الملف العلمي للمولد النبوي

.

  الشباب بين الاتباع والابتداع: ثالثاً: الأمر بلزوم السنة والحث عليها والنهي عن البدع والتحذير منها:  السابقة   التاليـة   (الرئيسة)

 

ثالثاً: الأمر بلزوم السنة والحث عليها والنهي عن البدع والتحذير منها:

1- النصوص من كتاب الله سبحانه وتعالى:

1- قال الله تعالى: {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 3].

قال ابن عباس: (أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبدًا، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدًا، وقد رضيه فلا يسخطه أبدًا)[1].

2- وقال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31].

3- وقال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً} [النساء: 115].

4- وقال تعالى: {وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153].

5- وقال تعالى: {ٱتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف:3].

6- وقال تعالى: {وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـئَايَـٰتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلأمّىَّ} [الأعراف: 156، 157].

7- وقال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال: 20].

8- وقال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].

9- وقال تعالى: {قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ} [طه: 123].

10- وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

11- وقال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ} [القصص: 50].

12- وقال تعالى: {وَٱتَّبِعُـواْ أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مّن رَّبّكُـمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} [الزمر: 55].

13- وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَـٰوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23].

14- وقال تعالى: {وَمَا ءاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ} [الحشر: 7].

2- النصوص من السنة النبوية:

1- عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله))[2].

2- عن أبي شريح الخزاعي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أبشروا وأبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟!)) قالوا: نعم، قال: ((فإن هذا القرآن سببٌ طرفُه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسّكوا به، فإنّكم لن تضلّوا ولن تهلكوا بعده أبدًا))[3].

3- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا خطب: ((أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة))[4].

4- عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودّع فماذا تعهد إلينا؟ قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدًا حبشيًا، فإنه مَنْ يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل مُحدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))[5].

5- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: خطّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطاً ثم قال: ((هذا سبيل الله))، ثم خطّ خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: ((هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه))، ثم تلا: {وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153][6].

6- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ لكل عمل شِرة، ولكل شِرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنّتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك))[7].

7- عن أنس رضي الله عنه في قصة الثلاثة الذين جاؤوا بيوت النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهم: أصلي الليل أبداً، وقال الآخر: أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: أنا اعتزل النساء فلا أتزوج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: ((أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني))[8].

3- النصوص المنقولة عن السلف الصالح وأتباعهم:

1- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إياكم وأصحاب الرأي، فإن أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا)[9].

2- وقال أيضاً: (سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله)[10].

3- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (إنها ستكون أمور مشتبهات، فعليكم بالتؤدة، فإن الرجل يكون تابعاً في الخير، خير من أن يكون رأساً في الضلالة)[11].

4- وقال ابن مسعود أيضاً: (إنكم أصبحتم على الفطرة، وإنكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهدي الأول)[12].

5- وقال أيضاً: (إياكم وما يحدث الناس من البدع، فإن الدين لا يذهب من القلوب بمرّة، ولكن الشيطان يحدث له بدعاً، حتى يخرج الإيمان من قلبه، ويوشك أن يدع الناس ما ألزمهم الله من فرضه في الصلاة والصيام والحلال والحرام، ويتكلمون في ربهم عز وجل، فمن أدرك ذلك الزمان فليهرب)، قيل: يا أبا عبد الرحمن، فإلى أين؟ قال: (إلى لا أين)، قال: (يهرب بقلبه ودينه، لا يجالس أحداً من أهل البدع)[13].

6- وعنه أيضاً قال: (اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم، وكل بدعة ضلالة)[14].

7- وعن عنه أيضاً قال: (كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير، إذا ترك منها شيء قيل: تركت السنة)، قيل: متى ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: (ذلك إذا ذهب علماؤكم، وكثرت جهالكم، وكثرت قراؤكم، وقلّت فقهاؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقّه لغير الدين)[15].

8- وقال رجل لابن عباس: الحمد لله الذي جعل هوانا على هواكم، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: (إن الله لم يجعل في هذه الأهواء شيئاً من الخير، وإنما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار)[16].

9- وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه أخذ حجرين فوضع أحدهما على الآخر، ثم قال لأصحابه: (هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور؟) قالوا: يا أبا عبد الله، ما نرى بينهما من النور إلا قليلاً، قال: (والذي نفسي بيده، لتظهرن البدع حتى لا يُرى من الحق إلا قدر ما ترون ما بين هذين الحجرين من النور. والله، لتفشونّ البدع حتى إذا ترك منها شيء قالوا: تركت السنة)[17].

10- ودخل ابن مسعود على حذيفة فقال: اعهد إليّ، فقال له: ألم يأتك اليقين؟! قال: بلى وعزّة ربي، قال: (فاعلم أنّ الضلالة حقَّ الضلالة أن تعرف ما كنت تُنكر، وأن تنكر ما كنت تعرفُ، وإياك والتلوُّن، فإن دين الله واحد)[18].

11- وعن سعيد بن المسيب قال: "إذا تكلم الناس في ربهم وفي الملائكة ظهر لهم الشيطان، فقدّمهم إلى عبادة الأوثان"[19].

12- وقال أبو العالية: "وعليكم بسنة نبيكم والذي كان عليه أصحابه، وإياكم وهذه الأهواء التي تلقي بين الناس العداوة والبغضاء"[20].

13- وقال شريح القاضي: "إن السنة قد سبقت قياسكم، فاتبع ولا تبتدع، فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر"[21].

14- وعن إبراهيم النخعي قال: "كانوا يكرهون التلون في الدين"[22].

15- وعنه أيضاً: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاء} [المائدة:41]، قال: "الخصومات والجدال في الدين"[23].

16- وقال عمر بن عبد العزيز: "السنة إنما سنّها من علم ما جاء في خلافها من الزلل، ولهم كانوا على المنازعة والجدل أقدر منكم"[24].

17- وقال أيضاً: "من جعل دينه غرضاً للخصومات أكثر التنقّل"[25].

18- وعنه أيضاً قال: "إذا رأيت قوماً يتناجون في دينهم دون العامة فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة"[26].

19- وسأل رجل عمر بن عبد العزيز عن شيء من الأهواء، فقال: "الزم دين الصبي في الكُتَّاب والأعرابي، وَالْه عما سوى ذلك"[27].

20- وقال الشعبي: "إنما الرأي بمنزلة الميتة، إذا احتجت إليها أكلتها"[28].

21- وقال الزهري: "من الله الرسالة، وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ، وعلينا التسليم"[29].

22- وقال سفيان الثوري: "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يُتاب منها، والبدعة لا يُتاب منها"[30].

23- وسُئل سفيان الثوري عن الكلام فقال: "دع الباطل، أين أنت عن الحق، اتبع السنة، ودع البدعة". وقال: "وجدت الأمر الاتباع"، وقال: "عليكم بما عليه الجمّالون والنساء في البيوت والصبيان في الكُتَّاب من الإقرار والعمل"[31].

24- وقال الأوزاعي: "بلغني أن الله إذا أراد بقومٍ شراً ألزمهم الجدل ومنعهم العمل"[32].

25- وعن الفضيل بن عياض قال: "أدركت خيار الناس كلهم أصحاب سنة، وينهون عن أصحاب البدع"[33].

26- وقال أيضاً: "لا تجالسوا أهل الخصومات؛ فإنهم يخوضون في آيات الله"[34].

27- وعن العوام بن حوشب قال: "إياكم والخصومات في الدين؛ فإنها تحبط الأعمال"[35].

28- وكان مالك بن أنس يقول: "الكلام في الدين أكرهه، ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه، نحو الكلام في رأي جهم والقدر، وكل ما أشبه ذلك، ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل، فأما الكلام في دين الله عز وجل فالسكوت أحبّ إلي؛ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل"[36].

29- وقال مالك أيضاً: "لو كان الكلام علماً لتكلم فيه الصحابة والتابعون، كما تكلموا في الأحكام والشرائع، ولكنه باطل يدلّ على باطل"[37].

30- وقال أيضاً: "إياكم والبدع"، قيل: يا أبا عبد الله، وما البدع؟ قال: "أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه وعلمه وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان"[38].

31- وجاء رجل إلى مالك فسأله عن مسألة، فقال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا، فقال الرجل: أرأيت؟ قال مالك: {فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة النور:63][39].

32- وقال الشافعي: "لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من الأهواء"[40].

33- وقال أيضاً: "لأن يُبتلى المرء بما نهى الله عنه خلا الشرك بالله خير له من أن يبتليه بالكلام"[41].

34- وقال أيضاً: "ما ارتدى أحدٌ بالكلام فأفلح"[42].

35- وقال أحمد بن حنبل: "إنه لا يفلح صاحب كلام أبداً، ولا تكاد ترى أحداً نظر في الكلام إلاَّ وفي قلبه دَغَل"[43].

36- وقال البغوي: "واتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات، وعلى الزجر عن الخوض في علم الكلام وتعلمه"[44].

37- وقال ابن عبد البر: "أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ، ولا يعدون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه، ويتفاضلون فيه بالإتقان والميز والفهم"[45].

38- وقال أيضاً: "ونهى السلف رحمهم الله عن الجدال في الله جل ثناؤه في صفاته وأسمائه، وأما الفقه فأجمعوا على الجدال فيه والتناظر؛ لأنه علم يحتاج فيه إلى رد الفروع على الأصول للحاجة إلى ذلك، وليست الاعتقادات كذلك؛ لأن الله عز وجل لا يوصف عند أهل السنة والجماعة إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمعت الأمة عليه، وليس كمثله شيء، فيدرك بقياس أو بإمعان نظر، وقد نهينا عن التفكر في الله، وأمرنا بالتفكر في خلقه الدال عليه، وللكلام في ذلك موضع غير هذا، والدين قد وصل العذراء في خدرها والحمد لله"[46].

39- وقال الشاطبي في بيان ذم البدع وأنه عام لا يخص بدعة دون غيرها: "فاعلموا ـ رحمكم الله ـ أن ما تقدم من الأدلة حجة في عموم الذم من أوجه:

أحدها: أنها جاءت مطلقة عامة على كثرتها لم يقع فيها استثناء ألبتة، ولم يأت فيها ما يقتضي أن منها ما هو هدى، ولا جاء فيها: (كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا) ولا شيء من هذه المعاني، فدل على أن تلك الأدلة بأسرها على حقيقة ظاهرها من الكلية.

الثاني: أنه قد ثبت في الأصول العلمية أن كل قاعدة كلية أو دليل شرعي كلي إذا تكررت في مواضع كثيرة، وأتي بها شواهد على معان أُصولية أو فروعية، ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص، مع تكررها وإعادة تقريرها، فذلك دليل على بقائها على مقتضى لفظها من العموم.

وقد جاء في الأحاديث المتعددة أن كل بدعة ضلالة، وأن كل محدثة بدعة. وما كان نحو ذلك من العبارات الدالة على أن البدع مذمومة، ولم يأت في آية ولا حديث تقييد ولا تخصيص ولا ما يفهم منه خلاف ظاهر الكلية فيها، فدل ذلك دلالة واضحة على أنها على عمومها وإطلاقها.

الثالث: إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمها كذلك، وتقبيحها والهروب عنها وعمّن اتسم بشيء منها، ولم يقع منهم في ذلك توقف ولا مثنوية، فهو بحسب الاستقراء إجماع ثابت، فدل على أن كل بدعة ليست بحق، بل هي من الباطل.

الرابع: أن متعقد البدعة يقتضي ذلك بنفسه؛ لأنه من باب مضادة الشارع واطّراح الشرع، وكل ما كان بهذه المثابة فمحال أنه ينقسم إلى حسن وقبيح وأن يكون منه ما يمدح ومنه ما يذم، إذ لا يصح في معقول استحسان مشاقة الشارع.

وأيضاً لو فرض أنه جاء في النقل استحسان بعض البدع أو استثناء بعضها عن الذم لم يتصور، لأن البدعة طريقة تضاهي المشروعة من غير أن تكون كذلك، وكون الشارع يستحسنها دليل على مشروعيتها، إذ لو قال الشارع: (المحدثة الفلانية حسنة) لصارت مشروعة"[47].


[1] جامع البيان (4/419).

[2] صحيح مسلم: كتاب الحج، باب: حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1218)، ورواه أبو داود (1905)، وابن ماجه (3074).

[3] رواه ابن حبان في صحيحه (122)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/169): "رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح"، وقد صححه الألباني في صحيح الترغيب (1/93).

[4] صحيح مسلم: كتاب الجمعة، باب: تخفيف الصلاة (867).

[5] رواه أحمد (4/126)، وأبو داود (5/13)، والترمذي وقال: "حسن صحيح"، وابن ماجه (1/15)، والدارمي (1/57)، والحاكم (1/95) وقال: "صحيح ليس له علة"، وقال الألباني: "سنده صحيح"، ونقل تصحيحه عن الضياء المقدسي في مشكاة المصابيح (165).

[6] رواه الإمام أحمد في المسند (1/435)، والدارمي في السنن (202)، والمروزي في السنة (ص5)، والحاكم في المستدرك (2/318) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي، ورواه ابن أبي عاصم في السنة (17)، وابن بطة في الإبانة الكبرى (127)، واللالكائي في شرح السنة (94)، وقد حسّنه الألباني. انظر: حاشية المشكاة (1/59)، وظلال الجنة مع كتاب السنة (17).

[7] أخرجه أحمد (2/188، 210، 158، 165)، وابن أبي عاصم في السنة (51)، وابن حبان (11)، قال الألباني: "صحيح على شرط الشيخين". انظر: ظلال الجنة مع كتاب السنة (ص28)، وصحيح الترغيب والترهيب (1/98).

[8] رواه البخاري في كتاب النكاح، باب: الترغيب في النكاح (5063)، ومسلم في كتاب النكاح، باب: استحباب النكاح (1401).

[9] سنن الدارقطني: الوصايا (4/146)، وجامع بيان العلم (2/123)، وشرح اعتقاد أهل السنة (1/123).

[10] سنن الدرامي (1/49)، وجامع بيان العلم (2/123)، وشرح اعتقاد أهل السنة (1/123)، والإبانة لابن بطة (1/250) وقال المحقق: "إسناده صحيح".

[11] الإبانة (1/329)، والبدع لابن وضاح (80).

[12] الإبانة (1/329).

[13] شرح اعتقاد أهل السنة (1/121).

[14] الإبانة (1/327، 328).

[15] البدع لابن وضاح (34، 89)، وسنن الدارمي (191، 192)، وشرح اعتقاد أهل السنة (1/91، 92).

[16] البدع لابن وضاح (123).

[17] البدع والنهي عنها (58).

[18] شرح السنة للبغوي (1/216).

[19] الإبانة (1/121، 122).

[20] الإبانة (1/199).

[21] شرح السنة (1/216).

[22] جامع بيان العلم وفضله (2/93).

[23] الشرح والإبانة (141)، وجامع بيان العلم وفضله (2/93)، وتفسير ابن كثير (2/68).

[24] الشرح والإبانة (123).

[25] جامع بيان العلم (2/93)، وشرح السنة للبغوي (1/217).

[26] شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/135)، وجامع بيان العلم وفضله (2/93).

[27] جامع بيان العلم (2/93)، وشرح السنة للبغوي (1/217).

[28] شرح السنة للبغوي (1/216).

[29] شرح السنة (1/217).

[30] شرح السنة للبغوي (1/216).

[31] شرح السنة (1/217).

[32] شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/145)، وجامع بيان العلم وفضله (2/93).

[33] شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/138).

[34] سنن الدارمي (406)، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/129)، ولفظه: "لا تجادلوا...".

[35] جامع بيان العلم وفضله (2/93)، وأخرجه اللالكائي (1/29) عن معاوية بن قرة، ومثله الآجري في الشريعة (56).

[36] جامع بيان العلم وفضله (2/95)، وانظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/148، 149).

[37] شرح السنة (1/217).

[38] شرح السنة (1/217).

[39] شرح السنة (1/216).

[40] شرح السنة (1/217).

[41] جامع بيان العلم (2/95)، وشرح السنة (1/217).

[42] شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/146)، وشرح السنة (1/217).

[43] جامع بيان العلم وفضله (2/95).

[44] شرح السنة (1/216).

[45] جامع بيان العلم وفضله (2/95).

[46] جامع بيان العلم وفضله 2/92.

[47] الاعتصام (1/141-142) باختصار.

 

.