موسوعة البحـوث المنــبرية 

.

  عمل المرأة: ثالثًا: موقف الإسلام من عمل المرأة:          الصفحة السابقة        (عناصر البحث)        الصفحة التالية   

 

ثالثاً: موقف الإسلام من عمل المرأة:

لا تمنع الشريعة الإسلامية المرأةَ من العمل إن هي احتاجَت إلى ذلك أو فرضت ظروفُ المجتمع ومصالحه عمَلَها، على أن يكونَ في إطارٍ شرعيّ وضوابطَ شرعية[1]، وهي كالآتي:

1- أن لا تعمل في المجالاتِ التي تفرِض الاختلاطَ أو السفور أو الخلوة، قال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأِزْوٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَاء ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59].

قال قتادة: "أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنِّعن على الحواجب"[2].

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والدخولَ على النساء))، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت))[3].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم))، فقال رجل: يا رسول الله، امرأتي خرجَت حاجّة واكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا؟ قال: ((ارجع فحجَّ مع امرأتك))[4].

قال الشيخ عبد العزيز بن باز: "الدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخصّ الرجال أمرٌ خطير على المجتمع الإسلاميّ، ومن أعظم آثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع"[5].

2- أن تكون المرأة محتاجة أو تفرض ظروف المجتمع ومصالحه عملَها:

قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأولَىٰ} [الأحزاب: 32].

قال القرطبي: "معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهنّ فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل [يعمّ] جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة"[6].

وقال ابن كثير: "الزَمنَ بيوتكن فلا تخرجنَ لغير حاجة"[7].

وعن جابر رضي الله عنه قال: طُلِّقَت خالتي، فأرادت أن تجذَّ نخلها ـ أي: تقطع ثمرها ـ فزجرها رجل، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((بلى، جذّي نخلك، فإنك عسى أن تصَّدَّقي أو تفعلي معروفًا))[8].

قال النووي: "هذا الحديث دليل لخروج المعتدّة البائن للحاجة"[9].

3- أن تأمنَ الفتنة:

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما تركت بعدي فتنة أضرّ على الرجال من النساء))[10].

قال ابن حجر: "ويدلّ الحديث على أن الفتنة بالنساء أشدّ من الفتنة بغيرهنّ، ويشهد له قوله تعالى: {زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوٰتِ مِنَ ٱلنّسَاء وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَـٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ}
[آل عمران:74]، فجعلهنّ من حبّ الشهوات، وبدأ بهنّ إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك"
[11].

قال الشيخ ابن باز: "فعمل المرأة بين الرجال من غير المحارم فتنة تضعها على الطريق الموصل إلى ما لا تحمَد عقباه مما حرّم الله، وما يؤدّي إلى الحرام حرام"[12].

4- أن يأذنَ لها وليّها بالعمل خارجَ البيت:

قال ابن العربي في توضيح معنى الدرجة التي للرجال في قوله تعالى: {وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:288]: "حجرت التصرف إلا بإذنه، وأن تقدّم طاعتَه ـ أي: الزوج ـ على طاعة الله في النوافل"[13].

وقال الكاساني: "فالمرأة محبوسة بحبس النّكاح، وهو حقٌّ للزوج، وتصير بمقتضاه ممنوعة من الاكتساب، ولما كان نفع حبسها عائدًا إليه كانت كفايتها عليه"[14].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا استأذنكم نساؤكم إلى المساجد فأذنوا لهن))[15].

قال النوويّ: "استُدلّ به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لتوجُّه الأمر إلى الأزواج بالإذن"[16].

5- أن لا يستغرقَ العمل جهدَها، بحيث يؤدي إلى ضياع الأسرة، أو يتنافى العمل مع طبيعتها:

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها))[17].

قال الشيخ ابن باز: "إنّ عملَ المرأة بعيدًا عن الرّجال إن كان فيه مضيَعة للأولاد وتقصيرٌ بحقّ الزوج من غير اضطِرار شرعيّ لذلك يكون محرَّمًا؛ لأنّ ذلك خروج على الوظيفة الطبيعية وتعطيل للمهمة الخطيرة التي عليها القيام بها، مما ينتج عنه سوء بناء الأجيال، وتفكّك عُرى الأسرة التي تقوم على التعاون والتكافل"[18].

وقال الله تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لّلرّجَالِ نَصِيبٌ مّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا ٱكْتَسَبْنَ} [النساء:32].

قال أبو السعود: "لكلٍّ من الفريقين نصيب خاصّ به من الأجر يترتّب على عمله، فللرجال أجر بمقابلة ما يليق بهم من الأعمال كالجهاد ونحوه، وللنساء أجر بمقابلة ما يليق بهن من الأعمال كحفظ حقوق الأزواج ونحوه، فلا تتمنى النساء خصوصية أجر الرجال، وليسألنّ من خزائن رحمته تعالى ما يليق بحالهنّ من الأجر"[19].

وقال الشيخ ابن باز: "وقد حرص الإسلام أن يبعدَ المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها... فالإسلام يمنع تجنيدَ المرأة في غير ميدانها الأصيل"[20].

6- أن لا يكونَ عملها تسلّطًا على الرجال:

قال الله تعالى: {ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء} [النساء:34].

قال ابن العربي: "فرَضَ عليها السّكون والقرار في البيت، وحبّبه إليها، وأمرها بعدم الخضوع في القول، ولا يتأتى ذلك منها حين تتسلط على الرجال وتديرهم؛ إذ ذلك يقتضي مخالطتهم ومخاطبتهم بمختلف ضروب الكلام وبشتى الأساليب"[21].

وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيامَ الجمل بعدما كدت ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم، قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال: ((لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة))[22].

قال الخطابي: "فيه من العلم أنّ النساء لا تلي الإمارة ولا القضاء"[23].

وقال الشيخ ابن باز: "وقد حرص الإسلام على أن يبعد المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها، فمنعها من تولي الولاية العامة كرئاسة الدولة والقضاء وجميع ما فيه مسؤوليات عامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة))"[24].


[1] ينظر: التدابير الواقية من الزنا في الفقه الإسلامي لفضل إلهي ظهير (ص:725)، ومشكلات المرأة المسلمة المعاصرة لمكية مرزا (ص: 282–290)، وعمل المرأة وموقف الإسلام منه لعبد الرب نواب الدين (ص:174–199)، والمرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله (ص:349).

[2] انظر: تفسير الطبري (4/22).

[3] رواه البخاري في النكاح، باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم (523)، ومسلم في السلام، باب: تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها (1341).

[4] رواه البخاري في النكاح، باب: لا يخلون رجل بامرأة إلا ذو محرم (5233)، ومسلم في السلام، باب: تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها (1341).

[5] التبرج وخطورته (ص:22).

[6] الجامع لأحكام القرآن (14/174).

[7] تفسير القرآن العظيم (3/486).

[8] رواه مسلم في الطلاق، باب: جواز خروج المعتدة البائن (1483).

[9] شرح مسلم (6/301).

[10] رواه البخاري في النكاح، باب: ما يتقى من شؤم المرأة (5096)، ومسلم في الرقاق، باب: أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء (2741).

[11] فتح الباري (9/138).

[12] انظر: رأي الشرع في المرأة للحصين (ص:20).

[13] أحكام القرآن (1/188).

[14] بدائع الصنائع (5/2196).

[15] رواه البخاري في صفة الصلاة، باب: استئذان المرأة زوجها (865)، ومسلم: الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد (442)، واللفظ لمسلم.

[16] شرح صحيح مسلم (3/83).

[17] رواه البخاري في الوصايا (2751)، ومسلم في الإمارة، باب: فضل الإمام العادل (1829).

[18] التبرج وخطورته (ص:30–31).

[19] تفسير أبي السعود (2/173).

[20] التبرج وخطورته (ص:30–31).

[21] أحكام القرآن لابن العربي (4/1457).

[22] رواه البخاري في المغازي، باب: كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر (4425).

[23] إعلام الحديث (3/1787).

[24] التبرج وخطورته (ص: 30 – 31).

 

.