الملف العلمي للأحداث الراهنة

.

  العدل: رابعاً: لا عدل إلا في ظل الدين الحق:         الصفحة السابقة           الصفحة التالية         (الصفحة الرئيسة)

 

رابعاً: لا عدل إلا في ظل الدين الحق:

العدل من مطالب الأفراد والمجتمعات، كلهم ينشدون العدل ويعملون على تحقيقه، ولكن أكثر الناس يظلم من حيث يقصد العدل، ويجور وهو يحسب أنه يقسط، وما سبب ذلك إلا الإعراض عن تحكيم شرع الله تعالى الذي هو العدل كله والإحسان كله والرحمة كلها والمصلحة جميعها، ذلك لأن الله تعالى أعلم بخلقه، وهو أرحم بهم من الأم بولدها، وهو أحكم الحاكمين، فلا يأمر إلا بما فيه الخير والمصلحة للعباد، قال ابن القيم: "أفعال الرب تبارك وتعالى صادرة عن أسمائه وصفاته، وأسماء المخلوقين صادرة عن أفعالهم، فالرب تبارك وتعالى فِعالُه عن كماله، والمخلوق كمالُه عن فِعاله فاشتقت له الأسماء بعد أن كمل بالفعل، فالرب لم يزل كاملا فحصلت أفعاله عن كماله؛ لأنه كامل بذاته وصفاته فأفعاله صادرة عن كماله، كمُل ففعل، والمخلوق فعل فكمُل الكمال اللائق به... إن المعلومات سواه إما أن تكون خلقا له تعالى أو أمرا، إما علمٌ بما كوَّنه أو علمٌ بما شرعه، ومصدر الخلق والأمر عن أسمائه الحسنى، وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه، فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسنى، وهذا كله حسن لا يخرج عن مصالح العباد والرأفة والرحمة بهم والإحسان إليهم بتكميلهم بما أمرهم به ونهاهم عنه، فأمره كله مصلحة وحكمة ولطف وإحسان؛ إذ مصدره أسماؤه الحسنى، وفعله كله لا يخرج عن العدل والحكمة والمصلحة والرحمة؛ إذ مصدره أسماؤه الحسنى، فلا تفاوت في خلقه ولا عبث، ولم يخلق خلقه باطلا ولا سدى ولا عبثا"[1].

إذا تقرر أنه لا عدل إلا في ظل شريعة الله تعالى، فليُعلم أنه إذا قصر أهل الشريعة في بيان ما انطوى عليه دين الله وحكمه من العدل والرحمة والمصلحة في العاجل والآجل فإن ذلك التقصير سيحمل أهل الباطل على أن يبتكروا لأنفسهم من السياسات والقوانين ما يظنونه عدلا وهو الظلم بعينه والجور برمته، قال ابن القيم: "هذا موضع مزلة أقدام، وهو مقام ضنكٍ ومعتركٌ صعب، فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود، وضيعوا الحقوق، وجرؤوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرةً لا تقوم بها مصالح العباد، وسدوا على نفوسهم طرقا عديدة من طرق معرفة الحق من الباطل، بل عطلوها مع علمهم قطعا وعلم غيرهم بأنها أدلة حق ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع، والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة الشريعة، فلما رأى ولاة الأمر ذلك وأن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه هؤلاء من الشريعة أحدثوا لهم قوانين سياسية ينتظم بها أمر العالم، فتولد من تقصير أولئك في الشريعة وإحداث ما أحدثوه من أوضاع سياستهم شر طويل وفساد عريض، وتفاقم الأمر وتعذر استدراكه، وأفرطت طائفة أخرى فسوغت منه ما ينافي حكم الله ورسوله، وكلا الطائفتين أتت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله"[2].


 


[1] بدائع الفوائد (1/170-171).

[2] بدائع الفوائد (3/674).

 

.