الملف العلمي للأحداث الراهنة

.

  العبودية: ثانياً: أنواع العبودية:                     الصفحة السابقة                 الصفحة التالية                (الصفحة الرئيسة)

 

ثانياً: أنواع العبودية:

العبودية نوعان: عامة وخاصة:

أ- فالعبودية العامة: هي عبودية القهر والتسخير والملك والتسيير، وهذه تعمّ جميع الخلق مكلّفهم وغير مكلفهم، برهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم.

ب- والعبودية الخاصة: هي عبودية التأله والطاعة والمحبة وهذه خاصة بعباد الله المؤمنين، الذين استجابوا لداعي الله.

قال ابن تيمية رحمه الله: "إن العبد يراد به المعبّد الذي عبّده الله فذلَّله ودبره وصرفه، وبهذا الاعتبار فالمخلوقون كلهم عباد الله، الأبرار منهم والفجار، والمؤمنون والكفار، وأهل الجنة وأهل النار، إذ هو ربهم كلهم ومليكهم لا يخرجون عن مشيئته وقدرته، وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، فما شاء كان وإن لم يشاءوا، وما شاءوا إن لم يشأه لم يكن، كما قال تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران:83]، ومثل هذه العبودية لا تفرّق بين أهل الجنة وأهل النار، ولا يصير بها الرجل مؤمناً... والمعنى الثاني من معنى العبد، وهو العبد بمعنى العابد فيكون عابداً لله لا يعبد إلا إياه، فيطيع أمره وأمر رسله، ويوالي أولياءه المؤمنين المتقين ويعادي أعداءه، وهذه العبادة متعلقة بألوهيته، ولهذا كان عنوان التوحيد (لا إله إلا الله) بخلاف من يقر بربوبيته ولا يعبده أو يعبد معه إلهاً آخر. وهذه العبادة هي التي يحبها الله ويرضاها وبها وصف المصطفين من عباده وبها بعث رسله. وأما العبد بمعنى المعبَد سواء أقر بذلك أو أنكره فهذا المعنى يشترك فيه المؤمن والكافر"[1].

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "العبودية نوعان: عامة وخاصة.

فالعبودية العامة: عبودية أهل السموات والأرض كلهم لله، برهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم، فهذه عبودية القهر والملك، قال تعالى: {إِن كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ إِلاَّ آتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً} [مريم:93]. وأما النوع الثاني: فعبودية الطاعة والمحبة واتباع الأوامر، قال تعالى: {يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68]، وقال تعالى: {فَبَشّرْ عِبَادِ * ٱلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقَوْلَ فَيَـتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر:17، 18]، وقال: {وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَـٰهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً} [الفرقان:63، 64]. فالخلق كلهم عبيد ربوبيته، وأهل طاعته وولايته هم عبيد ألوهيته"[2].

قال ابن جرير في تفسير قول الله تعالى: {وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا سُبْحَـٰنَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَـٰنِتُونَ} [البقرة:116]: "وأولى معاني القنوت في قوله: {كُلٌّ لَّهُ قَـٰنِتُونَ} الطاعة والإقرار لله عز وجل بالعبودية بشهادة أجسامهم بما فيها من آثار الصنعة، والدلالة على وحدانية الله عز وجل، وأن الله تعالى ذكره بارئها وخالقها، وذلك أن الله جل ثناؤه أكذب الدين زعموا أن لله ولداً بقوله: {بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ} ملكاً وخلقاً، ثم أخبر عن جميع ما في السموات والأرض أنها مقرة بدلالتها على ربها وخالقها، وأن الله تعالى بارؤها وصانعها، وإن جحد ذلك بعضهم فألسنتهم مذعنة له بالطاعة بشهادتها له بآثار الصنعة التي فيها بذلك، وأن المسيح أحدهم، فأنى يكون لله ولداً وهذه صفته؟!"[3].

وقال الله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران:83]، قال شيخ الإسلام: "فذكر إسلام الكائنات طوعاً وكرهاً؛ لأن المخلوقات جميعها متعبّدةٌ له التعبد العام، سواءٌ أقر المقر بذلك أو أنكره، وهم مدينون له مُدبّرون، فهم مسلمون له طوعاً وكرهاً، ليس لأحد من المخلوقات خروجٌ عما شاءه وقدّره وقضاه، ولا حول ولا قوة إلا به، وهو رب العالمين ومليكهم، يُصرّفهم كيف يشاء، وهو خالقهم كلّهم، وبارئهم ومُصورهم، كل ما سواه فهو مربوب مصنوعٌ مفطورٌ، فقيرٌ محتاجٌ معبَّد مقهورٌ، وهو سبحانه الواحد القهار الخالق البارئ المصوّر"[4].


[1] العبودية (ص38-45).

[2] مدارج السالكين (1/105).

[3] جامع البيان (1/507-508).

[4] العبودية (ص145).

 

.