الملف العلمي للبحوث المنبرية لفقه وآداب وأحكام الصيام

.

  ليلة القدر: ثانيًا: فضلها:                                                                                                         قائمة محتويات هذا الملف  

 

2- فضلهـا:

1/2 أنها خيرٌ من ألف شهر:

قال تعالى: {لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3].

قال مجاهد: "عملها وصيامها وقيامها خيرٌ من ألف شهر"([1]).

وقال عمرو بن قيس الملائي: "عملٌ فيها خيرٌ من عمل ألف شهر"([2]).

وعن قتادة قال: "خيرٌ من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر"([3]).

قال الدكتور عبد الرحمن حبنكة: "وألف شهر تعادل ثلاثاً وثمانين سنة وثلث السنة، وهذا عمرٌ قلَّ من الناس من يبلغه، فكيف بمن يعبد الله فيه، وهو لا يعبد إلاّ مميزًا على أقل تقدير"([4]).

2/2 نزول الملائكة والروح فيها:

قال تعالى: {تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبّهِم مّن كُلّ أَمْرٍ} [القدر:4].

قال البغوي: "قوله عز وجل: {تَنَزَّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَٱلرُّوحُ} يعني جبريل عليه السلام معهم {فِيهَا} أي: ليلة القدر {بِإِذْنِ رَبّهِم} أي: بكل أمرٍ من الخير والبركة"([5]).

قال الحافظ ابن كثير: "أي: يكثر تنـزّل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنـزلون مع تنزّل البركة والرحمة، كما يتنـزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحِلَقِ الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدقٍ تعظيماً له"([6]).

3/2 أنها سلام إلى مطلع الفجر:

قال تعالى: {سَلَـٰمٌ هِىَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ} [القدر:5].

عن مجاهد في قوله: {سَلَـٰمٌ هِىَ} قال: "سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً أو يعمل فيها أذى"([7]).

قال أبو المظفر السمعاني: "وقوله: {سَلَـٰمٌ هِىَ} فيه قولان:

أحدهما: أن المراد منه تسليم الملائكة على من يذكر الله تعالى في تلك الليلة([8]).

والقول الثاني: {سَلَـٰمٌ} أي سلامة، والمعنى أنه لا يعمل فيها داء ولا سحر ولا شيء من عمل الشياطين والكهنة"([9]).

وقال ابن الجوزي: "... وفي معنى السلام قولان:

أحدهما: أنه لا يحدث فيها داء ولا يُرسَل فيها شيطان، قاله مجاهد.

والثاني: أن معنى السلام: الخير والبركة، قاله قتادة، وكان بعض العلماء يقول: الوقف على {سَلَـٰمٌ}، على معنى تنزّل الملائكة بالسلام"([10]).

4/2 من قامها إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدّم من ذنبه))([11]).

قال ابن بطال: "ومعنى قوله: ((إيماناً واحتساباً)) يعني مُصدِّقاً بفرض صيامه، ومصدقاً بالثواب على قيامه وصيامه، ومحتسباً مريداً بذلك وجه الله، بريئاً من الرياء والسمعة، راجياً عليه ثوابه"([12]).

قال النووي: "معنى إيماناً: تصديقاً بأنّه حق، مقتصد فضيلته، ومعنى احتساباً: أن يريد الله تعالى وحده، لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص، والمراد بالقيام: صلاة التراويح، واتفق العلماء على استحبابها"([13]).

5/2 تقدير الأرزاق والآجال والمقادير فيها:

قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ C فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان:3، 4].

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن الرجل ليمشي في الناس وقد رُفع في الأموات)، ثم قرأ هذه الآية: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ C فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} قال: (يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة)([14]).

وقال أبو عبد الرحمن السلمي في الآية: "يُدَبِّر أمر السنة في ليلة القدر"([15]).

وقال مجاهد: "كنا نحدّث أنه يفرق فيها أمر السنة إلى السنة"([16]).

ونقل القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنه: "يحكم الله أمر الدنيا إلى قابل في ليلة القدر ما كان من حياة أو موت أو رزق، وقاله قتادة ومجاهد والحسن وغيرهم، وقيل: إلا الشقاء والسعادة فإنهما لا يتغيران ؛ قاله ابن عمر"([17]).

واختُلف في الليلة المراد بها في الآية على قولين:

القول الأول: أنها ليلة القدر. وهو قول ابن عباس([18])، وأبي عبد الرحمن السلمي([19])، وقتادة([20])، ومجاهد([21])، والحسن البصري([22]).

القول الثاني: أنها ليلة النصف من شعبان. وهو مروي عن عائشة([23])، وعكرمة([24]).

الترجيح:

قال ابن جرير الطبري: "وأولى القولين بالصواب قول من قال: ذلك ليلة القدر؛ لما تقدم من بياننا عن أن المعنيّ بقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَـٰهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ} [الدخان:3]. ليلة القدر، والهاء في قوله: {فِيهَا} من ذكر الليلة المباركة"([25]).

وقال الحافظ ابن كثير: "... ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان كما رُوي عن عكرمة فقد أبعد النُجعة، فإنّ نص القرآن أنّها في رمضان. والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل عن الزهري أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إنّ الرجل لينكح ويولد له، وقد أخرج اسمه في الموتى))([26])، فهو حديث مرسل، ومثله لا يعارض به النصوص"([27]).


 

([1]) انظر تفسير الطبري (24/533).

([2]) المصدر السابق.

([3]) المصدر السابق.

([4]) الصيام ورمضان في السنة والقرآن لعبد الرحمن حسن حبنكه (ص183).

([5]) تفسير البغوي (8/491).

([6]) تفسير ابن كثير (4/568).

([7]) تفسير ابن أبي حاتم (10/3453)، وانظر: تفسير ابن كثير (4/568).

([8]) تفسير القرآن لأبي المظفّر السمعاني (6/262).

([9]) انظر: أحكام القرآن لابن العربي (4/1964).

([10]) زاد المسير لابن الجوزي (8/287).

([11]) رواه البخاري (1/28) كتاب الإيمان باب قيام ليلة القدر من الإيمان رقم (35)، ومسلم (1/235)، واللفظ له، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح رقم (759).

([12]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (1/59).

([13]) شرح صحيح مسلم للنووي (6/39). وانظر: إكمال المعلم للقاضي عياض (3/112).

([14]) رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (22/10) وعبد الله بن أحمد في السنة (2/407). وانظر الدرّ المنثور (5/739).

([15]) رواه الطبري في تفسيره (22/9).

([16]) المصدر السابق.

([17]) تفسير القرطبي (16/126).

([18]) تفسري ابن أبي حاتم (10/3287) وانظر الدر المنثور (5/738) ومعاني القرآن للنحاس (6/396-397).

([19]) تفسير الطبري (22/9).

([20]) تفسير الطبري (22/9).

([21]) تفسير الطبري (22/9).

([22]) تفسير الطبري (22/8).

([23]) انظر: الدرّ المنثور (5/740).

([24]) تفسير الطبري (22/10) وابن أبي حاتم (10/3287) والبغوي (7/228).

([25]) تفسير الطبري (22/10-11).

([26]) رواه الطبري في تفسيره (22/10) والبيهقي في شعب الإيمان (7/422-423).

([27]) تفسير ابن كثير (4/138).

 
.