الملف العلمي للبحوث المنبرية لفقه وآداب وأحكام الصيام

.

  ليلة القدر: تاسعًا: ما يستحب فيها من أعمال:                                                                                    قائمة محتويات هذا الملف  

 

9 - ما يستحب فيها من أعمال:

1/9 صلاة التراويح([1]):

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه)([2]).

عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً . فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن توتر؟ قال: ((يا عائشة، إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي))([3]).

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سأل رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: ما ترى في صلاة الليل؟ قال: ((مثنى مثنى، فإذا خشي الصبح صلى واحدةً فأوترت له ما صلّى))([4]).

وأكمل الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم في عددها وكيفيّتها، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، وغيرهِ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "نفس قيام رمضان لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم فيه عدداً معيناً، بل كان هو صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يطيل الركعات، فلما جمعهم عمر على أبيّ بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة، ثم يوتر بثلاث، وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد من الركعات. لأن ذلك أخفّ على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة، ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين، وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ، فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه، فقد أحسن.

والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام، فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين هو الأفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها جاز ذلك، ولا يكره شيء من ذلك. وقد نصّ على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره"([5]).

2/9 الدعاء بما أرشد صلى الله عليه وسلم إليه: ((اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعف عنا)):

عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: أرأيتَ إن علمتُ أي ليلةٍ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: ((اللهم إنك عفوٌ كريم تحب العفو فاعف عني))([6]).

3/9 الاعتكاف:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان ([7]).

قال الإمام البخاري: "باب الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها...".

قال الحافظ ابن حجر: "قال أبو داود عن أحمد: لا أعلم عن أحدٍ من العلماء خلافاً أنه مسنون"([8]).

4/9 الاجتهاد في إحيائها بالعبادة، وإيقاظ الأهل لذلك:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله ([9]).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكذلك قيام الليالي جميعها، كالعشر الأخير من رمضان، أو قيام غيرها أحياناً، فهذا مما جاءت به السنن، وقد كان الصحابة يفعلونه فثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأخير من رمضان شدّ المئزر، وأيقظ أهله، وأحيا ليله كله"([10]).

وقال القسطلاني: "وجزم عبد الرزاق بأن شدّ مئزرِه هو اعتزاله النساء، وحكاه عن الثوري، وقال الخطابي: يحتمل أن يراد به الجدّ في العبادة كما يقال: شددت لهذا الأمر مئزري، أي: تشمرت له، ويحتمل أن يراد به التشمير والاعتزال معاً، ويحتمل أن يراد به الحقيقة والمجاز، فيكون المراد: شدّ مئزره حقيقة فلم يحلّه، واعتزالَ النساء وتشمّر للعبادة.

وقوله: ((وأحيا ليله)) أي: سهره، فأحياه بالطاعة، وأحيا نفسه بسهره فيه ؛ لأن النوم أخو الموت، وأضافه إلى الليل اتساعاً، لأن النائم إذا حيي باليقظة حيي ليله بحياته، وهو نحو قوله: لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، أي: لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور.

فقد كان صلى الله عليه وسلم يخصّ العشر الأخير بأعمالٍ لا يعملها في بقيّة الشهر، فمنها إحياء الليل، فيحتمل أن المراد إحياء الليل كله، ويحتمل أن تريد – يعني عائشة - بإحياء الليل غالبِهُ"([11]).

5/9 الاغتسال والتطيب والتزيّن:

وقد ورد هذا عن بعض السلف.

قال الحافظ ابن رجب: "كان النخعي يغتسل في العشر كله، ومنهم من كان يغتسل ويتطيّب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر، وأمر زرّ بن حبيش بالاغتسال ليلة سبع وعشرين من رمضان.

ورُوي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه إذا كان ليلة أربع وعشرين اغتسل وتطيّب ولبس حلّة إزاراً ورداءً، فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من قابل.

وكان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاث وعشرين، وأربع وعشرين، ويلبس ثوبين جديدين، ويستجمر([12])، ويقول: ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة، والتي تليها ليلتنا، يعني البصريين.

وعن حماد بن سلمة: كان ثابت البناني، وحميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيّبان، ويطيّبون المسجد بالنضوح والدخنة([13]) في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر.

فتبيّن بهذا أنه يستحبّ في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظّف والتزيّن، والتطيّب بالغسل والطيب واللباس الحسن، كما يشرع ذلك في الجُمع والأعياد، وكذلك يُشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات، كما قال تعالى: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31]، وقال ابن عمر: (الله أحق أن يتزيّن له)، ورُوي عنه مرفوعاً ([14]).

ولا يَكْمُل التزيُّنُ الظاهر إلاّ بتزيين الباطن ؛ بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى، وتطهيره من أدناس الذنوب وأوضارها ؛ فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغني شيئاً"([15]).


 

([1]) قال الحافظ ابن حجر في سبب تسميتها بالتراويح: "لأنهم أول ما اجتمعوا عليها كانوا يستريحون بين كل تسليمتين" فتح الباري (4/294).

([2]) رواه البخاري (2/62) كتاب فضل ليلة القدر باب فضل ليلة القدر رقم (2014) ومسلم (1/524) كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح رقم (760).

([3]) رواه البخاري (2/61) كتاب صلاة التراويح باب فضل من قام رمضان رقم (2013). ومسلم (1/509) كتاب صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد ركعا ت النبي صلى الله عليه وسلم رقم (738).

([4]) رواه البخاري (1/168) كتاب الصلاة باب الحلق والجلوس في المسجد رقم (472) ومسلم (1/516) كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة الليل مثنى مثنى رقم (749).

([5]) مجموع الفتاوى (22/272).

([6]) رواه الترمذي (5/534) كتاب الدعوات، باب حدثنا يوسـف بن عيسى رقـم (3513). وابـن ماجـه (2/1265) كتاب الدعاء، باب الدعاء بالعفو والعافية. وأحمد في المسند (6/171، 182، 183). والحاكم (1/530)، قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ولم يتعقبه الذهبي.

([7]) رواه البخاري (2/65) كتاب الاعتكاف باب الاعتكاف في العشر الأواخر رقم (2025) ومسلم (2/830) كتاب الاعتكاف باب اعتكاف العشر الأواخر رقم (1171).

([8]) فتح الباري (4/320).

([9]) رواه البخاري (2/64) كتاب فضل ليلة القدر باب العمل في العشر الأواخر من رمضان رقم (2024) ومسلم (2/732) كتاب الاعتكاف باب الاجتهاد وفي العشر الأواخر من شهر رمضان رقم (1174).

([10]) مجموع الفتاوى (22/304).

([11]) المواهب اللدنية (4/393-394) باختصار.

([12]) مِن: الجَمْر ، والمراد: يتطيّب بالبخور.

([13]) النضوح: نوع من الطيب تفوح رائحته، والدُّخنة: ما يُتبخّر به من الطيب.

([14]) رواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر ولفظه: "إذا صلى أحدكم فليصل في ثوبين، فإن لم يكن عليه ثوب فليتزر به، ثم ليصل، ولا تشتملوا اشتمال اليهود، فإن الله أحق أن يتزيّن له" (8/29-30) . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/51): إسناده حسن.

([15]) لطائف المعارف (ص346-347).

 
.