موسوعة البحـوث المنــبرية

.

   التشاؤم والطيرة: ثامنًا: صور من التشاؤم والتطير عند الأمم السابقة:                      الصفحة السابقة              الصفحة التالية   

 

ثامنا: صور من التشاؤم والتطير عند الأمم السابقة:

1- قال تعالى: {قَالُواْ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} [النمل:47].

قال ابن جرير رحمه الله: "قالت ثمود لرسولها صالح: {ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ} أي: تشاءمنا بك وبمن معك من أتباعنا، وزجرنا الطير بأنا سيصيبنا بك وبهم المكاره والمصائب، فأجابهم صالح فقال لهم: {طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ} أي: ما زجرتم من الطير لما يصيبكم من المكاره عند الله علمه، لا يدري أي ذلك كائن، أما تظنون من المصائب أو المكاره، أم ما لا ترجونه من العافية والرجاء والمحاب"([1]).

وقال ابن القيم رحمه الله: "إن طائرهم ها هنا هو السبب الذي يجيء فيه خيرهم وشرهم، فهو عند الله وحده، وهو قدره وقسمه، إن شاء رزقكم وعافاكم، وإن شاء حرمكم وابتلاكم"([2]).

2- وقال تعالى: {قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُواْ طَـٰئِرُكُم مَّعَكُمْ أَئن ذُكّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ}[يس:18، 19].

قال ابن جرير رحمه الله في قوله: {قَالُواْ طَـٰئِرُكُم مَّعَكُمْ أَئن ذُكّرْتُم}: "يقول تعالى ذكره: قالت الرسل لأصحاب القرية: {طَـٰئِرُكُم مَّعَكُمْ أَئن ذُكّرْتُم} يقولون: أعمالكم وأرزاقكم وحظكم من الخير والشر معكم، ذلك كله في أعناقكم، وما ذلك من شؤمنا إن أصابكم سوء فبما كتب عليكم، وسبق لكم من الله"([3]).

وقال ابن القيم رحمه الله: "قوله: {طَـٰئِرُكُم مَّعَكُمْ} أي: حظكم وما نالكم من خير وشر معكم بسبب أفعالكم وكفركم ومخالفتكم الناصحين، ليس هو من أجلنا ولا بسببنا، بل ببغيكم وعداوتكم، فطائر الباغي الظالم معه وهو عند الله"([4]).

3- وقال تعالى: {فَإِذَا جَاءتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[الأعراف:131].

قال ابن جرير الطبري رحمه الله: "فإذا جاءت آلَ فرعون العافية والخصب والرخاء وكثرة الثمار ورأوا ما يحبون في دنياهم {قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ} نحن أولى بها، {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ} يعني جدوب وقحوط وبلاء {يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ} يقول: يتشاءموا بهم ويقولوا: ذهبت حظوظنا وأنصباؤنا من الرخاء والخصب والعافية مذ جاء موسى عليه السلام"([5]).

وقال في قوله: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}: "ألا ما طائر آل فرعون وغيرهم، وذلك من أنصبائهم من الرخاء والخصب وغير ذلك من أنصباء الخير والشر إلا عند الله. {وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن ذلك كذلك، فجهلهم بذلك كانوا يطيرون بموسى ومن معه"([6]).

وقال ابن القيم رحمه الله: "إذا أصابهم الخصب والسعة والعافية قالوا: لنا هذه، أي: نحن الجديرون الحقيقون به، ونحن أهله، وإن أصابهم بلاء وضيق وقحط ونحوه قالوا: هذا بسبب موسى وأصحابه، وأصبنا بشؤمهم ونفض علينا غبارهم يقوله المتطيِّر لمن يَتطيَّر به، فأخبر سبحانه أن طائرهم عنده"([7]).

وقال ابن عثيمين رحمه الله: "إذا جاءهم البلاء والجدب والقحط قالوا: هذا من موسى وأصحابه. فأبطل الله هذه العقيدة بقوله: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ} [الأعراف:131]، والمعنى: أن ما يصيبهم من الجدب والقحط ليس من موسى وقومه، ولكنه من الله، فهو الذي قدره ولا علاقة لموسى وقومه به، بل إن الأمر يقتضي أن موسى وقومه سبب للبركة والخير، ولكن هؤلاء ـ والعياذ بالله ـ يلبسون على العوام ويوهمون الناس خلاف الواقع"([8]).


 


([1]) جامع البيان (19/171).

([2]) مفتاح دار السعادة (3/278).

([3]) جامع البيان (22/157).

([4]) مفتاح دار السعادة (3/276).

([5]) جامع البيان (9/29).

([6]) المصدر السابق (9/30).

([7]) مفتاح دار السعادة (587).

([8]) القول المفيد (2/78-79). بتصرف يسير.

 

.