الملف العلمي لعاشوراء

.

  الإيمان بأنبياء الله ورسله: ثانيًا:  قواعد في هذا الباب : (عناصر البحث)     السابقة    التالية 

 

ثانيا: قواعد في هذا الباب:

1- النبوة لا تثبت إلا بدليل صحيح:

يذكر علماء التفسير والسِّيَر أسماءَ كثيرٍ من الأنبياء نقلاً عن بني إسرائيل، أو اعتمادًا على أقوالٍ لم تثبت صحتها، فهذا كله لا يُثبت ولا ينفى؛ لأنّ أخبار بني إسرائيل تحتمل الصدق والكذب.

أمّا إذا خالفت هذه الأقوال شيئًا ممّا ثبت عند المسلمين من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهذه ترفَض جملة وتفصيلاً، كقول من قال: إنّ جرجيس وخالد بن سنان([1]) كانا نبيين بعد عيسى([2]).

فقد ثبت في الحديث الصحيح أنّه ليس بين عيسى بن مريم وبين رسولنا صلوات الله وسلامه عليهما نبيٌّ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أولى النّاس بابن مريم، والأنبياء أولاد علاَّت، ليس بيني وبينه نبيّ))([3]). قال ابن كثير: "فيه ردٌّ على من زعم أنَّه بعث بعد عيسى نبيٌّ يقال له: خالد بن سنان"([4]).

2- ما من نبي إلا ورعى الغنم:

وردت الأحاديث الصحيحة في أنّ هذا الأمر أشبه بالقاعدة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((ما بعث الله نبيًّا إلاَّ رعى الغنم))، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: ((نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة))([5]).

قال ابن حجر: "قال العلماء: الحكمة في إلهام الأنبياء رعيَ الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرن برعيها على ما يكلَّفونه من القيام بأمر أمتهم، ولأنّ في مخالطتها ما يحصِّل لهم الحلمَ والشفقة؛ لأنَّهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وشدة تفرقها مع ضعفها واحتياجها إلى المعاهدة أَلِفُوا من ذلك الصبرَ على الأمة، وعرفوا اختلافَ طباعها، وتفاوتَ عقولها، فجبروا كسرَها، ورفقوا بضعيفها، وأحسنوا التعاهدَ لها، فيكون تحمُّلهم لمشقَّة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك من أول وهلة، لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم، وخُصَّت الغنم بذلك لكونِها أضعف من غيرها، ولأنّ تفرّقها أكثر من تفرّق الإبل والبقر؛ لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونَها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقيادًا من غيرها. وفي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بعد أن علم كونه أكرم الخلق على الله ما كان عليه من عظيم التواضع لربه، والتصريح بمنته عليه وعلى إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء"([6]).

3- كل الأنبياء بلَّغوا ما أرسلوا به:

هذه قاعدة في جميع الأنبياء، أنّهم بلَّغوا رسالة ربّهم، قال تعالى: {وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143].

جاء في تفسير الآية قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((يدعى نوح يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا ربّ، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير؟ فيقول: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فتشهدون أنّه قد بلَّغ))([7]).

قال محمد خليل هرّاس: "ويجب الإيمان بأنّهم بلَّغوا ما أرسلوا به على ما أمرهم الله عزّ وجلّ، وبيَّنوه بيانًا لا يسع أحدًا ممّن أُرسلوا إليه جهله"([8]).

4- الكفر بنبي واحد كفر بجميع الأنبياء:

الكفر برسول واحدٍ كفرٌ بجميع الرسل، قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105]، وقال تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:123]، وقال تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:141]، وقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:160]، ومن المعروف أنّ كلَّ أمّة كذَّبت رسولها، إلاّ أن التكذيب برسول واحدٍ يعدّ تكذيبًا بالرسل كلهم، ذلك أنّ الرسل حملة رسالة واحدة، ودعاة دين واحدٍ، ومرسلهم واحد، فهم وِحدة يبشر المتقدم منهم بالمتأخر، ويصدِّق المتأخر المتقدم([9]).

قيل للحسن البصري: يا أبا سعيد، أرأيتَ قوله: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:105]، و{كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:123]، و{كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:141]، وإنَّما أرسل إليهم رسولٌ واحدٌ؟! قال: إنّ الآخِر جاء بِما جاء به الأول، فإذا كذَّبوا واحدًا فقد كذَّبوا الرسل أجمعين([10]).

قال الثعالبيّ: "إن تكذيب نبي واحد يستلزم تكذيب جميع الأنبياء؛ لأنَّهم كلهم يدعون الخلق إلى الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر"([11]).

وقد وسم الله من هذا حاله بالكفر، قال تعالى: {ٱلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرّقُواْ بَيْنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ حَقّاً} [النساء:150، 151].

ومدح سبحانه وتعالى الذين يؤمنون بجميع الرسل، قال تعالى: {ءامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ} [البقرة:285].

قال الفراء: "أي: لا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم، كما فعلت اليهود والنصارى"([12]).

وقال ابن كثير: "المؤمنون يؤمنون بأنّ الله واحد أحد فرد صمد، لا إله غيره، ولا ربّ سواه، ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنَزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء، لا يفرقون بين أحد منهم، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، بل الجميع عندهم صادقون بارّون راشدون مهديون هادون إلى سبيل الخير. وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله؛ حتى نسخ الجميع بشرع محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي تقوم الساعة على شريعته، ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين"([13]).


 

.