الملف العلمي للأحداث الراهنة

.

  العبودية: ثالثاً: عبودية الكائنات:                      الصفحة السابقة                 الصفحة التالية                 (الصفحة الرئيسة)

 

ثالثاً: عبودية الكائنات:

قال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَٱلْمَلَـئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل:49].

قال ابن جرير رحمه الله: "يقول الله تعالى ذكره: ولله يخضع ويستسلم لأمره ما في السموات وما في الأرض من دابة تدبّ عليها، والملائكة التي في السموات، وهم لا يستكبرون عن التذلل له بالطاعة"[1].

وقال ابن كثير رحمه الله: "يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه الذي خضع له كل شيء، ودانت له الأشياء والمخلوقات بأسرها جماداتها وحيواناتها ومكلفوها من الإنس والجن والملائكة"[2].

وقال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَن فِى ٱلأرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مّنَ ٱلنَّاسِ} [الحج:18].

قال ابن جرير رحمه الله: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا محمد بقلبك، فتعلم أن الله يسجد له من في السموات من الملائكة، ومن في الأرض من الخلق من الجن وغيرهم، والشمس والقمر والنجوم في السماء، والجبال والشجر والدواب في الأرض"[3].

وقال ابن كثير رحمه الله: "يخبر تعالى أنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له فإنه يسجد لعظمته كل شيء طوعاً وكرهاً، وسجود كل شيء مما يختص به"[4].

وقال الله تعالى: {تُسَبّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء:44].

قال ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى: تقدسه السموات السبع والأرض ومن فيهن أي: من المخلوقات، وتنزهه وتعظمه وتبجله وتكبره"[5].

وقال ابن سعدي رحمه الله: "{تُسَبّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مّن شَىْء} من حيوان ناطق، وغير ناطق، ومن أشجار، ونبات، وجامد، وحيٍ وميت {إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} بلسان الحال ولسان المقال، {وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} أي: تسبيح باقي المخلوقات، التي على غير لغتكم، بل يحيط بها علام الغيوب"[6].

وعن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: ((أتدري أين تذهب؟!)) قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، يقال لها: ارجعي من حيث جئتِ، فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى: {وَٱلشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ} [يس:38]))[7].

قال ابن تيمية رحمه الله: "فقد أخبر في هذا الحديث الصحيح بسجود الشمس إذا غربت واستئذانها، وكذلك قال أبو العالية وغيره، قال أبو العالية: ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا ويقع ساجداً حين يغيب ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه، ومعلوم أن الشمس لا تزال في الفلك كما أخبر الله تعالى بقوله: {وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَـٰرَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:33]، فهي لا تزال في الفلك، وهي تسجد لله وتستأذنه كل ليلة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فهي تسجد سجوداً يناسبها، وتخضع له وتخشع كما يخضع ويخشع كل ساجد من الملائكة والجن والأنس"[8].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها، ولما يبن، ولا آخر قد بنى بنياناً ولما يرفع سُقُفها، ولا آخر قد اشترى غنماً أو خلفات وهو منتظر ولادها، قال: فغزا، فأَدْنى للقرية حين صلاة العصر، أو قريباً من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبِسْها علي شيئاً، فحبست عليه حتى فتح الله عليه)) الحديث[9].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل)[10].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "إن ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله سلم غالباً، وقد اشتهر تسبيح الطعام، وتسبيح الحصى، وحنين الجذع، ولم يكذب رواتها"[11].


[1] جامع البيان (7/594).

[2] تفسير القرآن العظيم (2/593).

[3] جامع البيان (9/122).

[4] تفسير القرآن العظيم (3/220).

[5] تفسير القرآن العظيم (3/45).

[6] تيسير الكريم الرحمن (4/283).

[7] أخرجه البخاري في: بدء الخلق، باب: صفة الشمس والقمر (3199) واللفظ له، ومسلم في: الإيمان (159).

[8] جامع الرسائل، الأولى: (قنوت الأشياء كلها لرب العالمين) (ص37).

[9] أخرجه مسلم في الجهاد، باب: تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة (1747).

[10] أخرجه البخاري في المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام (3579).

[11] فتح الباري (6/592).

 

.