى الاعتقاد بنبوتِهم ورسالتهم، دون أن نكلِّف أنفسنا البحثَ عن عدَّتِهم وأسمائهم، فإنّ ذلك ممّا اختصّ الله بعلمه؛ قال تعالى: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَـٰهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} [النساء:164]"([1]).

1- الأنبياء والرسل المذكورون في القرآن:

تقدَّم أنّ الله ذكر في كتابه خمسةً وعشرين نبيًّا بأسمائهم، وهم: آدم ونوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وإدريس وذو الكفل وداود وسليمان وأيوب ويوسف ويونس وموسى وهارون وإلياس واليسع وزكريا ويحيى وعيسى ومحمّد عليهم جميعًا أفضل الصلاة والسلام.

2- الأنبياء والرسل المذكورون في السنة:

1- شيث:

قال ابن كثير: "وكان نبيًّا بنصّ الحديث الذي رواه ابن حبّان في صحيحه عن أبِي ذرّ مرفوعًا أنّه أنزل عليه خمسون صحيفة"([2]).

2- يوشع بن نون:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غزا نبيٌّ من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجلٌ قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بِها ولَمَّا يبْنِ، ولا آخر قد بنى بنيانًا ولم يرفع سقفها، ولا آخر قد اشترى غنمًا أو خلِفاتٍ، وهو ينتظر أولادها، فغزا فدنا من القرية حين صلى العصر أو قريبًا من ذلك، فقال للشمس: أنتِ مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها عليَّ شيئًا))([3]).

والدليل على أنّ هذا يوشع بن نون قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الشمس لم تحبس إلاّ ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس))([4]).

3- المختلف في نبوتهم:

1- ذو القرنين:

ورد ذكر ذي القرنين في آخر سورة الكهف، وممّا أخبر الله به أنّه خاطبه فقال تعالى: {قُلْنَا يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} [الكهف: 86]، فكيف كان هذا الخطاب: هل كان معه نبيٌّ؟ أو كان هو نبيًّا؟ اختلف أهل العلم في ذلك:

فجزم بنبوته الفخر الرازي، قال ابن حجر: "وهو مرويٌّ عن عبد الله بن عمرو، وعليه ظاهر القرآن"([5]).

وذهب إلى أنّ ذا القرنين ملِكٌ صالحٌ وليس بنبيٍّ عليّ بن أبِي طالب رضي الله عنه([6]).

والراجح فيه أن يتوقَّف في القول بنبوتِه؛ لأنّه صحّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ((ما أدري ذا القرنين نبيًّا أم لا؟...)) الحديث([7]).

2- تُبَّع:

ورد ذكر تبَّع في القرآن الكريم، قال تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَـٰهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} [الدخان:37]، وقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَـٰبُ ٱلرَّسّ وَثَمُودُ (12) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوٰنُ لُوطٍ (13) وَأَصْحَـٰبُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} [قّ:12-14]، فقوم نوح وإخوان لوط نسبة أقوامٍ إلى أنبيائهم، فهل قوم تبّع من نفس الباب، فيكون تبَّع نبيًّا من الأنبياء بعث إلى قومٍ فكذبوه فأهلكهم الله أم أنّ الإضافة فيه كالإضافة في قوله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} [الدخان:17]؟

والراجح أنّه لم يكن نبيًّا، وقد حصل الشكّ فيه من النبيّ صلى الله عليه وسلم: هل لُعِن كما لُعِن قومُه أم لا؟ قال صلى الله عليه وسلم: ((ما أدري أتبعٌَّ لَعِينا كان أم لا؟)) الحديث([8]).

3- الخضر:

الخضر هو العبد الصالح الذي رحل إليه موسى ليطلب منه علمًا كما حكى الله ذلك في سورة الكهف([9])، ذهب عددٌ من أهل العلم إلى أنّ الخضر نبيٌّ من الأنبياء، وقالوا بأنّ سياق القصة يدلّ على نبوته من وجوه:

الأول: قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مّنْ عِبَادِنَا ءاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا} [الكهف:65]، والرحمة هي النبوة، قال ابن عبّاس: (أعطيناه الهدى والنبوة)([10])، قال البيضاويّ: "{ءاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مّنْ عِندِنَا} هي الوحي والنبوة"([11])، وقال القرطبيّ: "الرحمة في هذه الآية: النبوة. وقيل: النعمة"([12]).

الثانِي: قول موسى له: {قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلّمَنِ مِمَّا عُلّمْتَ رُشْداً (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً (68) قَالَ سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِى لَكَ أمْراً (69) قَالَ فَإِنِ ٱتَّبَعْتَنِى فَلاَ تَسْأَلْنى عَن شَىء حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} [الكهف:66-70]، فهذا موسى ـ من عصمه الله بالنبوة ـ لا يرضى أن يتبع الخضر اتباعًا مطلقًا إلاّ إذا كان يعلم أنّ الخضر نبيٌّ معصوم، لا يفعل إلاّ بوحيٍ من الله.

الثالث: قتل الخضر للغلام، ففيه إزهاق نفس، والفِراسة ليست حجّة لقتل النفس، فلا بدّ أنّ ذلك كان بوحيٍ من الله تعالى.

الرابع: تفسير الخضر لموسى بأنّ أفعاله كانت بوحيٍ من الله تعالى: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى} [الكهف:82]، قال الطبريّ: "يقول: وما فعلت ـ يا موسى ـ جميع الذي رأيتني فعلته عن رأيي ومن تلقاء نفسي، وإنّما فعلته عن أمر الله إياي به"([13]).

4- الأسباط:

ذكَر الله تعالى الأسباطَ وهم أبناء يعقوب، وهم اثنا عشر رجلا، ولم يخبر بأسمائهم، ولا يُعرف منهم أحدٌ باسمه جزمًا غير يوسف عليه السلام، قال تعالى: {قُولُواْ ءامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:136].

قال الحافظ ابن حجر: "إخوة يوسف: رُوبِيل وهو أكبرهم, وشمعون، ولاوي, ويهوذا, وداني, ونفتالي، وكاد, وأشير، وأيساجر, ورايلون, وبنيامين، وهم الأسباط. وقد اختلف فيهم فقيل: كانوا أنبياء, ويقال: لم يكن فيهم نبيّ وإنّما المراد بالأسباط قبائل من بني إسرائيل, فقد كان فيهم من الأنبياء عدد كثير"([14]).


([4])  أحمد في المسند (2/325)، وإسناده صحيحٌ على شرط البخاري؛ فمِن رواته أبو بكر بن عيّاش من رجال البخاري دون مسلم، وباقي رجاله رجال الشيخين. قال ابن كثير في البداية (1/323): "انفرد به أحمد من هذا الوجه، وهو على شرط البخاري".

([8])  أبو داود في السنة، باب التخيير بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (4054)، والحاكم في المستدرك (2/17)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (8/329) من حديث أبِي هريرة رضي الله عنه. وصححه الألبانِي في صحيح سنن أبِي داود (3908). وقع في بعض روايات الحاكم (1/92)، «ما أدري أتبع نبيًّا كان أم لا؟»، ولعله تصحيف، فهو معارض للرواية الأخرى، والتي أخرجها البيهقي من طريقه على الصواب كرواية أبِي داود: «ما أدري تبع ألَعينًا كان أم لا؟». انظر: السلسلة الصحيحة (5/253).

([9])  أخرج أحمد (5/122) من حديث ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «بينما موسى جالس في ملإ من بني إسرائيل، فقال له رجل: هل أحد أعلم بالله تبارك وتعالى منك؟ قال: ما أرى. فأوحى الله إليه: بلى عبدي الخضر. فسأل السبيل إليه...» الحديث.

 

.