موسوعة البحـوث المنــبرية  

.

   صلة الأرحام: سادساً: فضيلة صلة الرحم:         الصفحة السابقة      الصفحة التالية      (عناصر البحث)

 

سادساً: فضيلة صلة الرحم:

1 ـ أن الله قرن الإحسان إلى الأرحام باسمه عزّ وجل:

قال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].

قال القاسمي: "ولقد نبه سبحانه وتعالى حيث قرنها باسمه الجليل، على أن صلتها بمكان منه، كما في قوله تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّـٰهُ وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا} [الإسراء:23]، وقال تعالى: {وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً وَبِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [النساء:36]"[1].

2 ـ أن صلة الرحم توسّع في الأرزاق وتبارك في الأعمار:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سرّه أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه))[2].

قال النووي: "وبسط الرزق توسيعه وكثرته، وقيل: البركة فيه. وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص، {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:34]، وأجاب العلماء بأجوبة، الصحيح منها: أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع"[3].

3 ـ  أن الله قد أخذ على نفسه أن يصل الواصل:

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القيطعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك))[4].

قال القرطبي: "فمقصود هذا الكلام الإخبار بتأكد صِلة الرحم، وأنه تعالى قد نزّلها منزلة من قد استجار به فأجاره، وأدخله في ذمّته وخفارته، وإذا كان كذلك فجار الله تعالى غير مخذول، وعهده غير منقوض"[5].

4 ـ  أن الصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة:

عن سلمان بن عامر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة، فإن لم يجد تمراً فالماء فإنه طهور))، وقال: ((الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم صدقة وصلة))[6].

قال الزبيدي: "ففيه حثّ على الصدقة على الأقارب وتقديمهم على الأباعد، لكن هذا غالبي، وقد يكون الحال بالعكس، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: لا يلزم من ذلك أن تكون هي في الرحم أفضل مطلقاً؛ لاحتمال كون المسكين محتاجاً ونفعه متعدياً"[7].

5 ـ أن بها تقوية أواصر العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبّة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر))[8].

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (والله، إنه ليكون بين الرجل وبين أخيه شيء ولو يعلم الذي بينه وبينه من داخلة الرحم لردعه ذلك عن انتهاكه)[9].

قال الزبيدي شارحاً قولَ عمر رضي الله عنه: (مروا الأقارب أن يتزاوروا ولا يتجاوروا)[10]: "أي: يزور بعضهم بعضاً رغباً فإن ذلك يورث الألفة والمحبة (ولا يتجاوروا) أي: لا يساكنوا في محلٍّ واحد، وإنما قال ذلك لأن التجاور يوجب التزاحم على الحقوق، وربما يورث الوحشة وترفع الحرمة والهيبة فيفضي إلى قطيعة الرحم والتدابر"[11].

6 ـ أنها من الأعمال التي تدخل الجنة:

عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال القوم: ما لَهُ؟ ما له؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرب ما له؟))[12]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم))[13].

قال صاحب دليل الفالحين: "وخصّ الرحم بالذكر لقربها من السائل، أو نظر لحاله كأنّه كان قاطعاً لها فأمر بصلتها؛ لأنها المهم بالنسبة إليه"[14].

وقال ابن عثيمين: "فجعل النبي صلى الله عليه وسلم صلةَ الرحم من الأسباب التي تدخل الجنة وتباعد عن النار"[15].

7 ـ أنها من خصال الإيمان وعلاماته:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت))[16].

قال ابن رجب: "فقوله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليفعل كذا وكذا، يدلّ على أن هذه الخصال من خصال الإيمان"[17].


[1] تفسير القاسمي (2/211).

[2] رواه البخاري في الأدب، باب: من بسط له في الرزق لصلة الرحم (5985) واللفظ له، ومسلم في البر والصلة، باب: صلة الرحم (2557).

[3] شرح صحيح مسلم (9/450).

[4] رواه البخاري في الأدب، باب: من وصل وصله الله (5987)، ومسلم في البر والصلة، باب: صلة الرحم (2554).

[5] المفهم (6/525).

[6] رواه الترمذي في الزكاة، باب: ما جاء في الصدقة على القرابة (658) واللفظ له، والنسائي في الزكاة، باب: الصدقة على الأقارب (2582)، وابن ماجه في الزكاة، باب: فضل الصدقة (1844)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1494).

[7] إتحاف السادة المتقين (6/313).

[8] رواه أحمد (2/274)، والترمذي في كتاب البر والصلة، باب: ما جاء في تعليم النسب (2045)، والحاكم في المستدرك (4/161) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وجوَّده الألباني في السلسلة الصحيحة (276).

[9] البر والصلة للمروزي (62).

[10] الأثر رواه ابن قتيبة في عيون الأخبار (3/88).

[11] إتحاف السادة المتقين (6/313).

[12] في هذه اللفظة ثلاث روايات: إحداها "أَرِبَ" بوزن علِم، ومعناه الدعاء عليه، أي: أصيبت آرابه وسقطت، وهي كلمة لا يراد بها وقوع الأمر، والرواية الثانية: "أَرَبٌ ما له" بوزن جَمَلٌ أي: حاجة له، وما زائدة للتقليل أي: له حاجة يسيرة، والرواية الثالثة: "أرِبٌ" بوزن كَتِف، والأَرِب الحاذق الكامل، أي: هو أرب، فحذف المبتدأ، ثم سأله: ما له؟ أي: ما شأنه؟ النهاية في غريب الحديث (1/35).

[13] رواه البخاري في الأدب، باب: فضل صلة الرحم (5982).

[14] دليل الفالحين (3/225).

[15] شرح رياض الصالحين (5/233).

[16] رواه البخاري في الأدب، باب: إكرام الضيف (6138) ومسلم في كتاب الإيمان (47).

[17] جامع العلوم والحكم (1/333).

 
.