الملف العلمي للحج

.

  مناسك الحج (مفصل): سابع عشر: محظورات الإحرام:                             الصفحة السابقة           الصفحة التالية    

 

سابع عشر: محظورات الإحرام:

المحظور هو الممنوع المحرَّم، ومنه: قوله تعالى: {وما كان عطاء ربِّك محظورًا} أي: ممنوعًا.

ومحظورات الإحرام: ما يحرم على المحرم فعله بسبب الإحرام.

وهي نوعان؛ نوعٌ يوجب فساد الحجّ، ونوعٌ لا يوجب فساده.

النوع الأول: الذي يوجب فساد الحجّ: الجماع.

قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أنّ الحجّ لا يفسد بإتيان شيءٍ حال الإحرام، إلاّ الجماع".

والجماع يفسد الحجّ بشرطين اثنين:

1-   أن يكون الجماع في الفرج.

فهذا متفق عليه عند جمهور أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة.

2-  أن يكون الجماع قبل التحلل الأول، سواء الوقوف أو بعده.

قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أنّ من وطئ قبل أن يطوف ويسعى أنّه مفسدٌ" أي لحجّه.

غير أنّ الناسي والجاهل والمكره عند شيخ الإسلام لا يفسد حجّه؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني في الإرواء. واختاره ابن مفلح.

حكم الحجّ إذا فسد:

عن يزيد بن نُعيم الأسلميّ: أنّ رجلاً من جُذام جامع امرأته، وهما محرمان، فسألا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ((اقضيا نسكًا، واهديا هديًا)).

قال الحافظ: "رجاله ثقات مع إرساله".

وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما في رجلٍ وقع على امرأته وهو محرم، قال: ((اقضيا نسككما، وارجعا إلى بلدكما، فإذا كان عام قابل، فاخرجا حاجّين، فإذا أحرمتما فتفرقا، ولا تلتقيا حتى تقضيا نسككما، وأهديا هديًا)) رواه البيهقي بإسناد صحيح.

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه: أنّ رجلاً أتى عبد الله بن عمرو ـ وأنا معه ـ يسأله عن محرم وقع بامرأته، وأشار إلى عبد الله بن عمر، فقال: اذهب إلى ذلك فسله. قال شعيب: فلم يعزم الرجل، فذهبت معه، فسأل ابن عمر. فقال: بطل حجّك. فقال الرجل: فما أصنع؟ قال: اخرج مع الناس، واصنع ما يصنعون، فإذا أدركت قابل فحج وأهدِ. فرجع إلى عبد الله بن عمرو - وأنا معه - فأخبره، فقال: اذهب إلى ابن عباس فسله. قال شعيب: فذهبت معه إلى ابن عباس، فسأله، فقال مثل ما قال ابن عمر، فرجع إلى عبد الله بن عمرو - وأنا معه - فأخبره بما قال ابن عباس، ثم قال: ما تقول أنت؟ فقال: قولي مثل ما قالا. رواه البيهقي، وقال: "هذا إسناد صحيح".

الآثار المترتبة على فساد الحجّ:

1-       أنّ الرجل والمرأة يستويان في فساد الحجّ.

2-       أنّه يجب المضي في فاسده.

3-       أنّ عليه بدنة.

4-       أنّه يجب قضاؤه.

5-       أن عليهما أن يتفرقا في القضاء حتى يتما حجّهما.

أمّا إذا حصل الجماع بعد التحلل الأول، وقبل طواف الإفاضة؛ فالحجّ صحيح، ولا يلزمه شيءٌ غير التوبة والإنابة.

النوع الثاني: الذي لا يوجب فساد الحجّ ثمانية:

1-    إزالة الشعر من أي جزء من أجزاء البدن بلا عذر:

قال تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله}، ويلحق بالحلق أي طريقة تؤدي إلى إزالة شعر الرأس من موضعه.

وعليه أجمع العلماء، قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أنّ المحرم ممنوع من حلق رأسه، وجذه، وإتلافه بجذٍ، أو نورة، أو غير ذلك".

أمّا مع وجود العذر؛ فيجوز حلق شعر الرأس، وعليه الفدية، قال تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذًى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}، وقد بيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديث كعب بن عجرة هذه الفدية، فقال: ((صيام ثلاثة أيّام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاعٍ أو ذبح شاة)) متفق عليه. وهي المعروفة عند أهل العلم بفدية الأذى.

قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أنّ له - أي المحرم - حلق رأسه من علّة".

أمّا ازالة سائر شعر البدن؛ فلا حرج عليه إن احتاج إليه. وإن لم يحتج إليه؛ فالأولى أن لا يأخذ شيئًا من شعر بدنه احتياطًا، ولا بأس عليه إن فعل.

2-  تقليم الأطفار:

وهذا المحظور ليس عليه نصّ من كتاب أو سنة، والفقهاء قاسوه على حلق شعر الرأس بجامع الترفه، وعليه نقل ابن المنذر إجماع أهل العلم، قال: "وأجمعوا على أنّ المحرم ممنوع من أخذ أظفاره".

وقال ابن قدامة: "أجمع أهل العلم على أنّ المحرم ممنوعٌ من أخذ أظفاره" .

ولكن إن انكسر شيٌ من ظفره دون قصد؛ فله أن يزيله، قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أنّ له أن يزيل عن نفسه ما كان منكسرًا منه - أي من ظفره -".

3-  تعمد تغطية الرأس للرجل:

قال ابن المنذر"وأجمعوا على أنّ المحرم ممنوع من تخمير ـ أي تغطية ـ رأسه"؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته دابته وهو محرم: ((لا تخمروا رأسه)) أي لا تغطوه، ولنهيه صلى الله عليه وسلم المحرم عن لبس العمائم والبرانس. متفقٌ عليه.

وأمّا استظلال المحرم بما ليس بملاصقٍ لرأسه كسقف السيارة أو الطائرة أو السفينة أو الشمسية أو نحو ذلك؛ فلا بأس به لما ثبت أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ظلل عليه بثوبٍ حين رمى جمرة العقبة. رواه مسلم.

وكذلك إذا غطَّى رأسه بما لا يقصد به التغطية والستر كحمل الأمتعة ونحوه؛ فلا بأس به، لأنّه لم يقصد به الستر والتغطية، والأمتعة لا يستر بمثلها غالبًا.

واختلف أهل العلم في تغطية الوجه للرجل؛ والراجح في المسألة جواز تغطية الوجه وعدم اعتبارها من محظورات الإحرام؛ لشذوذ اللفظة الزائدة الواردة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته دابته وهو محرم: ((ولا تخمروا رأسه ووجهه ..)) رواه مسلم.

فإنّ الرواية المتفق عليها في الصحيحين لم ترد فيها تلك اللفظة: ((ولا تخمروا رأسه)) فقط.

أمّا المرأة فمأمورة بعدم تغطيتها لوجهها، ويحرم عليها لبس النِقاب؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((ولا تنتقب المرأة)).

ولها أن تغطي وجهها إذا مرَّت بحضرة رجال أجانب، ولا شيء عليها.

4-  لبس الذكر للمخيط عمدًا:

المراد من النهي عن لبس المخيط: هو النهي عن لبس الثوب المفصَّل على البدن أو على عضو من أعضائه، لا ما كان فيه خيط، فيدخل فيه كل ما فُصِّل على البدن كما جاء في فتوى النبيِّ صلى الله عليه وسلم للذي سأله عن ما يلبس المحرم؟ فقال: ((لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل، ولا ثوبًا مسَّه ورسٌ أو زعفرانٌ، ولا الخفين، إلاّ أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين)) متفق عليه.

قال القاضي عياض: "أجمع المسلمون على أن ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم".

ويحرم على المرأة لبس القفازين؛ لما رواه البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ولا تنتقب المرأة، ولا تلبس القفازين)).

5-  تعمّد الطيب:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته دابته وهو محرم: ((لا تحنطوه)) متفق عليه. وفي رواية لمسلم: ((لا تمسوه بطيب)).

قال ابن المنذر: "وأجمع أهل العلم على أنّ المحرم ممنوع من استعمال الطيب في جميع بدنه".

فيمنع المحرم بعد تلبسه بالنسك أن يتطيَّب في أي جزءٍ من بدنه.

أمّا قبل تلبسه بالإحرام فيجوز له أن يتطيب، قالت عائشة رضي الله عنها: (كنتُ أنظر إلى وبيص ـ لمعان ـ المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرمٌ) متفق عليه.

6-  قتل صيد البر المأكول وذبحه، واصطياده:

يحرم على المحرم قتل صيدِ البر المأكول وذبحه؛ لقوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حُرم}.

ويحرم عليه اصطياده لقوله تعالى: {وحُرِّم عليكم صيد البرِّ ما دمتم حرمًا}.

قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أنّ المحرم إذا قتل صيدًا، عامدًا لقتله، ذاكرًا لإحرامه، أنّ عليه الجزاء".

ويحرم عليه أن يأكل من الصيد الذي صِيد لأجله؛ فعن الصعب بن جثامة أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نزل به ضيفًا في طريقه إلى مكة في حجّة الوداع، فصاد الصعب حمارًا وحشيًا، وجاء به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فردّه عليه، وقال: ((إنّا لم نرده عليك إلاّ أنَّا حُرُمٌ)) رواه البخاري.

أمّا إذا لم يصد لأجله؛ فلا بأس على المحرم أن يأكل منه؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم للصحابة الذين سألوه عن الأكل من الصيدِ الذي صاده أبو قتادة، وهم محرمون، فقال: ((أمنكم أحدٌ أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟)). قالوا: لا. قال: ((فكلوا ما بقي من لحمها)) متفق عليه.

7-  عقد النكاح:

لا يتزوج المحرم، ولا يزوِّج غيره بولاية ولا بوكالة؛ لما ثبت عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ((لا ينكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب)) رواه مسلم.

ولأنّ الإحرام يمنع من الوطء ودواعيه، فمُنِع عقد النكاح؛ لأنّه من دواعي الوطء.

أمّا ما جاء من حديث ابن عباس أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرمٌ؛ فالراجح أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، كما روت ذلك ميمونة نفسها، وهي أعلم بنفسها من ابن عبّاس. متفق عليه

وكذلك أخبر أبو رافع الذي كان سفيرًا بينها وبين النبيِّ صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد والترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن حبّان.

8-  المباشرة من الرجل للمرأة فيما دون الفرج:

إذا وقعت المباشرة قبل التحلل الأول؛ فإنّه لا يفسد الحجّ ولا الإحرام، ولكنه قد ارتكب محظورًا محرمًا، واستحق إثمًا، إلاّ أن يستغفر الله.

وكذلك لو باشرها بعد التحلل الأول؛ فإنّ الإثم عليه بارتكابه هذا الأمر؛ لأنّه لم يتحلل التحلل الكامل بعدُ.

فدية محظورات الإحرام:

فاعل هذه المحظورات له ثلاث حالاتٍ:

1-   أن يفعل المحظور بلا عذرٍ ولا حاجة فهذا آثمٌ، وعليه الفدية.

2-  أن يفعل المحظور لحاجة إلى ذلك مثل أن يحتاج إلى لبس القميص لدفع برد يخاف منه الضرر، فيجوز أن يفعل ذلك وعليه فديته، كما جرى لكعب بن عجرة رضي الله عنه، حين حُمِل إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر من رأسه على وجهه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى – أو قال: ما كنتُ أرى الجهد بلغ بك ما أرى, تجد شاة؟)) فقلتُ: لا. فقال: ((فصم ثلاثة أيّام أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكينٍ نصف صاع)) متفق عليه.

3-  أن يفعل المحظور وهو معذور بجهل أو نسيانٍ أو إكراه؛ فلا إثم عليه ولا فديه، لقوله تعالى: {وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمَّدت قلوبكم}.

ولقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني في الإرواء.

وتنقسم محظورات الإحرام بالنسبة إلى الفدية إلى أربعة أقسام:

1-    ما لا فدية فيه، وهو عقد النكاح.

2-   ما فديته بدنة، وهو الجماع في الحجّ قبل التحلل الأول.

3-   ما فديته جزاؤه أو ما يقوم مقامه، وهو قتل الصيد.

4-   ما فديته صيامٌ أو صدقة أو نسك، وهو فدية الأذى في حلق شعر الرأس، وألحق به العلماء بقية المحظورات سوى عقد النكاح والجماع والصيد.

تنبيهات:

1-    لا فرق بين أظفار اليدين والرجلين.

2-   لا يجوز للمحرم شم الطيب عمدًا، ولا خلط قهوته بالزعفران الذي يؤثر في طعم القهوة أو رائحتها، ولا خلط الشاي بماء الورد ونحوه ممّا يظهر فيه طعمه أو ريحه.

3-  يستعمل الصابون الممسَّك ـ الذي رائحته رائحة مسك ـ إذا ظهرت فيه رائحة الطيب.

4-   يدخل في الرفث مقدمات الجماع، فلا يحل للمحرم أن يُقبِّل زوجته لشهوة أو يمسَّها لشهوة، أو يغمزها لشهوة، أو يداعبها لشهوة، ولا النظر إليها بشهوة.

5-   ولا يحل لها أن تمكنه من ذلك، وهي محرمة.

6-   يجوز للمحرم إذا لم يجدِ إزارًا ولا ثمنه أن يلبس السراويل، ولا شيء عليه. ويجوز له إذا لم يجد نعلين ولا ثمنهما أن يلبس الخفين، ولا شيء عليه.

عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات يقول: (من لم يجد إزارًا فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفَّين) متفق عليه.

7-   لا بأس بلف القميص على البدن دون لبس.

8-   لا بأس أن يجعل العباءة بحيث لا يلبسها كالعادة.

9-   لا بأس أن يلبس رداء أو إزارًا مرقعًا.

10-   لا بأس أن يعقد على إزاره خيطًا أو نحوه.

11-   لا بأس أن يلبس الخاتم وساعة اليد ونظارة العين وسماعة الأذن، ويعلّق القربة ووعاء النفقة في عنقه.

12-   ولا بأس أن يعقد إزاره عند الحاجة مثل أن يخاف سقوطه.

13-    لا بأس للمرأة بتغطية الرأس.

14-   ولا بأس عليها أن تلبس الجوربين.

15-    يجوز للرجل والمرأة تغيير ثياب الإحرام إلى غيرها ممّا لا يمتنع عليهما لبسه حال الإحرام.

 

.