الملف العلمي للبحوث المنبرية لفقه وآداب وأحكام الصيام

.

  الاعتكاف: تاسعًا: زمن دخول المُعتكَف والخروج منه:                                                                         قائمة محتويات هذا الملف  

 

تاسعًا: زمن دخول المُعْتَكَفِ والخروج منه:

ا- زمن دخول المعتكَف:

اختلف أهل العلم رحمهم الله في الوقت المستحب لدخول المعتكف على قولين:

القول الأول: أنه من قبل غروب شمس يوم العشرين.

وبه قال الجمهور ([1]).

ومما استدلوا به حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه المتقدّم، وفيه: ((فليعتكف العشر الأواخر))([2]).

قالوا: دلّ هذا الحديث على أن زمن دخول المعتكف هو من قبل غروب الشمس
ليلة إحدى وعشرين؛ إذ "العَشْرُ" بغيرِ هاءٍ عددُ الليالي، وأوَّل هذه الليالي ليلة إحدى وعشرين
([3]).

واستدلوا أيضاً: بأنّ ليلة القدر تُرْجَى في أوتار العشر، ومنها ليلة إحدى وعشرين؛ ولهذا اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي سعيد – طلباً لها – العشر الأوسط ثم العشر الأواخر، فيستحب أن يدخل معتكفه قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين([4]).

القول الثاني: أنّ زمن دخول المعتكف يكون من بعد صلاة الصبح من يوم الحادي والعشرين.

وهو رواية عن أحمد([5])، وبه قال الأوزاعي، ورواية عن الليث ([6]).

ومما استدلوا به ما روته عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح دخل معتكفه([7]).

قالوا: وهذا نصٌّ في محل النزاع.

وَرُدَّ بأن معنى الحديث: أنّه انقطع في معتكفه، وتخلَّى بنفسه بعد صلاة الصبح، لا أنّ ذلك كان وقت ابتداء اعتكافه، بل كان من قبل المغرب لابثاً في جملة المسجد([8]).

وأجيب: بأنّه صرفٌ للّفظ عن ظاهره بلا دليل، وأيضاً فإن عادته صلى الله عليه وسلم أنه لا يخرج من بيته إلا عند الإقامة([9]).

وَرُدَّ: بوجود الدليل، كما تقدم في أدلة الجمهور.

ب- زمن الخروج منه:

استحب كثير من العلماء أن يكون خروجه من مُعْتَكَفه عند خروجه إلى صلاة
العيد
([10])، وإن خرج قبل ذلك جاز.

وهو فعل كثير من السلف([11]).

فعن الإمام مالك: "أنه رأى بعض أهل العلم إذا اعتكفوا العشر الأواخر من رمضان لا يرجعون إلى أهليهم حتى يشهدوا الفطر مع الناس".

وقال مالك: "وبلغني عن أهل الفضل الذين مضوا، وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك"([12]).

وقال إبراهيم النخعي: "كانوا يستحبون للمعتكف أن يبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يكون غُدوُّه منه إلى العيد"([13]).

ولأجل أن يصل عبادة بعبادة([14]).

وقال الأوزاعي: "يخرج إذا غربت الشمس من آخر يوم من أيام العشر"([15])؛ لأن العشر تزول بزوال الشهر؛ والشهر يزول بغروب الشمس من ليلة الفطر([16]).


 

([1]) حاشية ابن عابدين (2/452 )، المدوَّنة (2/238)، شرح مسلم للنووي (8/68)، الفروع (3/170).

([2]) تقدم تخريجه.

([3]) الشرح الكبير (2/67) بتصرف يسير.

([4]) الفروع (3/170 ).

([5]) انظر: الفروع (3/170 )، الإنصاف (3/369 ).

([6]) شرح النووي على مسلم (8/68 )، الإعلام لابن الملقن (5/434 ).

([7]) أخرجه البخاري في الاعتكاف، باب الاعتكاف في شوال (2041 )، ومسلم في الاعتكاف، باب متى يدخل من أراد الاعتكاف (1173 ).

([8]) شرح النووي على مسلم (8/69 )، الإعلام لابن الملقن (5/434 )، نيل الأوطار (4/265 ).

([9]) سبل السلام (2/174 ).

([10]) انظر: الاستذكار (10/296 )، المجموع (6/491 )، الشرح الكبير لابن قدامة (2/67 ).

([11]) انظر: الموطأ (1/351 )، المصنف لابن أبي شيبة (3/92 )، المغني (4/490 ).

([12]) "الموطأ" في الاعتكاف، باب خروج المعتكف للعيد (1/315 ).

([13]) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/338) بإسناد صحيح.

([14]) الشرح الكبير للدردير (1/550).

([15]) انظر: الاستذكار (10/297).

([16]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2/337).

 
.