موسوعة البحـوث المنــبرية   

.

  فلسطين:  إسرائيل والغرب في معركة فلسطين:                                                                             الصفحة السابقة

 

خامساً: إسرائيل والغرب في معركة فلسطين:

1- فلسطين أرض الميعاد اليهودي كما يؤمن النصارى واليهود:

لقد يتساءل المرء عن سر العلاقة الوطيدة بين الغرب وإسرائيل والتي يبرز بعضاً من صورها قول إسرائيل شاحاك "دافع الضرائب الأمريكي أرسل إلى إسرائيل خمسة مليارات دولار في عام 85.. فإن أمريكا تقدم لنا أكثر من 14 مليون دولار يومياً على مدار السنة من دون قيد أو شرط"، ومن صورها ما نراه من دفع أمريكا عن إسرائيل في المجامع الدولية حتى الإدانة والتنديد.

 ولا ريب أن للأمر علاقة وطيدة بسياسة الغرب وأمريكا في المنطقة العربية، ولكن ذلك لن ينسينا الدافع الديني لهذا الموقف.

 فالنصارى على اختلاف مللهم يؤمنون بنصوص التوراة المحرفة التي يتداولها اليهود – أسفار العهد القديم -.

 ويؤمنون أيضاً بأحقية ما جاء فيها من وعود لشعب إسرائيل، وإيمانهم بها لا يختلف كثيراً عن إيمان اليهود بها.

 يقول المبشر جيرير فولويل رئيس منظمة الأغلبية الأخلاقية، وهي منظمة مسيحية: إن الوقوف ضد إسرائيل هو وقوف ضد الله".

 ويقول دوغلاس كريكر "إن الأصوليين الإنجليزيين مثل اليهود والأرثوذكس مغرمون بالأرض التي وعد الله بها إبراهيم وذريته".

 تقول مؤلفة كتاب عن حيا وزير خارجية بريطانيا بلفور، صاحب الوعد المشهور "إنه كان يؤمن إيماناً عميقاً بالتوراة، ويقرؤها ويصدق بها حرفياً، وإنه نتيجة لإيمانه بالتوراة أصدر هذا الوعد".

 ويقول الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر "لقد آمن سبعة رؤساء أمريكيين، وجسدوا هذا الإيمان بأن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع إسرائيل هي أكثر من علاقة خاصة، بل هي علاقة مزيدة، إنها متجذرة في ضمير وأخلاق ودين ومعتقدات الشعب الأمريكي نفسه، لقد شكل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية مهاجرون طليعيون، ونحن نتقاسم تراث التوراة".

 2- النصوص التوراتية التي يؤمن بها النصارى واليهود ويعملون سويا في تحقيقها:

وأما النصوص التي اتفق النصارى واليهود على تحقيقها فهي نصوص التوراة المحرفة (أسفار العهد القديم) التي تعطي اليهود حقاً في ما بين الفرات والنيل كما تجعل من شعب فلسطين عبيداً لأمة بني إسرائيل.

 وقد تكررت هذه النصوص من مواطن شتى في التوراة المحرفة منها:

أن نوحاً قال لسام (يعتبره اليهود أباهم): "ملعون كنعان (جد قبائل فلسطين الكنعانية) عبد العبيد يكون لأخويه، فقال: مبارك الرب إله سام، وقال: ليكن كنعان عبداً لهم" (سفر التكوين/الإصحاح 9).

 ويرى اليهود والنصارى أحقية بني إسرائيل المطلقة بأرض كنعان لأن الله قال لإبراهيم " أقيم عهدي بيني وبينك وبين نفسك من بعدك في أجيالهم عهداً أبدياً، لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك، أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكاً أبدياً" (سفر التكوين/الإصحاح 12).

ويرون أن هذا الوعد خاص بأبناء إسحاق دون أبناء إسماعيل.

 فقد جاء في التوراة قولها: "ولكن عهدي أقيمه مع إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت من السنة الآتية" (سفر التكوين/الإصحاح17).

 وفي نص آخر تقول التوراة: "يدعو اسمه إسحاق وأقيم معه عهداً وأبدياً لنسله من بعده" (سفر التكوين/الإصحاح17).

 وتوضح التوراة حدود الأرض التي منحت لنبي إسرائيل "لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات" (سفر التكوين/الإصحاح 15).

 ولا يستطيع مؤمن بالتوراة – سواء كان يهودياً أو نصرانياً – إلا أن يعمل لتحقيق هذا الأمر المزعوم، وإلا فلسوف يكون ملعوناً من الله كما زعمت التوراة "كن سيداً لإخوتك، وليسجد لك بنو أمك، ليكن لاعنوك ملعونين، ومبارِكوك مباركين" (سفر التكوين/الإصحاح 27).

 يقول القسس جيمي سويجارت: "إن الرب يقول: إنني أبارك من يبارك إسرائيل، وألعن من يلعنها، وبفضل الرب ما زالت الولايات المتحدة متفوقة، وأعتقد أنها لم تبلغ ما بلغت إلا بمساندتها لإسرائيل، وأدعوا الله أن يدوم دعمنا لإسرائيل".

 ولذلك يؤيد النصارى استيطان اليهود في فلسطين، ويرون ذلك حقاً دينياً كيف لا والتوراة تقول عن أرض فلسطين "الشعب الساكن فيها مغفور الإثم" (سفر إشعيا/الإصحاح 33) لذا تقول جولد مائير رئيسة وزراء إسرائيل : "من يعيش داخل أرض إسرائيل يمكن اعتباره مؤمناً، وأما المقيم خارجها فهو إنسان لا إله له".

 3- اليهود والنصارى ينتظرون قدوم مسيحهم الظافر في فلسطين:

 وكما يؤمن النصارى بحق اليهود في فلسطين فإنهم يؤمنون بظهور المسيح ثانية في فلسطين ليقودهم إلى النصر المبين، ويرون أن قيام دولة إسرائيل شرط في رجوع المسيح الذي سيحكم أرض إسرائيل في رجوعه الثاني، فيما يعتبر اليهود أن القادم ليس هو مسيح النصارى بل آخر يأتي لأول مرة.

  وفي التبشير بهذا القادم تقول التوراة "يُولد لنا ولد، ونعطى ابناً، وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام، لنمو رياسته وللسلام، لا نهاية على كرسي داود (عرش فلسطين) وعلى مملكته ليثبتها ولا يعضدها، بالحق والبر، من الآن إلى الأبد، وغيرة رب الجنود تصنع هذا" (سفر إشعيا/الإصحاح التاسع).

 يقول لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا النصراني عن نفسه: إنه صهيوني وإنه يؤمن بما جاء في التوراة في ضرورة عودة اليهود، وأن عودة اليهود مقدمة لعود المسيح".

 ويقول حاخام إسرائيلي موجهاً خطابه للنصارى: "إنكم تنتظرون مجيء المسيح للمرة الثانية، ونحن ننتظر مجيئه للمرة الأولى (لأنهم لا يؤمنون بالمسيح عليه السلام)، فلنبدأ أولاً ببناء الهيكل، وبعد مجيء المسيح ورؤيته نسعى لحل القضايا المتبقية سوياً".

 وفي المجمع العالمي الثاني للكنائس المسيحية في أفانستون عام 1954م قدم للمجمع تقرير جاء فيه " إن الرجاء المسيحي بالمجيء الثاني للمسيح لا يمكن بحثه عبر فصله عن رجاء شعب إسرائيل الذي لا نراه بوضوح فقط في كتب العهد القديم (التوراة) بل فيما نراه من عون إلهي دائم لهذا الشعب..  إننا نؤمن أن الله اختار شعب إسرائيل لكي يتابع خلاصه للبشرية.. 

ولذلك فإن شعب العهد الجديد (الإنجيل) لا يمكن أن ينفصل عن شعب العهد القديم (التوراة).

إن انتظارنا لمجيء المسيح الثاني يعني أملنا القريب في اعتناق الشعب اليهودي للمسيحية، وفي محبتنا الكاملة لهذا الشعب المختار".

 ويقول المبشر المسيحي أوين "إن إرهابيين يهوداً سينسفون المكان الإسلامي المقدس وسيستفزون العالم الإسلامي للدخول في حرب مقدسة مدمرة مع إسرائيل، ترغم المسيح المنتظر على التدخل".

 ويقول رونالد ريجان رئيس أمريكا الأسبق "أجد في التوراة أن الله سيلمُّ شمل بني إسرائيل في أرض الميعاد، وقد حدث هذا بعد قرابة ألفي سنة، ولأول مرة فإن كل شيء مهيأ لمعركة مجدد والمجيء الثاني للمسيح".

  ومعركة مجدو هي (المعركة النهائية الفاصلة التي يتوقع النصارى أن ينتصروا فيها واليهود على عدوهم).

 4- القول الحق في الوعد المزعوم لليهود:

 يؤمن المسلمون بأن الله وعد إبراهيم عليه السلام ببركة واستخلاف في ذريته حين طلب ذلك من الله: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين } [البقرة:124].

 وهكذا كان الوعد الإلهي لإبراهيم في ذريته مشروطاً بالصلاح، وقد تكرر ذلك الشرط عندما طلب من الله أن يرزق أهل بلده الحرام من كل الثمرات {إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير} [البقرة:126].

 وأكدت الآيات تميز أبناء إبراهيم باعتبار الصلاح والفساد، فتقول عن إسماعيل {وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين } [الصافات:113].

 وعليه نقول : إن الصالحين من ذرية إبراهيم عليه السلام هم الذين يستحقون البركة والاستخلاف، خلافاً لما زعمه اليهود حين زعموا أن لهم امتيازاً على العالمين استحقوه من جهة نسبهم الشريف، وهذه الخصوصية – كما يرون – تجعل من الأرض المقدسة حقاً مشروعاً لهم إلى قيام الساعة، فهم أبناء الله وأحباؤه – زعموا -.

 والله تعالى أكذبهم حين قال: { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء:105].

 فقد كان استخلاف بني إسرائيل في الأرض المقدسة مشروطاً بإقامة منهج الله {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} [الجاثية:17].

 ثم تمضي الآيات لتقرر عصيان اليهود وعدم استحقاقهم لاختيار الله واصطفائه، وتقرر انتقال ذلك إلى أمة الإسلام {وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون % ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} [الجاثية:18-19].

 وانتقلت خيرية الله المخولة بالخلافة عنه في أرضه إلى الأمة التي تعبد الله وتقيم دينه وشرائعه {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} [آل عمران:110].

 وتمضي الآيات توضح حال بني إسرائيل، والسبب الذي نزع لأجله الاصطفاء منهم فتقول: {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} [آل عمران:112].

 وإنا لنعجب لليهود والنصارى وهم يستدلون بنصوص التوراة المحرفة عن الوعد الإلهي لليهود في أرض فلسطين كيف يتغافلون عن نصوص أخرى جاء فيها ما يشير إلى أن الله سيذلهم وسينتقم منهم جزاء انتهاكهم حرمات الله، ولسوف يستبدلهم بأمة أخرى جاهلة فقالت التوراة عن بني إسرائيل "هم أغاروني بغير إله، وأغضبوني بمعبوداتهم الباطلة، وأنا أيضاً أغيرهم بغير شعب، وبشعب جاهل أغضبهم" (سفر التثنية/الإصحاح 32). فأغضبهم الله بأمة العرب وبأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد وصفهم الله فقال: { ليغيظ بهم الكفار } [الفتح:29].

 
.