الملف العلمي للبحوث المنبرية لفقه وآداب وأحكام الصيام

.

  زكاة الفطر: خامسًا: مسائل متعلقة بأدائها:                                                                                  قائمة محتويات هذا الملف  

 

5- مسائل متعلقة بأدائها:

1/5 من تؤدى عنه زكاة الفطر:

اختلف أهل العلم فيمن يجب على الرجل أن يؤدي عنهم زكاة الفطر على قولين:

القول الأول: أنه يلزمه أن يخرج عن أولاده الصغار، وعن مماليكه للخدمة، ولا يلزمه أن يخرج عن زوجته ولا عن أولاده الكبار ونحوهم، وإن كانوا فقراء، بل يلزم كل واحد من هؤلاء أن يخرجها عن نفسه. وهو مذهب الحنفية([1]) والظاهرية([2]).

ومن أدلتهم:

حديث ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على الذكر والأنثى والحر والعبد والكبير والصغير من المسلمين)([3]).

وهو نصٌ في لزوم إخراج كل واحد من هؤلاء عن نفسه.

القول الثاني: أنه يجب على الرجل أن يؤدِّي زكاة الفطر عن كل من يمون ممن تلزمه نفقته من زوجته ووالديه إن كانا فقيرين وغيرهم، وهو مذهب جمهور أهل العلم([4]).

ومن أدلتهم:

حديث ابن عمر – في رواية -: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر وعبد ممن تمونون ([5]).

والراجح: هو القول الأول لصحة ما استدلوا به، ولأنّ الأصل في التكليف الاستقلال.

ولا تزر وازرة وزر أخرى، وأمّا حديث المخالف؛ فضعيف لا تقوم به حجة.

قال ابن عثيمين: "فالصحيح أنّ زكاة الفطر واجبة على الإنسان بنفسه، فتجب على الزوجة بنفسها، وعلى الأب بنفسه، وعلى الابنة بنفسها وهكذا، ولا تجب على الشخص عمن يمونه من زوجة وأقارب ... لكن لو أخرجها عمن يمونهم وبرضاهم؛ فلا بأس بذلك ولا حرج"([6]).

2/5 زكاة الفطر عن الجنين:

قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن لا زكاة على الجنين في بطن أمه، وانفرد ابن حنبل فكان يحبه ولا يوجبه"([7]).

وفي رواية عن أحمد تجب([8]).

ودليل الاستحباب: ما يروى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: أنه كان يعطي صدقة الفطر عن الحبل([9])، ولأنها صدقة عمن لا تجب عليه، فكانت مستحبة كسائر صدقات التطوع([10]).

قال ابن عثيمين: "فالذي يظهر لي أننا إذا قلنا باستحباب إخراجها عن الجنين فإنما تخرج عمن نفخت فيه الروح، ولا تنفخ الروح إلا بعد أربعة أشهر"([11]).

3/5 مقدار الواجب :

اتفق الفقهاء على أن الواجب إخراجه في الفطرة صاع من جميع الأصناف التي يجوز إخراج الفطرة منها، عدا البر والزبيب([12])، فقد اختلفوا في المقدار فيهما على قولين:

القول الأول: أنّ الواجب إخراجه في البر هو صاع منه. وإليه ذهب جمهور أهل العلم([13]).

واستدلوا لوجوب الصاع بحديث أبي سعيد الخدري قال: (كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من أقط، فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت) ([14]).

القول الثاني: أن الواجب إخراجه من البر أو الزبيب نصف صاع، وكذا دقيق القمح. وإليه ذهبت الحنيفية([15]). واستدلوا على ذلك بأن إخراج نصف صاع من بر هو الذي كان عليه العمل في عهد معاوية رضي الله عنه([16]).

وبحديث ثعلبة بن أبي صُعَير عن أبيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أدوا صاعًا من بر بين اثنين، أو صاعًا من تمر، أو شعير، عن كل حر وعبد، صغير أو كبير))([17]).

وهذا نصٌّ في المسألة إن صح، إلاّ أنه معارضٌ برواية أخرى للحديث، وفيها: ((أدوا صدقة الفطر صاعًا من قمح...))([18]).

والأظهر أنّ المقدار الواجب في البر وغيره الصاع، لحديث أبي سعيد الخدري.

قال ابن قدامة: "ولأنّه جنس يخرج في صدقة الفطر فكان قدره صاعًا كبقية الأجناس، ولأنّ فيما ذكرناه احتياطاً للفرض ومعاضدة للقياس"([19]).

وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ([20])، وبه قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين([21]).

4/5 النوع الواجب :

ذهب الحنفية([22]) إلى أنه يجزئ في إخراج زكاة الفطر القيمة من النقود، وهو الأفضل، أو العروض، لكن إن أخرج من البر أو دقيقه أو سويقه أجزأه نصف صاع، وإن أخرج من الشعير أو التمر أو الزبيب فصاع، وما سوى هذه الأشياء الأربعة المنصوص عليها من الحبوب كالعدس والأرز، أو غير الحبوب كاللبن والجبن واللحم، فتعتبر قيمته بقيمة الأشياء المنصوص عليها، فإذا أراد المتصدق أن يخرج صدقة الفطر من العدس مثلاً، فيُقوَّم نصف صاع من بر، فإذا كانت قيمة نصف الصاع ثمانية ريالات مثلاً، أخرج من العدس ما قيمته ثمانية ريالات، ومن الأرز واللبن والجبن وغير ذلك من الأشياء التي لم ينص عليها الشارع مثل ذلك.

وذهب المالكية([23]) إلى أنّه يخرج من غالب قوت البلد كالعدس والأرز والفول والقمح والشعير والسلت والتمر والأقط والدخن، وما عدا ذلك لا يجزئ، إلا إذا اقتاته الناس وتركوا الأنواع السابقة، ولا يجوز الإخراج من غير الغالب، إلا إذا كان أفضل، كأن اقتات الناس الذرة فأخرج قمحًا، وإذا أخرج من اللحم اعتبر الشبع، فإذا كان الصاع من البر يكفي اثنين إذا خبز، أخرج من اللحم ما يشبع اثنين.

وذهب الشافعية([24]) إلى أنه يخرج من جنس ما يجب فيه العشر، ولو وجدت أقوات فالواجب غالب قوت بلده، وقيل: من غالب قوته، وقيل: مخير بين الأقوات، ويجزئ الأعلى من الأدنى لا العكس.

وذهب الحنابلة([25]) إلى أنه يخرج من البر أو التمر أو الزبيب أو الشعير، ويخير بينها، ولو لم يكن المخرج قوتًا، فإن لم يجد ذلك أخرج من كل ما يصلح قوتًا من ذرة أو أرز أو نحو ذلك.

والأولى في جنس المخرج أن يكون مما يقتاته الناس وإن لم يكن منصوصاً عليه في الحديث.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن يُخْرج مما يقتاته أهل بلده، قال: "الأصل في الصدقات أنها تجب على وجه المساواة للفقراء كما قال تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة:89]. والنبيّ صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير؛ لأنّ هذا كان قوت أهل المدينة، ولو كان هذا ليس قوتهم، بل يقتاتون غيره لم يكلفهم أن يخرجوا مما لا يقتاتونه"([26]).

 قال ابن عثيمين: "إذا لم تكن هذه الأنواع أو بعضها قوتًا فهل تجزئ؟

الجواب: الصحيح أنهّا لا تجزئ، وإنما نص عليها في الحديث؛ لأنّها كانت طعامًا فيكون ذكرها على سبيل التمثيل لا التعيين؛ لما ثبت في صحيح البخاري قال: (كنا نخرجها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، وكان طعامنا يومئذ التمر والزبيب والشعير والأقط)([27]). فقوله: (من طعام) فيه إشارة إلى العلة، وهي أنها طعام يؤكل ويطعم، ويرجِّح هذا، ويقِّويه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم))([28])، وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا، لكن يقويه حديث ابن عباس رضي الله عنه: (فرضها – أي زكاة الفطر – طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين) ([29])، وعلى هذا فإن لم تكن هذه الأشياء من القوت كما كانت في عهد الرسول فإنها لا تجزئ"([30]).

5/5 هل يجزئ في زكاة الفطر إخراج القيمة؟

اختلف في ذلك أهل العلم على قولين:

القول الأول:

لا يجوز دفع قيمة الطعام في زكاة الفطر.

وهو مذهب جمهور العلماء من المالكية ([31])، والشافعية ([32])، والحنابلة([33]).

ومما استدلوا به: حديث ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعًا من تمر ... الحديث([34]).

قالوا: فإذا عدل عن ذلك فقد ترك المفروض، ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم فرض الصدقة على هذا الوجه، وأمر بها أن تؤدَّى، ولأن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير، وشكرًا لنعمة المال، والحاجات متنوعة، فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته، ويحصل شكر لنعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به، ولأنّ مخرج القيمة قد عدل عن المنصوص فلم يجزئه"([35]).

القول الثاني:

يجوز دفع القيمة في زكاة الفطر، بل هو أولى.

وهو مذهب الحنفية([36]).

قال الكاساني: "الواجب في الحقيقة إغناء الفقير لقوله صلى الله عليه وسلم: ((اُغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم))([37])، والإغناء يحصل بالقيمة، بل أتم وأوفر، لأنها أقرب إلى دفع الحاجة"([38]).

والراجح: ما ذهب إليه الجمهور من عدم إجزاء قيمة زكاة الفطر عن عينها ؛ لكونه أقرب إلى النصوص، وأحوط للذمة، ولأمره صلى الله عليه وسلم بإخراجها عيناً مع توافر النقدين في زمانهم.

قال ابن حزم: "لا تجزئ قيمة أصلاً؛ لأن ذلك غير ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيمة في حقوق الناس لا تجوز إلا بتراض منهم، وليس للزكاة مالك معين فيجوز رضاؤه"([39]).

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "لا يجوز إخراج زكاة الفطر نقودًا؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على وجوب إخراجها طعامًا"([40]).

6/5 مقدار الصاع النبوي:

الصاع مكيال متوارث من عهد النبوة، وقد اختلف الفقهاء في تقديره كيلاً ووزناً، فمذهب جمهور العلماء من المالكية([41]) والشافعية ([42])، والحنابلة ([43])، أنّ الصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي.

أما الحنفية([44]) فالصاع عندهم ثمانية أرطال.

أما مقدار الصاع بالموازين الحالية، فيقول ابن عثيمين: "وقد حررته [أي الصاع النبوي] فبلغ كيلوين وأربعين جرامًا من البر الرزين.

ومن المعلوم أن الأشياء تختلف خفه وثقلاً، فإذا كان الشيء ثقيلاً فإننا نحتاط ونزيد الوزن، وإذا كان حفيفًا فإننا نقلل ... وأما المد النبوي فقد وجدناه مقاربًا لما قاله العلماء من أن زِنته خمسمائة وعشرة جرامات"([45]).


 

([1])  مختصر القدوري (61)، البناية شرح الهداية للعيني (3/485)، حاشية ابن عابدين (2/75).

([2])  المحلى لابن حزم (6/137).

([3])  تقدم تخريجه ص 4.

([4])  انظر: التمهيد (7/131)، بلغة السالك (1/201)، أسهـل المـدارك للكشناوي (1/407)، مغني المحتـاج للشربيني (1/402)، شرح منتهى الإرادات للبهوتي (1/439).

([5])  رواه الشافعي في الأم كتاب الزكاة، باب الفطر (4/228)، والدارقطني في السنن، كتاب زكاة الفطر (2/141)، وقال: "رفعه القاسم، وليس بقوى، والصواب موقوف"، والبيهقي في الكبرى كتاب الزكاة، باب إخراج زكاة الفطر عن نفسه وغيره (4/161)، وقال: "إسناده غير قوي".

([6])  الشرح الممتع (6/155).

([7])  الإجماع (56).

([8])  المغني لابن قدامة (4/316) الإنصاف للمرداوي (7/96).

([9])  رواه ابن أبي شيبة كتاب الزكاة، باب في صدقة الفطر عما في البطن (2/432) والإمام أحمد في المسائل رواية ابنه عبد الله (644)، وفيه انقطاع ؛ لذا ضعفه الألباني في الإرواء (3/331)، وأخرج ابن أبي شيبة (2/398)، كتاب الزكاة، باب من قال صدقة الفطر صاع من شعير، وعبد الرزاق كتاب الزكاة، باب هل يزكي على الحبل (5788)، عن أبي قلابة قال: (كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطر عن الصغير والكبير حتى على الحبل في بطن أمه).

([10])  انظر: المغني لابن قدامة (4/316).

([11])  الشرح الممتع (6/162)، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة (9/366).

([12])  بداية المجتهد (1/64) لابن رشد.

([13])  انظر: الذخيرة للقرافي (3/170)، مغني المحتاج للشربيني (2/116)، كشاف القناع (1/471).

([14])  رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب صاع من زبيب (1508)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (985).

([15])  انظر: المبسوط للسرخسي (3/112).

([16])  أصله في صحيح البخاري: كتاب الزكاة، باب صاع من زبيب (1508).

([17])  ضعيف، رواه الإمام أحمد (5/432)، وأبو داود في كتاب الزكاة، باب من روى نصف صاع من تمر (1619)، والدارقطني في السنن (2/150). قال منها: "ذكرت لأحمد حديث ثعلبة بن أبي صعير في صدقة الفطر نصف صاع من بر فقال: ليس بصحيح، إنما هو مرسل، قال :مهنّا: وضعّف يعني: أحمد، حديث ابن أبي صعير، (نقلاً عن المغني (4/287).

([18])  تقدم تخريجه ص 6.

([19])  المغني (4/287).

([20])  انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية (9/370).

([21])  انظر: الشرح الممتع (6/180).

([22])  البناية شرح الهداية للعيني (3/494).

([23])  بلغة السالك (1/201).

([24])  مغني المحتاج (1/406)، أسنى المطالب (1/391).

([25])  كشاف القناع (1/471)، والإنصاف (7/129).

([26])  مجموع الفتاوى (25/69).

([27])  تقدم تخريجه.

([28])  رواه محمد بن الحسن في المبسوط كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر (2/247)، وبنحوه ابن عدي في الكمال (7/55)، والدراقطني في السنن كتاب الزكاة (2/153). والحاكم في معرفة علوم الحديث (1/131)، والبيقهي في الكبرى كتاب الزكاة باب وقت إخراج زكاة الفطر (4/175)، وابن حزم في المحلى (6/121)، ومداره على أبي معشر المدني، وقد ضعفه ابن معين والنسائي وغيرهم (انظر الكامل لابن عدي 7/52)، وقال البيهقي: غيره أوثق منه.

([29])  تقدم تخريجه.

([30])  الشرح الممتع (6/179) وما بعدها.

([31])  التفريع لابن الجلاب (1/297).

([32])  التهذيب للبغوي (3/129).

([33])  المغني لابن قدامة (4/295).

([34])  تقدم تخريجه.

([35])  انظر: المغني لابن قدامة (4/297).

([36])  المبسوط للسرخسي (3/114).

([37])  تقدم تخريجه وبيان ضعفه.

([38])  بدائع الصنائع (2/73).

([39])  المحلى (6/137).

([40]) فتاوى اللجنة الدائمة (9/371).

([41])  الذخيرة للقرافي (3/78).

([42])  الحاوي للماوردي (4/423).

([43])  الشرح الكبير لأبي الفرج المقدسي (7/122).

([44])  بدائع الصنائع (2/73).

([45])  الشرح الممتع (6/177)، وللتوسع انظر: المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلقة بها لكردي (ص227)، والموسوعة الفقهية الكونية (مصطلح: مقادير).

 
.