الملف العلمي لتحقيق تاريخ مولد النبي صلى الله عليه وسلم

.

  تحقيق تاريخ مولد النبي صلى الله عليه وسلم: رابعاً: الترجيح:                               الصفحة السابقة                   

 

رابعا ـ الترجيح:

الذي يَعرف أحوال العرب ويعلم أنهم كانوا أمة أمية لم يكونوا يؤرخون بالأيام، بل كانوا يؤرخون بالأعوام، فيقولون: عام الفيل، وعام بناء الكعبة، وعام الحديبية، وعام حجة الوداع يعلم يقينًا أن تحديد يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الشهر من غير طريق النقل الصحيح أمر صعب.

ذلكم أن العرب لم تكن لها سجلات تحصي فيها أسماء المواليد، بل لم يكن ذلك من همِّها، فكيف يُتصوَّر أنّ أحدًا من الناس حين وُلدَ النبي صلى الله عليه وسلم تفرَّس فيه أنه سيكون له شأن جلل، فضبط ذلك الحدث باليوم والشهر والسنة، فقد وُلد صلى الله عليه وسلم ولادةً عادية كما يولد سائر الناس، وما ورد من الخوارق التي صاحبت ولادتَه صلى الله عليه وسلم لا يصح منها شيء، وأما النور الذي رأته أمُّه وأضاءت له قصور بصرى بالشام فهو رؤيا منام، رأت ذلك حين حملت به صلى الله عليه وسلم.

وإذا نظرنا في هذه الأقوال المختلفة في تحديد يوم ولادته صلى الله عليه وسلم وجدنا أن أقربها إلى الواقع القول الذي صح عن محمد بن جبير بن مطعم رضي الله عنه، وذلك لأنه مؤيَّد بحسابات الفلكيين([1])، فهو الذي رجحه الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي وهو من كبارهم، قال: "كان قدوم الفيل مكة لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم، يوم الأحد، وكان أوَّل المحرم من تلك السنة يوم الجمعة، وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بخمسين يومًا يومَ الاثنين لثمان خلت من ربيع الأول، وذلك يوم عشرين من نيسان، وبعث نبيُّنا يوم الاثنين لثمانٍ خلت من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل، فكان من مولده إلى أن بعثه الله أربعون سنة ويوم، ومن مبعثه إلى أول المحرم من السنة التي هاجر فيها اثنتا عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يومًا، وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من عام الفيل" ([2]).

واعتمد هذا القول الحافظ أبو الخطاب ابن دحية في كتابه: "التنوير في مولد البشير النذير"[3]، ومال إلى تصحيح هذا القول الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في كتابه صحيح السيرة النبوية[4].


([1]) انظر: البداية والنهاية (3/ 375)، قال: "ونقل ابن عبد البر عن أصحاب الزيج أنهم صححوه"، قال في الوسيط مادة (ز ي ج): "والزيج كل كتاب يتضمن جداول فلكية يعرف منها سير النجوم، ويستخرج بواسطتها التقويم سنة سنة".

([2]) انظر: عيون الأثر (1/81).

([3]) انظر: البداية والنهاية (3/ 375).

([4]) صحيح السيرة النبوية (ص 13).

 

.