الملف العلمي لعاشوراء

.

  عاشوراء : ثالثاً: ما ورد في صيامه:                                                          الصفحة السابقة                 الصفحة التالية

 

ثالثاً: ما ورد في صيامه:

1- عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشّهر, يعني رمضان([1]).

قال الحافظ ابن حجر: "هذا يقتضي أنّ يوم عاشُوراء أفضلُ الأيّام للصّائم بعد رمضان, لكنّ ابن عبّاس أسند ذلك إلى علمه فليس فيه ما يرُدُّ علم غيره, وقد روى مُسلم من حديث أبي قتادة مرفُوعًا: ((إنّ صوم عاشُوراء يُكفّر سنةً, وإنّ صيام يوم عرفة يُكفّر سنتين))، وظاهره أنّ صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشُوراء... وإنّما جمع ابن عبّاس بين عاشُوراء ورمضان - وإن كان أحدُهُما واجبًا والآخر مندُوبًا - لاشتراكهما في حُصُول الثّواب, لأنّ معنى (يتحرّى) أي: يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرّغبة فيه"([2]).

2- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان، فلما افترض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن عاشوراء يوم من أيام الله، فمن شاء صامه ومن شاء تركه))([3]).

3- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهليّة, وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصومه، فلمّا قدم المدينة صامه وأمر النّاس بصيامه، فلمّا فرض رمضـان قال: ((من شـاء صامه ومن شاء تركه))([4]).

قال النووي: "اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء اليوم سنّة ليس بواجب... وروي عن ابن عمر كراهة قصد صومه وتعيينه بالصوم، والعلماء مجمعون على استحبابه وتعيينه"([5]).

وقال الحافظ ابن حجر: "وأمّا صيام قريش لعاشوراء فلعلّهم تلقّوه من الشّرع السّالف، ولهذا كانوا يعظّمونه بكسوة الكعبة فيه وغير ذلك. ثمّ رأيت في المجلس الثّالث من مجالس الباغنديّ الكبير عن عكرمة أنّه سئل عن ذلك فقال: أذنبت قريش ذنبا في الجاهليّة فعظم في صدورهم, فقيل لهم: صوموا عاشوراء يكفّر ذلك. هذا أو معناه"([6]).

4- وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: كان يوم عاشوراء تعظّمه اليهود وتتّخذه عيدا, فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ((صوموه أنتم))([7]).

قال النووي: "والحاصل من مجموع الأحاديث أن يوم عاشوراء كانت الجاهلية من كفار قريش وغيرهم واليهود يصومونه، وجاء الإسلام بصيامه متأكدًا، ثم بقي صومه أخف من ذلك التأكيد، والله أعلم"([8]).

وقال أيضًا: "قال المازري: خبر اليهود غير مقبول، فيُحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم أُوحي إليه بصدقهم فيما قالوه، أو تواتر عنده النقل بذلك حتى حصل له العلم به. قال القاضي عياض ـ ردًا على المازري ـ: قد روى مسلم أن قريشًا كانت تصومـه، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صامه، فلم يحدث له بقول اليهود حكم يحتاج إلى الكلام عليه، وإنما هي صفة حال، وجواب سؤال"([9]).

5- وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء, فقال: ((ما هذا؟)) قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى اللّه بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى, قال: ((فأنا أحقّ بموسى منكم)), فصامه وأمر بصيامـه([10]).

قال الحافظ: "قوله: (قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم) في رواية لمسلم: (فوجد اليهود صيامًا)... وقد استُشكل ظاهر الخبر لاقتضائه أنّه صلى الله عليه وسلم حين قدومه المدينة وجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، وإنّما قدم المدينة في ربيع الأوّل، والجواب عن ذلك أنّ المراد أنّ أوّل علمه بذلك وسؤاله عنه كان بعد أن قدم المدينة لا أنه قبل أن يقدمها علم ذلك، وغايته أن في الكلام حذفا تقديره: قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة، فأقام إلى يوم عاشوراء، فوجد اليهود فيه صيامًا، ويحتمل أن يكون أولئك اليهود كانوا يحسبون يوم عاشوراء بحساب السّنين الشّمسيّة, فصادف يوم عاشوراء بحسابهم اليومَ الّذي قدم فيه النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة. وهذا التأويل مما يترجح به أولوية المسلمين وأحقيتهم بموسى عليه الصلاة والسلام؛ لإضلالهم اليوم المذكور وهداية الله للمسلمين له ولكن سياق الأحاديث تدفع هذا التأويل، والاعتمادُ على التأويل الأول... قوله :(وأمر بصيامه)... استُشكل رجوعه إليهم ـ أي: اليهود ـ في ذلك، وأجاب المازريّ باحتمال أن يكون أوحي إليه بصدقهم، أو تواتر عنده الخبر بذلك, زاد عياض: أو أخبره به من أسلم منهم كابن سلام, ثمّ قال: ليس في الخبر أنّه ابتدأ الأمر بصيامه, بل في حديث عائشة التّصريح بأنّه كان يصومه قبل ذلك, فغاية ما في القصّة أنّه لم يحدث له بقول اليهود تجديد حكم, وإنما هي صفة حال وجواب سؤال، ولم تختلف الروايات عن ابن عباس في ذلك، ولا مخالفة بينه وبين حديث عائشة أنّ أهل الجاهليّة كانوا يصومون كما تقدّم, إذ لا مانع من توارد الفريقين على صيامه مع اختلاف السّبب في ذلك، قال القرطبيّ: لعل قريشا كانوا يستندون في صومه إلى شرع من مضى كإبراهيم، وصوم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل أن يكون بحكم الموافقة لهم كما في الحج، أو أذن الله له في صيامه على أنه فعل خير، فلما هاجر ووجد اليهود يصومونه وسألهم وصامه وأمر بصيامه احتمل ذلك أن يكون ذلك استئلافا لليهود كما استألفهم باستقبال قبلتهم، ويحتمل غير ذلك، وعلى كلّ حال فلم يصمه اقتداء بهم, فإنّه كان يصومه قبل ذلك, وكان ذلك في الوقت الّذي يحبّ موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه"([11]).

وقال في عون المعبود في قوله صلى الله عليه وسلم: ((نحنُ أولى بمُوسى)): "أي نحنُ أثبت وأقرب لمُتابعة مُوسى صلّى اللّه عليه وسلّم منكُم، فإنّا مُوافقُون لهُ في أُصُول الدّين، ومُصدّقُون لكتابه، وأنتُم مُخالفُون لهُما بالتّغيير والتّحريف"([12]).

6- وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: لمّا صام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول اللّه، إنّه يوم تعظّمه اليهود والنّصارى, فقال: ((إذا كان عام المقبل إن شاء اللّه صمنا اليوم التّاسع))، قال: فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم([13]).

قال الشوكاني: "قوله: (تعظّمه اليهود والنّصارى) استشكل هذا بأنّ التّعليل بنجاة موسى وغرق فرعون ممّا يدلّ على اختصاص ذلك بموسى واليهود، وأجيب باحتمال أن يكون سبب تعظيم النّصارى أنّ عيسى كان يصومه, وهو ما لم ينسخ من شريعة موسى; لأنّ كثيرا منها ما نسخ بشريعة عيسى لقوله تعالى: {وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران:50]، وأكثر الأحكام إنّما يتلقّاها النّصارى من التّوراة، وقد أخرج أحمد عن ابن عبّاس أنّ السّفينة استوت على الجوديّ فيه, فصامه نوح وموسى شكرا للّه تعالى, وكأن ذكر موسى دون غيره لمشاركته له في الفرح باعتبار نجاتهما وغرق أعدائهما"([14]).

7- وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم أن أذّن في النّاس أنّ من أكل فليصم بقيّة يومه, ومن لم يكن أكل فليصم, فإنّ اليوم يوم عاشوراء([15]).

8- وعن علقمة أنّ الأشعث بن قيس دخل على عبد اللّه رضي الله عنه وهو يطعَم يوم عاشوراء, فقال: يا أبا عبد الرّحمن، إنّ اليوم يوم عاشوراء! فقال: قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان, فلمّا نزل رمضان ترك، فإن كنت مفطرا فاطعَم([16]).

9- وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنّ هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء صام, ومن شاء فليفطر))([17]).

10- وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله))([18]).

قال ابن القيم: "إن قيل: لم كان عاشوراء يكفر سنة، ويوم عرفة يكفر سنتين؟ قيل: فيه وجهان:

أحدهما أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام، بخلاف عاشور.

الثاني أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا بخلاف عاشوراء، فضوعف ببركات المصطفى صلى الله عليه وسلم. والله أعلم"([19]).

وقال الحافظ ابن حجر: "وظاهره أن صيام يوم عرفة أفضل من صيام يوم عاشوراء، وقد قيل في الحكمة في ذلك: إن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام، ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك كان أفضل"([20]).

وقد استشكل بعضهم هذا الحديث بأنه إذا كان دأب العبد صيام يومي عرفة وعاشوراء، فماذا عسى أن يكفر صيام عاشوراء وقد تقدمه صيام يوم عرفة الذي يكفر سنة ماضية وأخرى آتية؟! وقد أجاب عن ذلك ابن القيم فقال: "وينبغي أن يعلم أن سائر الأعمال تجري هذا المجرى، فتفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص والمحبة وتوابعها، وهذا العمل الكامل هو الذي يكفر السيئات تكفيرا كاملا، والناقص بحسبه، وبهاتين القاعدتين تزول إشكالات كثيرة، وهما: تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان، وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه. وبهذا يزول الإشكال الذي يورده من نقص حظه من هذا الباب على الحديث الذي فيه: ((إن صوم يوم عرفة يكفر سنتين، ويوم عاشوراء يكفر سنة))، قالوا: فإذا كان دأبه دائما أنه يصوم يوم عرفه فصامه وصام يوم عاشوراء، فكيف يقع تكفير ثلاث سنين كلَّ سنة؟! وأجاب بعضهم عن هذا بأن ما فضل عن التكفير ينال به الدرجات، ويا لله العجب، فليت العبد إذا أتى بهذه المكفرات كلها أن تكفر عنه سيئاته باجتماع بعضها إلى بعض، والتكفير بهذه مشروط بشروط، وموقوف على انتفاء موانع في العمل وخارجه، فإن علم العبد أنه جاء بالشروط كلها، وانتفت عنه الموانع كلها، فحينئذ يقع التكفير، وأما عمل شملته الغفلة أو لأكثره، وفقد الإخلاص الذي هو روحه، ولم يوَفّ حقّه، ولم يقدره حق قدره، فأي شيء يكفر هذا؟! فإن وثق العبد من عمله بأنه وفاه حقه الذي ينبغي له ظاهرا وباطنا، ولم يعرض له مانع يمنع تكفيره، ولا مبطل يحبطه، من عجب أو رؤية نفسه فيه أو يمن به أو يطلب من العباد تعظيمه به أو يستشرف بقلبه لمن يعظمه عليه أو يعادي من لا يعظمه عليه ويرى أنه قد بخسه حقه وأنه قد استهان بحرمته، فهذا أي شيء يكفر؟! ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه"([21]).

11- وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه، ويتعاهدنا عنده، فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا، ولم يتعاهدنا عنده([22]).

12- وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: ((من كان أصبح صائمًا فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه))، فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوّم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار. وفي رواية: ونصنع لهم اللعبة من العهن، فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم([23]).

قال النووي: "العهن: هو الصوف مطلقًا، وقيل: الصوف المصبوغ... وفي هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات، وتعويدهم العبادات، ولكنهم ليسوا مكلفين"([24]).

13- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عاشوراء عيد نبي كان قبلكم، فصوموه أنتم))([25]).

قال المناوي: "روي أنه يوم الزينة الذي كان فيه ميعاد موسى لفرعون، وأنه كان عيدا لهم، قال ابن رجب: وهذا يدل على النهي عن اتخاذه عيدا، وعلى ندب صوم أعياد الكفار"([26]).


 


([1])  أخرجه البخاري في الصوم (2006) واللفظ له، ومسلم في الصيام (1132).

([2])  فتح الباري (4/249).

([3])  أخرجه البخاري في الصوم (2000) مختصرًا، ومسلم في الصيام (1126) واللفظ له.

([4])  أخرجه البخاري في الصوم (2002)، ومسلـم في الصيام (1125).

([5])  شرح صحيح مسلم (8/4).

([6])  فتح الباري (4/246).

([7])  أخرجه البخاري في الصوم (2005)، ومسلم في الصيام (1131).

([8])  شرح صحيح مسلم (8/9).

([9])  شرح صحيح مسلم (8/10-11).

([10])  أخرجـه البخـاري في الصوم (2004)، ومسلم في الصيام (1130).

([11])  فتح الباري (4/247 ـ 248).

([12])  عون المعبود (4/78 ـ 79).

([13])  أخرجه مسلم  في الصيام (1134).

([14])  نيل الأوطار (4/244).

([15])  أخرجه البخاري في الصوم (2007)، ومسلم في الصيام (1135).

([16])  أخرجه مسلم في الصيام (1127).

([17])  أخرجه البخاري في الصوم (2003)، ومسلم في الصيام (1129).

([18])  أخرجه مسلم في الصيام (1162).

([19] بدائع الفوائد (4/211).

([20])  فتح الباري (4/249).

([21]) الوابل الصيب (ص 19-20).

([22]) أخرجه مسلم في الصيام (1128).

([23]) أخرجه البخاري في الصوم (1960)، ومسلم في الصيام (1136) واللفظ له.

([24]) شرح صحيح مسلم (8/14).

([25]) قال الهيثمي في المجمع (3/185): "رواه البزار، وفيه إبراهيم الهجري وثقه ابن عدي وضعفه الأئمة"، وأورده الألباني في ضعيف الجامع (3672).

([26]) فيض القدير (4/299).

 

.