الملف العلمي لعاشوراء

.

  عاشوراء : رابعاً: حكم صيامه:                                                                     الصفحة السابقة                     الصفحة التالية

 

رابعا: حكم صيامه:

1- حكمه قبل أن يفرض رمضان:

اختلف في ذلك على قولين:

القول الأول: أنه كان واجبا، وهو قول أبي حنيفة ووجه عند الشافعية([1])، وروي عن أحمد([2]).

واستدلوا: بحديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم أن أذّن في النّاس أنّ من أكل فليصم بقيّة يومه, ومن لم يكن أكل فليصم, فإنّ اليوم يوم عاشوراء([3]).

وبحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهليّة, وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصومه، فلمّا قدم المدينة صامه وأمر النّاس بصيامه، فلمّا فرض رمضـان قال: ((من شـاء صامه، ومن شاء تركه))([4]).

وذلك من وجهين: أولهما أن الأمر في قوله: (فليصم) وفي قولها: (وأمر بصيامه) للوجوب، والثاني أن قولها: فلمّا فرض رمضـان قال: ((من شـاء صامه، ومن شاء تركه)) يشعر أن صيامه كان واجبا قبل فرض رمضان.

القول الثاني: أنه لم يزل سنة من حين شرع، ولم يكن واجبا قط في هذه الأمة، ولكنه كان متأكد الاستحباب، فلما نزل صوم رمضان صار مستحبا دون ذلك الاستحباب، وهو أشهر الوجهين عند الشافعية([5])، وإليه ذهب القاضي وقال: هذا قياس المذهب([6]).

واستدلوا: بحديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنّ هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء صام, ومن شاء فليفطر))([7]).

وردَّ ذلك الحافظ فقال: "قوله: ((ولم يكتب الله عليكم صيامه...)) إلخ استدل به على أنه لم يكن فرضًا قط، ولا دلالة فيه لاحتمال أن يريد: ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان، وغايته أنه عام خُصَّ بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه، أو المراد أنه لم يدخل في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [البقرة:183]، ثم فسره بأنه شهر رمضان، ولا يناقض هذا الأمر السابق بصيامه الذي صار منسوخا، ويؤيد ذلك أن معاوية إنما صحب النبي صلى الله عليه وسلم من سنة الفتح, والذين شهدوا أمره بصيام عاشوراء والنداء بذلك شهدوه في السنة الأولى أوائل العام الثاني, ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبًا لثبوت الأمر بصومه، ثم تأكد الأمر بذلك، ثم زيادة التأكيد بالنداء العام، ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك، ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال، وبقول ابن مسعود الثابت في مسلم: لما فرض رمضان ترك عاشوراء، مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باقٍ، فدل على أن المتروك وجوبه.

وأما قول بعضهم: المتروك تأكد استحبابه والباقي مطلق استحبابه فلا يخفى ضعفه، بل تأكد استحبابه باق، ولا سيما مع استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ((لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر))، ولترغيبه في صومه وأنه يكفر سنة، وأي تأكيد أبلغ من هذا؟!"([8]).

فائدة الخلاف: قال النووي: "وتظهر فائدة الخلاف في اشتراط نية الصوم الواجب من الليل، فأبو حنيفة لا يشترطها، ويقول: كان الناس مفطرين أول يوم عاشوراء، ثم أمروا بصيامه بنية من النهار، ولم يؤمروا بقضائه بعد صومه، وأصحاب الشافعي يقولون: كان مستحبا فصح بنية من النهار"([9]).

والحقيقة أنه لا يلزم من القول بأنه كان واجبا صحة صيام الفرض بنية من النهار، قال ابن قدامة: "وأما تصحيحه بنية من النهار وترك الأمر بقضائه فيحتمل أن نقول: من لم يدرك اليوم بكماله لم يلزمه قضاؤه، كما قلنا فيمن أسلم وبلغ في أثناء يوم من رمضان"([10]).

2- حكمه بعد أن فرض رمضان:

نقل النووي الاتفاق على أنه اليوم سنة وليس بواجب([11]).

وقال: "قال القاضي عياض: وكان بعض السلف يقول: كان صوم عاشوراء فرضا، وهو باق على فرضيته لم ينسخ، قال: وانقرض القائلون بهذا، وحصل الإجماع على أنه ليس بفرض، وإنما هو مستحب، وروي عن ابن عمر كراهة قصد صومه وتعيينه بالصوم، والعلماء مجمعون على استحبابه وتعيينه للأحاديث، وأما قول ابن مسعود: (كنا نصومه ثم ترك) فمعناه أنه لم يبق كما كان من الوجوب وتأكد الندب"([12]).

وضعَّف الحافظ قول من قال: إن المراد بالترك في كلام ابن مسعود ترك تأكُّد الندب، والصحيح أن المتروك هو الوجوب، وأما تأكد الاستحباب فباق، والله أعلم([13]).


 


([1]) انظر: شرح صحيح مسلم (8/4).

([2]) انظر: المغني (4/442).

([3])  أخرجه البخاري في الصوم (2007)، ومسلم في الصيام (1135).

([4])  أخرجه البخاري في الصوم (2002)، ومسلـم في الصيام (1125).

([5]) انظر: شرح صحيح مسلم (8/4).

([6]) انظر: المغني (4/441-442).

([7])  أخرجه البخاري في الصوم (2003)، ومسلم في الصيام (1129).

([8])  فتح الباري (4/247).

([9]) شرح صحيح مسلم (8/4).

([10]) المغني (4/442).

([11]) شرح صحيح مسلم (8/4).

([12]) شرح صحيح مسلم (8/5).

([13]) فتح الباري (4/247).

 

.