موسوعة البحـوث المنــبرية

.

  الشرك: خامساً: تحريم الشرك وبيان أنه أكبر الكبائر:   الصفحة السابقة              الصفحة التالية            (الصفحة الرئيسة)

 

خامسا: تحريم الشرك وبيان أنه أكبر الكبائر:

1- الشرك أعظم الظلم:

قال تعالى: {إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13].

قال ابن كثير: "أي: هو أعظم الظلم"[1].

وقال ابن سعدي: "ووجه كونه عظيماً أنه لا أفظع وأبشع ممن سوّى المخلوق من تراب بمالك الرقاب، وسوّى الذي لا يملك من الأمر شيئاً بمن له الأمر كله، وسوّى الناقص الفقير من جميع الوجوه بالربّ الكامل الغني من جميع الوجوه، وسوّى من لم ينعم بمثقال ذرة [من النعم] بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم ودنياهم وأخراهم وقلوبهم وأبدانهم إلا منه، ولا يصرف السوء إلا هو، فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟!"[2].

2- الشرك مما نهى الله تعالى عنه وحرّمه:

قال الله تعالى: {وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} [النساء:36].

وقال سبحانه: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} [الأنعام:151].

قال ابن كثير: "يأمر تبارك وتعالى بعبادته وحده لا شريك له، فإنه هو الخالق الرازق المنعم المتفضّل على خلقه في جميع الآنات والحالات، فهو المستحقّ منهم أن يوحّدوه ولا يشركوا به شيئاً من مخلوقاته"[3].

وقال ابن سعدي: "يأمر تعالى عباده بعبادته وحده لا شريك له، وهو الدخول تحت رقّ عبوديته، والانقياد لأوامره ونواهيه، محبة وذلاً وإخلاصاً له، في جميع العبادات الظاهرة والباطنة. وينهي عن الشرك به شيئاً، لا شركاً أصغر ولا أكبر، لا ملَكاً ولا نبياً ولا ولياً ولا غيرهم من المخلوقين الذين لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً"[4].

3- الشرك أكبر الكبائر:

عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟)) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((الإشراك بالله، وعقوق الوالدين))، وكان متكئا فجلس فقال: ((ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور))، فما زال يقولها حتى قلت: لا يسكت[5].

وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر قال: ((الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وقول الزور))[6].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات))[7].

قال ابن تيمية: "اعلم ـ رحمك الله ـ أن الشرك بالله أعظم ذنب عُصي الله به، قال الله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء:48]، وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم سئل: أي الذنب أعظم؟ قال: ((أن تجعل لله نداً وهو خلقك))[8]"[9].

وقال حافظ الحكمي: "والمقصود أن الشرك أعظم ما نهى الله عنه، كما أن التوحيد أعظم ما أمر الله به، ولهذا كان أول دعوة الرسل كلهم إلى توحيد الله عز وجل ونفي الشرك، فلم يأمروا بشيء قبل التوحيد، ولم ينهوا عن شيء قبل الشرك، وما ذكر الله تعالى التوحيد مع شيء من الأوامر إلا جعله أوَّلها، ولا ذكر الشرك مع شيء من النواهي إلا جعله أولها"[10].

4- الشرك لا يغفره الله:

قال الله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء:48].

قال ابن كثير: "أخبر تعالى أنه لا يغفر لعبد لقيه وهو مشرك به، ويغفر ما دون ذلك من الذنوب لمن يشاء من عباده"[11].

قال ابن تيمية: "فالشرك لا يغفره الله، وما دون الشرك أمرُه إلى الله إن شاء عاقب عليه، وإن شاء عفا عنه"[12].

وقال سليمان آل الشيخ: "فتبين بهذا أن الشرك أعظم الذنوب، لأن الله تعالى أخبر أنه لا يغفره، أي: إلا بالتوبة منه، وما عداه فهو داخل تحت مشيئة الله إن شاء غفره بلا توبة، وإن شاء عذّبه، وهذا يوجب للعبد شدة الخوف من هذا الذنب الذي هذا شأنه عند الله"[13].

قال الشنقيطي: "ذكر الله في هذه الآية الكريمة أنه تعالى لا يغفر الإشراك به، وأنه يغفر غير ذلك لمن يشاء، وأنّ من أشرك به فقد افترى إثماً عظيماً. وذكر في مواضع أخر أن محل كونه لا يغفر الإشراك به إذا لم يتب المشرك من ذلك، فإن تاب غفر له، كقوله: {إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً} [مريم:60] الآية، فإن الاستثناء راجع لقوله: {وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ} [الفرقان:68] وما عطف عليه، لأن معنى الكلّ جُمع في قوله: {وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً} الآية، وقوله: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:28]"[14].

5- الشرك يحبط الأعمال:

قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ} [الزمر:65].

وقال عز وجل: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88].

قال ابن كثير: "هذا تشديدٌ لأمر الشرك، وتغليظ لشأنه، وتعظيم لملابسته"[15].

وقال ابن سعدي: "فإن الشرك محبط للعمل، موجب للخلود في النار، فإذا كان هؤلاء الصفوة الأخيار لو أشركوا ـ وحاشاهم ـ لحبطت أعمالهم، فغيرهم أولى"[16].

6- الشرك يوجب الخلود في النار وتحريم الجنة:

قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ} [المائدة:72].

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من مات وهو يدعو من دون الله نداً دخل النار))[17].

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار))[18].

قال القرطبي: "أي: من لم يتّخذ معه شريكاً في الإلهية ولا في الخلق ولا في العبادة، ومن المعلوم من الشرع المجمع عليه عند أهل السنة أن من مات على ذلك فلا بد له من دخول الجنة وإن جرت عليه قبل ذلك أنواع من العذاب والمحنة، وإن مات على الشرك لا يدخل الجنة، ولا يناله من الله رحمة، ويخلد في النار أبد الآباد من غير انقطاع عذاب، ولا تصرم آماد، وهذا معلوم ضروري من الدين مجمع عليه بين المسلمين"[19].

وقال النووي: "فأما دخول المشرك النار فهو على عمومه، فيدخلها ويخلد فيها، ولا فرق بين الكتابي اليهودي والنصراني، وبين عبدة الأوثان وسائر الكفرة، ولا فرق عند أهل الحق بين الكافر عناداً وغيره، ولا بين من خالف ملة الإسلام وبين من انتسب إليها ثم حكم بكفره بجحده ما يكفر بجحده وغير ذلك"[20].


[1] تفسير القرآن العظيم (3/708).

[2] تيسير الكريم الرحمن (648).

[3] تفسير القرآن العظيم (1/468).

[4] تيسير الكريم الرحمن (178).

[5] أخرجه البخاري في الأدب، باب: عقوق الوالدين من الكبائر (5976)، ومسلم في الإيمان (87).

[6] أخرجه البخاري في الأدب، باب: عقوق الوالدين من الكبائر (5977)، ومسلم في الإيمان (88).

[7] أخرجه البخاري في الحدود، باب: رمي المحصنات (6857)، ومسلم في الإيمان (89).

[8] أخرجه البخاري في الأدب، باب قتل الولد خشية أن يأكل معه (6001)، ومسلم في الإيمان (86).

[9] مجموع الفتاوى (1/88).

[10] معارج القبول (1/318).

[11] تفسير القرآن العظيم (1/482).

[12] مجموع الفتاوى (11/663).

[13] التيسير العزيز الحميد (115).

[14] أضواء البيان (1/291).

[15] تفسير القرآن العظيم (2/174).

[16] تيسير الكريم الرحمن (264).

[17] أخرجه البخاري في التفسير، باب: قوله: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً} (4497).

[18] أخرجه مسلم في الإيمان (93).

[19] المفهم (1/290).

[20] شرح صحيح مسلم (2/97).

 

.