الملف العلمي للأحداث الراهنة

.

  العبودية: سابعاً: شروط العبودية:                     الصفحة السابقة             الصفحة التالية           (الصفحة الرئيسة)

 

سابعاً: شروط العبودية:

لا تقبل العبودية من العبد إلا إذا توفّر فيها شرطان اثنان، الأول: الإخلاص، والثاني: أن تكون على شرع الله.

قال الله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَـٰلِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا} [الكهف:110]، وقال تعالى: {تَبَارَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ * ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:1، 2].

قال الفضيل بن عياض: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.

وقال تعالى: {بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:112]، وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرٰهِيمَ خَلِيلاً} [النساء:125].

قال شيخ الإسلام مقرراً هذين الشرطين: "ولها ـ أي: العبادة ـ أصلان، أحدهما: أن لا يُعبد إلا الله، والثاني: أن يعبد بما أمر وشرع، لا يعبده بغير ذلك من الأهواء والظنون والبدع... فالعمل الصالح هو الإحسان، وهو فعل الحسنات، والحسنات هي ما أحبه الله ورسوله، وهو ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب، فما كان من البدع في الدين التي ليست في الكتاب ولا في صحيح السنة فإنها وإن قالها من قالها وعمل بها من عمل ليست مشروعة، فإن الله لا يحبها ولا رسوله، فلا تكون من الحسنات ولا من العمل الصالح.. وأما قوله: {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا}، وقوله: {أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} فهو إخلاص الدين لله وحده"[1].

قال صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى))[2]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))[3].

قال شيخ الإسلام: "كل عملٍ أُريد به غير الله لم يكن لله وكل عمل لا يوافق شرع الله لم يكن لله، بل لا يكون لله إلا ما جمع الوصفين: أن يكون لله، وأن يكون موافقاً لمحبة الله ورسوله، وهو الواجب والمستحب... فلا بد من العمل الصالح، وهو الواجب والمستحب، ولا بد أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى"[4].

وتحقيق هاذين الشرطين هو مقتضى الشهادتين، قال شيخ الإسلام: "وذلك تحقيق الشهادتين: شهادة أن لا اله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله، ففي الأولى أن لا نعبد إلا إياه، وفي الثانية: أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله المبلّغ عنه، فعلينا أن نصدق خبره ونطيع أمره، وقد بيَّن لنا ما نعبد الله به، ونهانا عن محدثات الأمور، وأخبر أنها ضلالة"[5].

والمنحرفون عن شرط المتابعة من قدم القياس والعقل أو الذوق والوجد أو الرؤى والمنامات، أو الحزبيات والسياسات على نصوص الكتاب والسنة.

قال ابن تيمية: "وأصل ضلال من ضل هو بتقديم قياسه على النص المنزل من عند الله، وتقديم اتباع الهوى على اتباع أمر الله، فإن الذوق والوجد ونحو ذلك هو بحسب ما يحبه العبد، فكل محب له ذوق ووجد بحسب محبته... وهؤلاء الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم من غير اعتبار لذلك بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة"[6].

وشرط المتابعة لازم لركن المحبة، قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ} [آل عمران:31].

قال ابن تيمية: "فمن كان محبا لله لزم أن يتبع الرسول، فيصدقه فيما أخبر، ويطيعه فيما أمر، ويتأسّى به فيما فعل، ومن فعل هذا فقد فعل ما يحبه الله، فيحبه الله"[7].

فإذا لم تتحقق المتابعة لم ينفع الحب، قال ابن تيمية: "قد يسلك المحب – لضعف عقله وفساد تصوره – طريقاً لا يحصِّل بها المطلوب، فمثل هذه الطريق لا تحمد إذا كانت المحبة صالحة محمودة، فكيف إذا كانت المحبة فاسدة والطريق غير موصل؟!"[8].


[1] العبودية (ص82-84).

[2] أخرجه البخاري في بدء الوحي (1)، ومسلم (1907) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[3] أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[4] العبودية (ص174).

[5] العبودية (ص121-222).

[6] العبودية (ص75-78).

[7] العبودية (ص126-127).

[8] العبودية (ص131).

 

.