الملف العلمي للهجرة

.

   الهجرة : أولاً: تعريف الهجرة                                                        الصفحة السابقة                 الصفحة التالية   

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فقال الشيخ أبو يعلى الزواوي رحمه الله: " قد علمت وفقنا الله وإياكم أن السلف يحفلون للهجرة ولا يحتفلون بها... وأما الاحتفال بالهجرة ولم يجر إلا في عهدنا هذا وهو حسن ما لم يعتريه ما اعترى الموالد في مصر كما علمتم، وليقتصر على التنويه بالهجرة إجمالاً وتفصيلاً" ([1]).

أولاً: تعريف الهجرة:

الهجرة لغة: اسمٌ من هجر يهجُر هَجْرا وهِجرانا([2]).

قال ابن فارس: "الهاء والجيم والراء أصلان، يدل أحدهما على قطيعة وقطع، والآخر على شد شيء وربطه. فالأول الهَجْر: ضد الوصل، وكذلك الهِجْران، وهاجر القوم من دار إلى دار: تركوا الأولى للثانية، كما فعل المهاجرون حين هاجروا من مكة إلى المدينة"([3]).

وضبط ابن منظور أيضاً التي بمعنى الخروج من أرض إلى أرض بضم الهاء: الهُجْرة([4]).

ويكون الهجر بالقلب واللسان والبدن([5]):

فمن الهجر بالبدن قوله تعالى: {وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ} [النساء:34].

ومن الهجر باللسان قول عائشة رضي الله عنها لما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى، أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم)) قالت: أجل، والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك([6]).

ومن الهجر بالقلب ما جاء في حديث: ((من الناس من لا يذكر الله إلا مهاجراً))([7])،  قال ابن الأثير نقلاً عن الهروي: "يريد هِجران القلب وترك الإخلاص في الذكر، فكأنّ قلبه مهاجر للسانه غير مواصل له"([8]).

وقد تجتمع هذه الوجوه كلها أو بعضها في بعض أنواع الهجر.

الهجرة شرعاً:

عرّفها غير واحد بأنها ترك دار الكفر والخروج منها إلى دار الإسلام([9]).

وأعم منه ما قاله الحافظ ابن حجر: "الهجرة في الشرع ترك ما نهى الله عنه"([10])،  وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ((المهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) ([11])،  وهي تشمل الهجرة الباطنة والهجرة الظاهرة، فأما الهجرة الباطنة فهي ترك ما تدعو إليه النفس الأمارة بالسوء وما يزيّنه الشيطان، وأما الظاهرة فهي الفرار بالدين من الفتن([12])، والأولى أصل للثانية.

ولما كانت الثانية أعظم أمارات الأولى وأكمل نتائجها خص بعض العلماء التعريف بها كما تقدم. ثم لما كانت هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة أشرف الهجرات وأشهرها انصرف اللفظ عند الإطلاق إليها.

وأما لفظ الهجرتين فهو عند الإطلاق يراد به الهجرة إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة([13]).


 


([1])   الثمرة الأولى لجميعة الطلبة الجزائريين الزيتونيين ص 40، نشرة السنة الرابعة 1355ـ 1356هـ، 1936 ـ 1937م.

([2])   انظر : لسان العرب (8/4616).

([3])   معجم مقاييس اللغة (6/34) . ولم يذكر للأصل الثاني مثالاً.

([4])   انظر : لسان العرب (8/4617).

([5])   انظر : التوقيف على مهمات التعاريف (738).

([6])   أخرجه البخاري (9/325-الفتح) [5228]. وفي هذا الحديث فضل عائشة رضي الله عنها حيث إنها أخبرت مقسمة أنها في حالة الغضب الذي يسلب العاقل اختياره لا تتغير عن المحبة المستقرة في قلبها للنبي صلى الله عليه وسلم،  فلا يترك قلبها التعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم مودة ومحبة،  ثم من فطنتها رضي الله عنها أنها لما لم يكن لها بد من هجر اسمه الشريف أبدلته بمن هو صلى الله عليه وسلم أولى الناس به وهو إبراهيم عليه السلام حتى لا تخرج عن دائرة التعلق في الجملة. انظر : فتح الباري (9/326).

([7])   لم أقف عليه.

([8])  النهاية (5/245).

([9])  انظر : التعريفات للجرجاني (256) والمفردات للراغب (537) وجامع العلوم والحكم لابن رجب (1/72-73).

([10])   فتح الباري (1/16).

([11])   جزء من حديث أخرجه البخاري (1/53-الفتح) [10] من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

([12])   انظر: فتح الباري (1/54).

([13])   انظر: لسان العرب (8/4617) .

 

.