الملف العلمي للحج

.

  حكم الحج وفضله: سابعاً: كيف نحج؟                                     الصفحة السابقة                 الصفحة التالية

 

سابعا: كيف تحج؟

أ- صفة الحج ملخصاً:

1- يلبس الحاج ثياب الإحرام، ويهل بالحج من ميقات بلده، أو من حيث هو إذا كان دون المواقيت، وفي يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة يذهب إلى منى فيبيت بها ويصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر كل صلاة في وقتها بلا جمع مع قصر الرباعية إلى ركعتين.

2- وفي اليوم التاسع يذهب إلى عرفة بعد الشروق، ويصلي الظهر والعصر جمعاً وقصراً بأذان واحد وإقامتين مع التأكد من التواجد داخل حدود عرفة.

3- يقف بعرفة يذكر ويدعو إلى غروب الشمس، فإذا غربت دفع بهدوء إلى مزدلفة، فيصلي المغرب والعشاء جمعاً بأذان وإقامتين مع قصر العشاء إلى ركعتين، ويبيت بمزدلفة ويصلي بها الفجر، ويذكر الله عند المشعر الحرام، ويجوز لأهل الأعذار الدفع منها بعد منتصف الليل.

4- ينصرف من مزدلفة قبل الشروق إلى منى، وهذا يوم العيد، فيرمي الجمرة الكبرى بسبع حصيات مكبراً مع كل حصاة.

5- يذبح هديه بمنى أو بمكة يوم العيد، ويأكل ويهدي ويتصدق، فإن لم يمتلك ثمن الهدي صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.

6- يحلق شعره أو يقصره وبهذا يتحلل التحلل الأول، فيجوز له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا زوجته.

7- يتوجه إلى مكة ليطوف طواف الإفاضة ويسعى بعده إن كان متمتعاً أو غيره ولم يكن سعى مع طواف القدوم، وبهذا يتحلل التحلل الثاني فيحل له كل شيء حتى النساء.

8- ثم يرجع إلى منى فيبيت بها ليالي التشريق مع رمي الجمرات الثلاث: الصغرى والوسطى والكبرى في تلك الأيام.

9- إذا أراد الخروج من مكة طاف طواف الوداع بلا سعي وسافر مباشرة([1]).

ب- صفة حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين([2]) لم يحج، ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج. فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر. فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع؟ قال: ((اغتسلي واستثفري([3]) بثوب وأحرمي)). فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد. ثم ركب القصواء([4]) حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وعليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله وما عمل به من شيء عملنا به. فأهل بالتوحيد([5]): ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك))، وأهل الناس بهذا الذي يُهلّون به فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم شيئاً منه ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبية. قال جابر رضي الله عنه: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ: {وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرٰهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125] فجعل المقام بينه وبين البيت. فكان أبي([6]) يقول: "ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم": كان يقرأ في الركعتين (قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون). ثم رجع إلى الركن فاستلمه. ثم خرج من الباب([7]) إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ {إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ ٱللَّهِ} [البقرة:158]. أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فرقى عليه حتى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات.

ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت([8]) قدماه في بطن الوادي سعى حتى إذا صعدتا([9]) مشي حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة. فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله! ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: ((دخلت العمرة في الحج مرتين، لا بل لأبد أبد)).

ويقدم عليٌّ من اليمن ببدن([10]) النبي صلى الله عليه وسلم فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر ذلك عليها. فقالت: إن أبي أمرني بهذا. قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محرشاً([11]) على فاطمة للذي صنعت مستفتياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكرت عنه فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها. فقال: صدقت صدقت. ماذا قلت حين فرضت الحج؟ قال: قلت: اللهم إني أهل بما أهل به رسولك. قال: فإن معي الهدي فلا تحل. قال: فكان جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائة. قال: فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي. فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة([12]) فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام([13])، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز([14]) رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة. فوجد القبة قد ضربت له بنمرة. فنزل بها. حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت([15]) له. فأتى بطن الوادي([16]) فخطب الناس وقال: ((... إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب، فإنه موضوع كله. فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه. فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به. كتاب الله وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟)) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد، ثلاث مرات)). ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا. ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات([17])، وجعل جبل المشاة([18]) بين يديه واستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلاً حتى غاب القرص وأردف أسامة خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق([19]) للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك([20]) رحله ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة. كلما أتى حبلاً من الحبال أرخى لها قليلاً حتى تصعد حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً فدفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس وكان رجلاً حسن الشعر أبيض وسيماً فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مرت به ظعن([21]) يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر ينظر حتى أتى بطن محسر فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها - حصى الخذف - رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بيده ثم أعطى علياً فنحر ما غبر([22]) وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة([23])، فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت([24])، فصلى بمكة الظهر فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال انزعوا([25]) بني عبد المطلب! فلولا أن يغلبكم الناس([26]) على سقايتكم لنزعت معكم. فناولوه دلواً فشرب منه"([27]).


 


([1]) مختصر شرح أركان الإسلام لبعض طلبة العلم، مراجعة الشيخ عبد الله الجبرين (ص 173-174) بتصرف.

([2]) مكث تسع سنين: أي بالمدينة.

([3]) الاستثفار: أن تشد في وسطها شيئاً وتأخذ خرقة عريضة تجعلها على محل الدم وتشد طرفيها من قدامها ومن ورائها في ذلك المشدود في وسطها لمنع سيلان الدم.

([4]) القصواء: اسم ناقة النبي صلى الله عليه وسلم.

([5]) أهل بالتوحيد: الإهلال رفع الصوت بالتلبية.

([6]) هذا من كلام بعض رواة الحديث.

([7]) ثم خرج من الباب: أي من باب بني مخزوم وهو الباب الذي يسمى أيضاً باب الصفا وخروجه عليه السلام منه لأنه أقرب الأبواب إلى الصفا.

([8]) حتى إذا انصبت قدماه: أي انحدرت.

([9]) حتى إذا صعدتا: أي ارتفعت قدماه عن بطن الوادي.

([10]) ببدن: هو جمع بدنة.

([11]) محرشاً: التحريش الإغراء والمراد هنا أن يذكر له ما يقتضي عتابها.

([12]) بنمرة: وهي موضع بجنب عرفات وليست من عرفات ورجح بعضهم أنها من عرفات.

([13]) ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام: معنى هذا أن قريشاً كانت في الجاهلية تقف بالمشعر الحرام وهو جبل في المزدلفة يقال له قزح، وقيل إن المشعر الحرام كل مزدلفة، وكان سائر العرب يتجاوزون المزدلفة ويقفون بعرفات فظنت قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم يقف في المشعر الحرام على عادتهم ولا يتجاوزه فتجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عرفات لأن الله تعالى أمره بذلك في قوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} أي سائر العرب غير قريش وإنما كانت قريش تقف بالمزدلفة لأنها من الحرم وكانوا يقولون نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه.

([14]) فأجاز: أي جاز المزدلفة ولم يقف بها بل توجه إلى عرفات.

([15]) فرحلت: أي وضع عليها الرحل.

([16]) بطن الوادي: هو وادي عرنة وليست عرنة من أرض عرفات على أحد الأقوال.

([17]) الصخرات: هي صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات فهذا هو الموقف المستحب.

([18]) جبل المشاة: أي مجتمعهم.

([19]) شنق: أي ضم وضيق.

([20]) المورك: الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا مل من الركوب.

([21]) ظعن: جمع ظعينة وهي البعير الذي عليه إمرأة ثم سميت به المرأة مجازاً لملابستها البعير.

([22]) ما غبر: أي بقي.

([23]) البضعة: أي القطعة من اللحم.

([24]) فأفاض إلى البيت: أي طاف بالبيت طواف الإفاضة ثم صلى الظهر.

([25]) انزعوا: أي استقوا بالدلاء وانزعوها بالرشاء (الحبال).

([26]) لولا أن يغلبكم الناس: معناه لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج ويزدحمون عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لا ستقيت معكم لكثرة فضيلة هذا الاستقاء.

([27]) هذا الحديث العظيم رواه مسلم في الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (1218).

 

 

.